مصر والخطوط الحمراء في السودان: لماذا أخرجت القاهرة بطاقة الإنذار الآن، وماذا يعني ذلك لمستقبل الحرب والسلطة؟
📝 أواب عزام البوشي
زيارة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان الأخيرة إلى القاهرة لم تكن مجرد رحلة عادية، بل حدث سياسي ذو دلالات عميقة، وجاء البيان المصري بمثابة بطاقة إنذار واضحة تحمل لغة تهديد دقيقة وصارمة. بيان الجمهورية المصرية لم يقتصر على التأكيد على الروابط الإنسانية أو الأخوية، بل رسم ما أسماه “خطوطًا حمراء” للأمن القومي المصري المرتبط بالسودان، وحدد أبعادها في ثلاثة محاور رئيسية: وحدة السودان وسلامة أراضيه، رفض أي كيانات موازية، والحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية كما تراها القاهرة. *البعد السوداني الداخلي:-* الجانب السوداني اكتفى بردود فعل محدودة، أبرزها تغريدة شكر من البرهان، دون أي بيان رسمي مشترك. هذا الصمت يفتح أسئلة حول موقف المجلس السيادي، الجيش، والأحزاب السياسية من هذا البيان: هل يُنظر إليه كضمان لدعم القاهرة للجنرال، أم أنه يمثل ضغطًا على السلطة لمواجهة مطالب داخلية وإقليمية؟ الجيش السوداني، المنقسِم بالفعل، قد يرى البيان وسيلة لإعادة ترتيب موازين النفوذ، بينما القوى المدنية والأحزاب تخشى أن يتحول هذا الضغط المصري إلى تعزيز لموقع البرهان على حساب الحل السياسي الشامل. هنا يظهر سؤال مهم: هل تستطيع القوى المدنية تقديم ضمانات لمصر تجعلها تغير موقفها أو تخفف من الخطوط الحمراء؟، فالقاهرة، كما يظهر من البيان، لا تسعى سوى لحماية مصالحها وتأمين نفوذها بغض النظر عن الأطراف الداخلية، سواء جنرالات أو أحزاب مدنية. *الأبعاد الإقليمية والدولية:-* توقيت البيان مرتبط بتحركات إقليمية ودولية: زيارة البرهان للرياض بعد طلب ولي العهد السعودي من ترامب، ثم القفز إلى القاهرة، يعكس ترتيبًا دقيقًا بين واشنطن، الرياض، والسيسي. كما جاء البيان في وقت يعاني فيه البرهان من ضغوط دولية كبيرة، ويبدو أن القاهرة استغلت هذا الضعف لإعادة فرض نفوذها. بالإضافة إلى ذلك، هناك ملفات أخرى مثل ملف سد النهضة، حيث تحاول القاهرة عبر هذا البيان تعزيز موقعها كحامي للمصالح المائية والأمنية، دون فتح مواجهة مباشرة مع إثيوبيا في هذه المرحلة. الجدير بالذكر أن ردود الفعل المصرية على البيان جاءت مرحّبة من الإسلاميين، الذين يعانون من ضغوط خارجية كبيرة، ما يعكس أن الخطاب المصري لم يكتفِ بترتيب النفوذ السياسي، بل كان له أثر على بعض القوى المحلية داخل السودان أيضًا. *السيناريوهات المستقبلية المتوقعة :-* إذا تم تجاوز الخطوط الحمراء، قد تجد القاهرة نفسها مضطرة للتحرك على الأرض أو دبلوماسيًا بطريقة لم تخطط لها مسبقًا. وإذا فشل البرهان في الحفاظ على السيطرة، فإن رهانات مصر على شخصه تتحول إلى عبء استراتيجي، وقد يؤدي ذلك إلى مزيد من الفوضى في الخرطوم، وربما إعادة ترتيب السلطة بشكل غير متوقع. *السياق التاريخي :-* هذا ليس أول اختبار للقاهرة مع السودان أو الجنرالات فيه؛ فقد تعاملت مصر سابقًا مع تحولات السلطة في السودان بحرص على حماية مصالحها، سواء عبر دعم شخصيات عسكرية معينة أو الضغط على الحكومات المدنية، كما يظهر من ملفات مثل الجيش والسيطرة على حلايب وشلاتين منذ 1995. هذه الخلفية التاريخية تعطي سياقًا أوسع لفهم استراتيجية القاهرة اليوم. وسط هذا الصراع الدبلوماسي والسياسي، يعاني المدنيون في السودان والمناطق المتأثرة بالحرب ، نقص في الخدمات الأساسية، ومعاناة حقيقية للنساء والأطفال. البيان المصري، رغم تركيزه على الأمن القومي والسياسة، لن يغيّر واقع حياة هؤلاء المدنيين، مما يضيف بعدًا إنسانيًا مؤثرًا للملف السوداني. البيان المصري ليس مجرد وثيقة دبلوماسية، بل إعلان صريح عن سياسة نفوذ صارمة في لحظة حرجة من الحرب السودانية. وهو يطرح أسئلة حيوية: هل القاهرة تستطيع حقًا ضمان مصالحها عبر رهاناتها على جنرال مأزوم؟ وهل تستطيع القوى المدنية تقديم ضمانات تجعل مصر تغير موقفها؟ أم أن السودان سيعيد كتابة قواعد اللعبة دون إشرافها، مهما كانت الخطوط الحمراء؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة