بعد مشاركة منتخبنا الوطني في بطولة، كانت بمثابة تجربة متفردة بكل المقاييس، وخروجه منها خالي الوفاض كالمعتاد، يبرز سؤال لابد منه: هل تعلمنا شيئاً، كمؤسسات رياضية، وإداريين، ولاعبين، وإعلام، وجمهور؟
خوفي أن نظل في مكاننا، رغم ثراء التجربة فنياً وإدارياً وتنظيمياً وإعلامياً وجماهيرياً، وأن نعود إلى أسطواناتنا المشروخة: حديث التخدير وتسويق الوهم فيما بيننا، وترديد عبارات من شاكلة " الهلال سيد أفريقيا" " المريخ هو الزعيم" و" صقور الجديان أبطال".
فلا نحن سادة، ولا زعماء، ولا أبطال في مجال الكرة، والسبب أن منظومتنا برمتها متهالكة.
يعشق جمهورنا الكرة ويشجع أنديته والمنتخبات بجنون، وحين يشارك أي منها خارجياً يلفت هذا الجمهور الأنظار ويسهم في انجاح البطولة. لكن إلى متى سنكتفي بهذا الدور الهامشي ونظنه كل شيء؟ قدم منتخبنا في بعض المباريات أداءً فوق الوسط بقليل، وهذا أقصى ما يمكن قوله فنياً. فلا يمكن وصف منتخبٍ يفشل باستمرار في التمرير السليم في الثلث الأخير وصناعة الفرص بأنه كان جيداً.
في كل مباراة شاهدتها للمنتخب خلال البطولة، كان ينتابني شعور بأنهم لو لعبوا ليومين كاملين فلن يسجلوا هدفاً. وهذه مشكلة كبيرة، فكرة القدم لا تُلعب في مناطقك ووسط الملعب فقط، بل يركض لاعبو كل فريق أساساً من أجل تسجيل الأهداف.
لدينا مدرب متميز، لكن ذلك وحده لن يحقق لنا شيئاً مع منظومة مهترئة كهذه.
من المهم جداً أن يتوقف المهتمون بكرة القدم عند كل تفاصيل ما عايشوه في الدوحة، من تنظيم جيد وإدارة ممتازة، وأن يلتفتوا إلى التطور الفني الملحوظ لمنتخبات لم تكن تمثل شيئاً يُذكر حتى وقتٍ قريب .
ولا تنخدعوا بعبارات الإطراء التي يطلقها الآخرون على منتخبنا وحديثهم عن "أداء جيد" رغم ظروف الحرب في السودان؛ فنحن أدرى بأنفسنا، ونعلم أن هذا حالنا ما قبل اندلاع هذه الحرب اللعينة.
وربما كان العكس هو الصحيح؛ فتواجد أنديتنا ومنتخبنا خارج السودان قلل من كثير من المؤثرات السلبية التي تحيط بها داخل البلاد، لكننا لم نمضِ بعيداً – ولن نفعل – ما لم تتغير أشياء كثيرة.
فلا يُعقل، مثلاً، أن تستمر مجموعة الاتحاد الحالية في إدارة كرة القدم رغم فشلهم المتكرر، بينما نتحمس في كل مرة ونتوقع النجاح من شلة أدمنت الفشل.
كل من بدأوا بعدنا بعشرات السنين رأيناهم يقدمون كرة قدم محترمة، لأنهم غيروا ما بأنفسهم وأتبعوا أساليب صحيحة ومدروسة. أما نحن، فنكتفي دائماً بخطوات شكلية محدودة، مثل التعاقد مع مدرب عالمي، ونتوهم أن ذلك كفيل بتغيير كل شيء، متناسين أن لاعبنا غارق في المحلية وهو ابن بيئته، وأنه من الصعب على أي مدرب أن يحوله إلى منافس إقليمي أو عالمي في ظل تخلف يطال كل تفاصيل حياته.
نفوز في مباراة واحدة، فنبالغ في الاحتفاء. عناوين الصحف، منشورات الجماهير، وبعض المحللين تجعلنا نعتقد أن السودان بات قريباً من تحقيق بطولة. ثم نفاجأ في اليوم التالي بأداء باهت، وربما هزيمة، لنبدأ بعد ذلك في سب اللاعبين ومسح الأرض بهم. نفعل كل ذلك لأننا شعب انفعالي في الفرح والحزن، ولدينا عداء حقيقي مع التخطيط وطول النفس. نحن لا نؤمن بأن النجاح لا يأتي بالصدفة أو لا يتحقق بين عشية وضحاها.
الفوز في مباراة أو مباراتين لا يعني اطلاقاً أننا وضعنا أقدامنا علي الطريق الصحيح، ومع ذلك لم نتوقف يوماً عن مثل هذه الافتراضات الخاطئة.
هل تأمل قادة اتحاد الكرة حال منتخب المغرب مثلاً، علماً بأنهم شاركوا في البطولة لا بمنتخبهم الأول ولا الثاني؟ هل سأل مسؤلو الاتحاد أنفسهم: كيف لمنتخب ثالث في المغرب أن يظفر في النهاية بكأس البطولة، بينما يخرج منتخبنا نحن، الذين ساهمنا في تأسيس الاتحاد الأفريقي خالي الوفاض وبهدف وحيد؟
أكاد أجزم أن لا مجموعة الاتحاد ولا إعلامنا الرياضي سيقف أمام ذلك؛ فالكل ينتظر المشاركة القادمة للمنتخب أو أحد أنديتنا، وما أن نحقق فوزاً واحداً، سنعود إلى نفس الأسطوانة، ونتحدث عن " الانطلاقة نحو مجد مُتوهم". فنحن قوم لا نتعلم من الدروس.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة