لاحظت أن (الحواتة) بنوا قضيتهم ضد (عشّة) علي إثارة الرأي العام بفكرة أن من حق الميت أن يخفي الناس عيوبه ويظهروا محاسنه !! وذلك عملا بحديث (منسوب إلي الرسول) يقول: (اذكُروا محاسنَ موتاكم، وكُفُّوا عن مساويهم) فممثلي الحواتة كأنما نصّبوا أنفسهم مدافعين عن السنّة النبوية !! ولولا ذلك لتدخل الاجاويد وحلّوا المشكلة فإلي وقت قريب في (التسعينات) كان حتي رجالات الدولة من الولاة والمحافظين يرعون الفنانين ويقومون بحل مثل هذه المشاكل لأن نجوم الفن يقتدي بهم كثير من الشباب
لو رجع الناس لتخريج الحديث لوجدوا كلمات: ضعيف، غريب، منكر فكثير مما ينسب إلي الرسول الّفه بعض المنافقين لأجل مصالحهم الخاصة ولأجل التشويش علي الإسلام والمسلمين فإزاء كل حديث قاله الرسول هناك حوالي ٢٠٠ حديث من وضع الوضّاعين ثم إن متن حديث (محاسن موتاكم) به مشكلة كبيرة فلو عمل الناس بهذا الحديث لانعدمت القدوة ولم تكن هناك عِبَر من التاريخ ولما علم الناس من هو المحسن ومن هو المسيء التاريخ نقل لنا أفاعيل نجوم السياسة من الأمراء والسلاطين والقادة ونقل لنا كيف قتّلوا وخانوا وأفسدوا ولو عُمل بفكرة (الكف عن المساويء) لما وصلتنا تلك الأخبار ولما كان الإعتبار من التأريخ وخذ كذلك مثلا علم (الجرح والتعديل) فكله قائم علي ذكر مساوئ الرواة كما أن (محاسن موتاكم) يناقض حديثا آخر: (الملائكة شهداء الله في السماء، وأنتم شهداء الله في الارض) ورواية (وَجَبت ... وَجَبت) أي وجبت الجنة لمن ذكره الناس بالحسني ووجبت النار لمن ذكروه بالسوء؛ وهذا بالطبع حينما يشهد الناس بالحقيقة وليس علي سبيل المجاملة فيذكرون للمحسن حسناته ويذكرون للمسيء سيئاته فالذي يريد أن يذكره الناس بالخير بعد موته فليواظب على فعل وقول الخير والحقيقة أنّ الفهم الخاطيء لخبط الأمور فاسترسال الناس .. في إتجاه (محاسن موتاكم) جعلهم يروون سِيَر الكثيرين بطريقة بعيدة جدا عن الواقع فالسارق يقولون عصامي والمرتشي مثالا للنزاهة والجشع الطماع البخيل يذكرونه بالكرم والجود والسخاء بل يؤلفون في ذلك قصص محبوكة بعناية حتي يكاد يصدقها أقرب الأقربين للمرحوم !!
مدير قناة فضائية تحمّل وزر فصل المذيع الراحل حتي يبريء سيدتين كانتا قد اتهمتا بالتسبب في فصله والمدير في تبريره لتبرئة السيدتين قال: لأن "الإتهام أمر قاسي ومرير خاصة في حق النساء" !!! ويعتقد المدير أنه "قد حالفه الصواب في عدم ذكر أسباب الفصل لأنه كان سيضطر لذكر (أمر سالب) عن الراحل ... وبالطبع لو فعل ذلك لخالف المقولة المأثورة أذكروا محاسن موتاكم" !!!
أنظروا لهذا الغباء هو يكشف عن (أمر سالب) جعله يفصل المذيع وفي نفس الوقت يقول (اذكروا محاسن موتاكم) ولكن في الغالب أن ذلك (الأمر السالب) هو شيء لا يذكر ولا يستحق وما كان يستوجب الفصل وإلا لما شعرت السيدتان بتأنيب الضمير بعد موت المذيع ربما يكون المذيع قد أتهم بالتحرش مثلا في حين انه فقط جامل احدي زميلاته مبديا إعجابه بثوبها، رفعا لمعنوياتها وهذا في الحقل الفني (عادي) بل يتم تدريسه في معاهد الفن التي بالطبع تنتهج أساليب الحياة الغربية.. إنه التزمّت .. فالتزمت الذي تمكّن مع بداية الألفية الجديدة جفّف كل منابع الفن والإبداع لم يترك لا سينما ولا دراما ولا مسرح وبعدما كان الفن يقترب شيئا فشيئا من الدين عاد الآن ليهرب ويبتعد بعدما تم دمغه بالفساد والفسوق واعتبر كل الفنانين فسقة وفسدة
الفن ليس فيه حرمة في حد ذاته ولقد كان العلماء الوسطيون يرددون كثيرا عبارة (حسنه حسن وقبيحه قبيح) والحق أن مطربة تساعد الفقراء والمساكين نحسبها عند الله افضل من شيخ يرتاد المساجد ويتهاون في أمر الزكاة فقد أوصي نبي الله النساء لأنه رآهن أكثر اهل النار فقال: (تصدقن) فالصدقة هي التي تنجي من النار: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) بل أن القرآن عرّف الشخص التقيّ فقال: {وَسَیُجَنَّبُهَا ٱلۡأَتۡقَى○ الَّذِی یُؤۡتِی مَالَهُۥ یَتَزَكَّىٰ}
دراسة القانون والحقوق لا يمكن أن تكون وبالا علي مجتمعنا فبسبب كثرة المحامين كثُرت القضايا وصار يُعمل من الحبة قبة وساهم ذلك في إنتشار الظلم بدلا من إنتشار العدل قبل الحرب كانت هناك مئات الآلاف من القضايا متكدسة ولا يستطيع القضاة مع كثرة أعدادهم النظر فيها واغلبها قضايا عن مشاكل الطلاق والعقارات والايجارات !! لم يكن المجتمع في الماضي يعرف مثل هذه القضايا وبسبب قضايا الطلاق صار العزوف عن الزواج وبسبب قضايا العقارات أصبح الناس يفضلون بقاء منازلهم خالية بلا إيجار أو يفرضون أجرة خرافية حتي يخرج المستأجر من تلقاء نفسه
لاحظت أن الفنانة المتهمة عمرها الفنّي سابق بكثير عمرها الحقيقي أما الفنان الراحل فهو قامة سامقة صارت من رموز الوطن والإصرار علي خوض المحاكمة لا أظن أنه يفيد رمزية الفنان فلو كان هناك (كبار) لما صارت مثل هذه المحاكمات ولو كان هناك سلطة للدولة لقامت بشطب هذه القضية السخيفة فالكلام عن الأموات حده الأدني أنه (غيبة) فهي ذكر الغائب بما يكره والغيبة عاقبتها معروفة في الآخرة والإنسان لا يمكن أن يقتص في الدنيا من جميع من ظلموه لكن في الآخرة هناك كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة والاموات محتاجون لهذه المظلمات من أجل ثقل الميزان والدين أخبرنا أن هناك أغنياء سيفلسون بسبب هذه الصغائر عندما يتم الخصم من رصيدهم واضافته لرصيد المظلومين.
اخيرا نقول: لا تذكروا محاسن موتاكم فقط بل اذكروا مساوئهم أيضا (وقولوا الحق) خاصة إذا كانوا من نجوم المجتمع في السياسة والرياضة والفن لأن حياة هؤلاء يتأثر بها كل المجتمع. في دول الغرب يستقيل الساسة والإداريين بسبب فضح تجاوزاتهم وربما يصل الأمر إلي الاستقالة من الحياة نفسها لكن عندنا يُداري عليهم في حياتهم وبعد مماتهم وهذا ما جعل حالة مجتمعنا فساد × فساد !!!
□■□■□■ نذكّر بالدعاء علي الظالمين فهو دعاء لا شك مستجاب الذين أخرجوا الناس من ديارهم بغير حق وسفكوا الدماء وانتهكوا الأعراض وأخذوا الممتلكات وساموا الناس سوء العذاب
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة