هذا النص ليس منشور رد، ولا تعليقًا على “تسريب”، ولا دعوة للاصطفاف مع أحد.
من يقرأ على عجل، ومن يمسك القلم قبل أن يُكمل الفقرة، ومن جاء ليكتب: “كلام عاطفي” أو “الشباب ديل ما عندهم خبرة”، فالأفضل له أن يتوقف هنا.
لأن ما سيأتي لا يطلب موافقة، ولا يبحث عن رضا القروبات.
نحن نعيش زمنًا غريبًا:
تُباد فيه البلاد، وتُدار المأساة بالصياح.
قروبات لا تنام، وأصوات تتنافس في علوّ النبرة لا في عمق الفكرة، حتى صار الصياح — كما نسمعه يوميًا من أمثال حياة عبد الملك — بديلًا عن السؤال، وساترًا على فراغٍ فكريٍّ كامل.
في هذا البلد، لم تعد الإشاعة كذبًا، بل صارت أداة حكم.
لم يعد التسريب خبرًا، بل مخدّرًا جماعيًا.
يُقال لنا: انتظروا أسبوعين، بينما تُغتصب المدن، وتُبقر البطون، ويُقتل الأطفال بلا أسماء.
وفي قلب هذا الخراب، لا يمكن تجاهل الحقيقة الأوضح:
أن الحركة التي أراد لها حسن الترابي أن تكون
مشروعًا صهيونيًا إسلاميًا في التنظيم والاختراق والسيطرة،
ماتت عمليًا وهو على قيد الحياة
لم يمت الترابي قبل حركته، بل عاش ليرى تفككها،
وانقلابها عليه، وتحولها من مشروع دهاء
إلى عبء تاريخي بلا رؤية ولا أخلاق.
تلك النهاية — لا السجون ولا الخصوم —
هي المصير الطبيعي لكل مشروع
ظنّ أن الذكاء وحده يكفي،
وأن السيطرة يمكن أن تُغني عن المعنى.
ثم يُطلب منا — ببرود — أن نختلف حول صدق البيان من كذبه، لا حول معنى أن يُدار وطنٌ بالمناشير في زمن الإبادة.
كلما تحرك الشارع، وكلما أشار التاريخ إلى لحظة فاصلة، خرج علينا الادعاء نفسه:
“الشباب عديمو الخبرة.”
قالوها في أكتوبر.
قالوها في أبريل.
قالوها في دارفور.
وقالوها في ديسمبر.
وكأن الخبرة تُكتسب في القنوات، لا في السجون.
وكأن من بذل الدم يحتاج شهادة صلاحية ممن فشلوا — مرةً بعد مرة — في حماية أي ثورة قادها الشباب.
وفي اللحظة نفسها، سخروا — ولا يزالون — من قائدٍ لم يصنعوه، لأنه لا يشبه صورتهم عن السلطة.
قالوا عنه راعي غنم.
وقالوا جاهل.
وقالوا لا يفقه.
وقالوا بعاتي.
وقالوا ظاهرة مؤقتة.
وقال بعضهم — بسخرية كاشفة — إنه روبوت.
قالوا راعي غنم جاهل، لا لأنهم يعرفون الجهل، لانهم لايعرفون ان النبي المصطفي كان يحلب شاته و يرعاها ، بل لأنهم لا يعرفون القيادة خارج مراياهم.
قالوا ذلك لأن قاموس الصفوة واحد:
من لا يشبههم يُحقَّر، ومن لا يتكلم لغتهم يُقصى، ومن لا يصعد سلالمهم يُشيطَن.
ألم يسمعوا عن الإسكندر الأكبر؟
ذلك الذي غيّر وجه العالم ومات قبل أن يبلغ الثالثة والثلاثين، بينما كان خصومه ما يزالون يتجادلون حول “الخبرة”، ومن الأجدر بالقيادة، ومن يملك حق الكلام ومن يجب أن يصمت.
هذا المقال لا يناقش أشخاصًا، ولا يوزع صكوك شرعية.
إنه محاولة لفهم كيف تحوّل الصراخ إلى سياسة، وكيف استُخدمت “الخبرة” سلاحًا ضد الشباب، وكيف صارت الإشاعة بديلًا عن القرار.
ونحن نقترب من ١٩ ديسمبر، ليس المطلوب احتفالًا، بل وقفة حساب.
ليس استعادة شعارات، بل مساءلة بنى كاملة أدمنت ركوب الموج ثم إغراقه.
ما سيأتي في هذه السلسلة لن يكون مريحًا، ولا متدرّجًا، ولا صالحًا للمجاملات.
هو كتابة في منطقة تُفضّل كثير من الأقلام ألا تدخلها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة