السودان بين الفوضى والتحول: ما يجب على المجتمع الإقليمي والدولي والمجتمع المدني السوداني فعله لإنها

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-18-2025, 08:05 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-18-2025, 01:05 AM

محمد عبدالله ابراهيم
<aمحمد عبدالله ابراهيم
تاريخ التسجيل: 12-21-2015
مجموع المشاركات: 126

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
السودان بين الفوضى والتحول: ما يجب على المجتمع الإقليمي والدولي والمجتمع المدني السوداني فعله لإنها

    01:05 AM December, 17 2025

    سودانيز اون لاين
    محمد عبدالله ابراهيم-الخرطوم-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر




    السودان بين الفوضى والتحول: ما يجب على المجتمع الإقليمي والدولي والمجتمع المدني السوداني فعله لإنهاء الأزمة (2-2)

    إن وضع حد للأزمة السودانية يتطلب تحولاً جذرياً في مقاربة المجتمع الدولي والقوى المدنية السودانية على حد سواء. ولتحقيق هذا الهدف، لا يكفي مجرد إعلان الرغبة في السلام، بل يجب أن تتجسد الإرادة الدولية والإقليمية في خطوات واضحة ومتكاملة، تترجم الالتزام العالمي بالسلام إلى أفعال ملموسة تنهي الحرب فوراً، وتضع حداً للفوضى السياسية والدبلوماسية التي أعاقت كل المبادرات السابقة. فالسلام ليس خياراً نظرياً، بل ضرورة عملية ملحة، ونجاح أي مسار مستقبلي يعتمد على التزام الجميع بتنفيذ الخطوات التالية:


    أولاً: توحيد الإرادة والرؤية .. نقطة البداية المفصلية لإنهاء الأزمة

    قبل الخوض في أي مقاربة سياسية أو أمنية أو إنسانية، يظل السؤال الجوهري الذي يتجنب المجتمعان الإقليمي والدولي مواجهته بوضوح هو لماذا فشلت كل محاولات إنهاء الأزمة السودانية حتى الآن؟

    الإجابة، بعيداً عن الخطاب الدبلوماسي المهادن، تكمن في فوضى المبادرات، وتعدد المسارات، وغياب الإرادة الجماعية الموحدة. فقد تحولت المبادرات الإقليمية والدولية من أدوات للحل إلى عبء سياسي، أسهم في تشتيت الجهود، وإضعاف الضغط، ومنح أطراف الصراع هامشاً واسعاً للمناورة، والمراوغة، وتفريغ أي التزام من مضمونه.

    لقد أتاح هذا التشتت للأطراف المتحاربة استثمار التناقضات بين الوسطاء، واللعب على تعدد المنابر، والانتقال من طاولة إلى أخرى دون ثمن سياسي أو أخلاقي، ما أدى عملياً إلى إطالة أمد الحرب، وتعميق الكارثة الإنسانية، وتقويض ثقة السودانيين في جدية المجتمع الدولي، ومن هنا فإن الخطوة الأولى والأكثر اهمية، والتي ينبغي على المجتمعين الإقليمي والدولي اتخاذها لا تبدأ ببيانات الإدانة ولا بجولات تفاوضية جديدة، بل بتصحيح الخلل البنيوي في مقاربة إدارة الأزمة ذاتها، وذلك عبر:

    1. توحيد المبادرات والمسارات التفاوضية

    يقتضي الأمر عقد اجتماع إقليمي - دولي رفيع المستوى، يضم كافة الأطراف الفاعلة والمعنية بالأزمة السودانية، بهدف تفكيك حالة ازدواجية المسارات، ودمج المبادرات القائمة بما في ذلك منبر جدة، ومبادرات الإيغاد، والآليات الرباعية، في إطار سياسي واحد، واضح، وملزم. لا سيما إن الاتفاق على مبادرة واحدة فقط، تحظى بدعم سياسي كامل وغير منقوص، من شأنه أن ينهي حالة العبث التفاوضي، ويغلق أبواب الالتفاف، ويعيد للعملية السياسية حدها الأدنى من الجدية والفعالية. فالمسار الموحد لا يمنح فقط التفاوض قوة دفع حقيقية، بل يبعث رسالة واضحة للأطراف المتحاربة مفادها أن المجتمع الدولي لم يعد منصة مفتوحة للمساومات، بل شريكاً حاسماً في فرض منطق إنهاء الحرب لا إدارتها.

    2. صياغة رؤية مشتركة وبرنامج موحد .. من إدارة الأزمة إلى إنهائها

    لا يكفي أن يجتمع الفاعلون الإقليميون والدوليون حول طاولة واحدة ما لم يكن الهدف هو إنتاج رؤية سياسية مشتركة وبرنامج عمل موحد، يتجاوز العموميات الدبلوماسية إلى التزامات واضحة وقابلة للتنفيذ. فجوهر الأزمة السودانية لا يكمن فقط في تعدد أطراف الصراع، بل في غياب إطار جامع يحدد بوضوح كيف، وبأي أدوات، ولمصلحة من يراد إنهاء هذه الحرب. ويجب أن تشمل هذه الرؤية جميع أطراف الصراع، إلى جانب القوى السياسية والمدنية الحقيقية، وأن تعكس إرادة صلبة لا لبس فيها لإنهاء الحرب، لا إدارتها أو احتوائها مؤقتاً، وهذا يقتضي ممارسة ضغط فعلي ومنسق على جميع الأطراف دون استثناء، ضغط لا يختزل في البيانات ولا يفرغ بالمجاملات، بل يترجم إلى كلفة سياسية واقتصادية حقيقية على من يعرقل مسار السلام.

    الأخطر من ذلك أن استمرار تباين الرؤى والأجندات الدولية قد حول الدبلوماسية إلى رسائل متناقضة، حيث يلتقي كل مبعوث أو مسؤول دولي بأطراف الصراع بخطاب مختلف وأولويات متباينة، ما يبعث بإشارات مربكة للقيادات العسكرية، ويمنحها الذريعة الكاملة للمماطلة، وكسب الوقت، وتقويض أي محاولة لبناء ضغط موحد وفعال، وفي هذا السياق لا تعود الانقسامات الدولية عاملاً محايداً، بل تصبح جزءاً مباشراً من معادلة إطالة الحرب. لذلك، فإن توحيد الرؤية والبرنامج لا يمثل إجراءً شكلياً أو ترفاً سياسياً، بل يشكل الضمانة الأساسية لإنهاء الفوضى الدبلوماسية التي أتاحت استمرار القتال، وتفاقم الانتهاكات، وانهيار الدولة. صحيح أن لبعض الدول مصالحها وحساباتها الخاصة، غير أن الحد الأدنى من الأخلاق السياسية والمسؤولية الإنسانية يفرض ألا تدار هذه المصالح على حساب أرواح السودانيين، ولا على حساب وحدة السودان وأمنه واستقراره، ولا على حساب أمن واستقرار الإقليم بأسره.

    ثانياً: خارطة طريق للعمل الجاد .. من النوايا المعلنة إلى الإجراءات الملزمة

    ما إن تتوحد الإرادة وتتبلور الرؤية المشتركة، حتى يصبح الانتقال من مربع الخطاب إلى حيز الفعل ضرورة سياسية وأخلاقية لا تحتمل التأجيل. فالأزمة السودانية لم تعد تعاني من نقص في المبادرات أو التصورات، بقدر ما تعاني من غياب الإجراءات الصارمة والملزمة التي تجبر أطراف الصراع على تغيير سلوكها، ومن هنا فإن أي حديث عن تسوية دون أدوات تنفيذ حقيقية سيظل مجرد إعادة إنتاج لفشل سابق، وفي هذا السياق تبرز جملة من الإجراءات التي يتعين على المجتمعين الإقليمي والدولي الالتزام بها بجدية كاملة، وفي مقدمتها:

    1. ممارسة ضغط سياسي حقيقي وفعال

    يتوجب على الإرادة الإقليمية والدولية أن تتكامل لا أن تتوازى، وأن تتحول من موقف المراقب القلق إلى فاعل ضاغط يمارس تأثيراً مستمراً ومتصاعداً على جميع أطراف الصراع، العسكريين منهم والمدنيين، دون استثناء أو انتقائية. فالمطلوب ليس ضغطاً رمزيًا أو موسمياً، بل ضغط محدد الأهداف، قابل للقياس، ومقترن بآليات مساءلة واضحة، بما لا يترك لأي طرف مساحة للهروب أو كسب الوقت عبر المناورة السياسية.

    لقد أثبتت التجربة أن غياب الضغط المستدام شكل أحد الأسباب الجوهرية لاستمرار الحرب وتفكك أي مسار تفاوضي سابق. فكلما تراجع الضغط، تمدد العنف، وكلما سادت الرسائل الرمادية، تعزز منطق القوة على حساب الحل السياسي، وعليه، فإن أي مبادرة لا تسند بضغط فعلي ستظل مهددة بالفشل منذ لحظتها الأولى. إضافة إلى ذلك، تبرز مسؤولية خاصة على عاتق القوى الدولية الكبرى في بلورة سياسة واضحة، متسقة، وغير مزدوجة المعايير تجاه السودان، سياسة تهدف صراحة إلى إنهاء الحرب واستعادة المسار الديمقراطي، بدلًا من سياسات متناقضة أو براغماتية قصيرة النظر، قد تنتهي عن قصد أو غير قصد إلى دعم قوى معادية للديمقراطية، وتقويض فرص بناء دولة مدنية مستقرة. فالتردد الدولي هنا لا يعني الحياد، بل يتحول فعلياً إلى عامل من عوامل إدامة الصراع.

    2. تجفيف منابع الدعم المالي والعسكري .. ضرب البنية التحتية للحرب

    لم تعد الحرب في السودان صراعاً داخلياً معزولاً، بل تحولت إلى مشروع ممول ومدار عبر شبكة معقدة من الدول والوسطاء وشبكات اقتصاد الحرب غير المشروع، تستفيد من استمرار العنف بقدر ما تغذيه. فجميع أطراف الصراع، بدرجات متفاوتة، تتلقى دعماً مباشراً أو غير مباشر من مصادر خارجية وشبكات اقتصادية عابرة للحدود، ما يجعل إنهاء الحرب مستحيلاً دون تفكيك بنيتها التمويلية والعسكرية.

    وعليه، فإن أي مقاربة جادة لإنهاء الصراع تقتضي الانتقال من الاكتفاء بإدانة العنف إلى استهداف شرايينه الحيوية، وذلك عبر حزمة إجراءات صارمة، في مقدمتها فرض عقوبات دولية رادعة وموجهة على شبكات النهب المنظم، وتجارة الذهب غير المشروعة، التي تمثل اليوم أحد أهم مصادر تمويل الحرب للطرفين. فعمليات استخراج وتهريب الذهب لم تعد نشاطاً اقتصادياً هامشياً، بل أصبحت اقتصاد حرب متكاملاً، يوفر السيولة والسلاح والنفوذ، ويقوض أي مسار سياسي محتمل.

    ويشمل ذلك تجميد الأصول المالية للقادة العسكريين، والكيانات والشركات الواجهة المرتبطة بهم، والمتورطة في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما يضع حداً لحالة الإفلات الاقتصادي من العقاب التي مكنت أمراء الحرب من إعادة تدوير العنف بأرباح متزايدة. كما يتطلب الأمر فرض رقابة دولية صارمة وشفافة على تدفقات الأسلحة والمعدات العسكرية إلى السودان، مع تفعيل آليات تتبع فعالة، وعدم الاكتفاء بحظر اسمي قابل للالتفاف.

    والأهم من ذلك يجب ممارسة أقصى درجات الضغط السياسي والدبلوماسي على الدول التي تواصل صراحة أو ضمنياً تزويد أطراف الصراع بالسلاح أو تسهيل وصوله، سواء بدافع المصالح الجيوسياسية أو الحسابات الاقتصادية الضيقة. فالدول التي تغذي آلة الحرب لا يمكن أن تصنف كوسطاء محايدين، بل تصبح، بحكم الواقع، أطرافاً غير مباشرة في الصراع، تتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية عن استمرار الأعمال الوحشية والانهيار الشامل للدولة السودانية.

    3. الاستجابة الإنسانية وحماية المدنيين .. من الإغاثة الطارئة إلى الواجب الدولي

    تفرض الكارثة الإنسانية غير المسبوقة في السودان اختباراً قاسياً لصدقية النظام الدولي، إذ لم تعد المأساة قابلة للاحتواء عبر نداءات إنسانية تقليدية أو استجابات مجتزأة. فحجم الانتهاكات واتساع رقعة النزوح والمجاعة يقتضي استجابة دولية عاجلة، شاملة، وموسعة، تدار باعتبارها أولوية سياسية وأمنية، لا ملفاً إنسانياً هامشياً يرحل مع كل جولة دبلوماسية.

    ويبدأ ذلك بضمان الوصول الإنساني الآمن وغير المشروط إلى جميع المناطق المتضررة، عبر ممارسة ضغط فوري ومباشر على الأطراف المتحاربة لوقف استخدام المساعدات كسلاح حرب، وضمان مرور الإغاثة دون عوائق أو ابتزاز أو تسييس. كما يتطلب الأمر إنشاء ممرات إنسانية آمنة ومستدامة، تخضع لرقابة دولية فعالة، بما يكفل حماية العاملين في المجال الإنساني ووصول المساعدات إلى مستحقيها.

    وفي السياق ذاته، لا يمكن الفصل بين العمل الإنساني ومبدأ حماية المدنيين، الذي ظل رغم مركزيته في القانون الدولي الإنساني، معطلاً على أرض الواقع، وعليه يصبح من الضروري تفعيل هذا المبدأ عبر إنشاء آليات دولية مستقلة لرصد الانتهاكات الجسيمة، وتوثيقها، وحماية المدنيين من القتل الجماعي، والعنف الجنسي، والتجويع القسري، وغيرها من الجرائم التي باتت ترتكب في مناخ إفلات شبه كامل من العقاب. فغياب آليات الحماية لا يعني الحياد، بل يترجم عملياً إلى ضوء أخضر لمواصلة الجرائم. إضافة إلى ذلك، تبرز الحاجة الملحة إلى تقديم دعم مالي ولوجستي كبير ومستدام للاجئين السودانيين، وللدول المجاورة التي تستضيف ملايين الفارين من الحرب، وذلك لتخفيف العبء المتزايد على هذه الدول، ومنع تحول أزمة اللجوء إلى عامل زعزعة للاستقرار الإقليمي. فمعاناة اللاجئين لا تقل قسوة عن معاناة النازحين داخلياً، بل قد تكون أشد وطأة في ظل تراجع التمويل الدولي، وتوقف كثير من برامج الدعم التي كانوا يعتمدون عليها للبقاء. إن تجاهل هذا البعد لا يهدد فقط كرامة اللاجئين وحقهم في الحماية، بل يهدد أيضاً أمن المنطقة بأسرها.

    4. دعم البديل المدني الموحد .. شرط استدامة السلام لا ملحقه

    لا يمكن لأي سلام أن يكون مستداماً في السودان ما لم يستند إلى شريك مدني ديمقراطي قوي وموحد، قادر على ملء الفراغ السياسي الذي خلفته الحرب، وكبح عودة العسكرة بأشكال جديدة. فغياب هذا البديل لا يعني فقط تعثر الانتقال، بل يفتح الباب واسعاً أمام إعادة إنتاج الصراع تحت مسميات مختلفة، ومن هنا فإن دعم القوى المدنية لا يجب أن يعامل كمجرد مسار موازي، بل كأحد أعمدة إنهاء الحرب وبناء الدولة، وفي هذا الإطار تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية مباشرة في الانتقال من خطاب "دعم المدنيين" إلى ممارسة فعلية وممنهجة، وذلك عبر مسارين متكاملين:

    أولاً: الضغط من أجل توحيد الرؤى المدنية

    يتعين على المبعوثين الدوليين والإقليميين توجيه رسالة سياسية واحدة، واضحة وغير قابلة للتأويل، إلى القوى المدنية السودانية، مفادها أن شرط الشراكة والدعم هو التوافق على برنامج حد أدنى يتمحور حول وقف الحرب، واستعادة مسار التحول المدني الديمقراطي، وتغليب المصلحة الوطنية على الحسابات الحزبية والفئوية الضيقة. فالتشظي المدني لم يعد مجرد أزمة داخلية، بل أصبح أحد العوامل التي تستثمر فيها القوى العسكرية لتبرير استمرار سيطرتها واحتكارها للمشهد السياسي.

    ثانياً: دعم توحيد الصف المدني وبناء الجبهة المدنية الديمقراطية

    يتطلب الأمر تقديم دعم سياسي ولوجستي مباشر للقوى الديمقراطية المدنية، لمساعدتها على تجاوز خلافاتها التاريخية، وصياغة رؤية سياسية مشتركة لمرحلة ما بعد الحرب، وفي هذا السياق، تكتسب اللقاءات الأخيرة للقوى المدنية المناهضة للحرب، التي انعقدت في العاصمة الكينية نيروبي واختتمت اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر 2025، أهمية خاصة إذ طرحت بوضوح مسألة بناء أوسع جبهة مدنية لمناهضة الحرب، باعتبارها مدخلاً لا غنى عنه لاستعادة المبادرة السياسية من أيدي أمراء السلاح، وهذه الخطوة التي تمت الإشارة إليها في الجزء الأول من هذا المقال، تعد من بين أكثر التطورات السياسية أهمية في اللحظة الراهنة، في ظل الانهيار الشامل الذي يعيشه السودان والسودانيون. غير أن نجاحها لا يتوقف على إعلان النوايا أو توسيع القاعدة الشكلية للتحالف، بل يستلزم الاستفادة النقدية من تجارب التحالفات السابقة، التي انهارت غالباً بسبب غياب الأطر الحاكمة لإدارة الخلافات وتباين الرؤى.

    وقبل الشروع في بناء جبهة مدنية واسعة، يصبح من الضروري وضع أسس تنظيمية وسياسية واضحة تحكم آليات اتخاذ القرار، وإدارة التباينات، وحل النزاعات الداخلية، بما يحصن التحالف من الانقسامات والتشرذم، ويمنحه القدرة على الاستمرار والتماسك. لا سيما ان أي جبهة بلا قواعد صلبة سرعان ما تتحول إلى عبء على مشروع التغيير، بدل أن تكون أداة فاعلة لإيقاف الحرب وتحقيق التحول المدني الديمقراطي المنشود.

    خاتمة: من إدارة الفوضى إلى صناعة لسلام

    تؤكد التجربة السودانية، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الحرب لا تستمر فقط بقوة السلاح، بل أيضاً بفشل السياسة، وبالتواطؤ والتقاعس، وبإدارة الأزمة بدلاً من مواجهتها جذرياً. فكل محور من المحاور السابقة "توحيد الإرادة والرؤية، ممارسة الضغط السياسي الفعال، تجفيف مصادر التمويل والتسليح، حماية المدنيين، ودعم البديل المدني الموحد" لا يمثل مساراً منفصلاً، بل يشكل معاً منظومة متكاملة، ينهار أي جهد لإنهاء الحرب بانهيار أحد أركانها.

    إن استمرار المقاربة الدولية الحالية، القائمة على تعدد المنابر، وازدواجية الرسائل، وتجزئة الحلول، لن يقود إلا إلى إعادة تدوير الصراع بصيغ جديدة، تبقي السودان رهينة لعسكرة السياسة واقتصاد الحرب. فغياب الرؤية الموحدة لا يمنح الأطراف المتحاربة وقتاً إضافياً فحسب، بل يفرغ أي حديث عن السلام من مضمونه، ويحول الدبلوماسية إلى غطاء لإطالة أمد المأساة، ولقد آن الأوان للمجتمع الدولي الانتقال من دور الوسيط المتردد إلى موقع الشريك الفاعل الجاد، الذي يربط أقواله بأفعاله، ووساطاته بأدوات ضغط حقيقية، ومساعداته الإنسانية بحماية فعلية للمدنيين، ودعمه السياسي بإسناد واضح للبديل المدني الديمقراطي. فدون شريك مدني قوي وموحد، لن يكون السلام سوى هدنة هشة، سرعان ما تنفجر عند أول اختبار.

    في جوهر الأمر، لا تختبر الأزمة السودانية فقط قدرة السودانيين على الصمود، بل تختبر أيضاً صدقية النظام الدولي نفسه .. هل هو مستعد للدفاع عن مبادئه المعلنة في الديمقراطية وحقوق الإنسان، أم سيواصل التضحية بها على مذبح المصالح الضيقة والحسابات قصيرة الأمد؟ إن الحياد في مواجهة حرب بهذا الحجم لم يعد خياراً أخلاقياً، كما أن التردد لم يعد موقفاً سياسياً، بل أصبح شكلاً من أشكال التواطؤ غير المعلن.

    إن إنهاء الحرب في السودان ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب شجاعة سياسية، ووضوحاً أخلاقياً، وإرادة جماعية تكسر منطق إدارة الفوضى، وتؤسس لمنطق صناعة السلام، وما لم يحدث هذا التحول الجذري، ستستمر الحرب، ليس لأنها حتمية، بل لأن العالم اختار مرة أخرى أن يغض الطرف، فتفتح الأبواب أمام تفكك السودان، ويهدد أمن واستقرار الإقليم بأسره، وستظل المأساة وصمة في سجل النظام الدولي لعقود قادمة.



    محمد عبدالله إبراهيم
    مدافع عن حقوق الانسان
    [email protected]
























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de