لم يعر المهتمون بشأن حرب السودان انتباهاً، لدور دولة جنوب السودان الوليدة، في الصلح بين الجيش والدعم السريع، إلّا بعد دخول الأخير حقل هجليج النفطي، هنا هرول طرفا الحرب نحو جوبا، حرصاً منهما على ضمان تدفق النفط، وطيلة سنوات الحرب التي قاربت الثلاث، لم ينحاز الجنوب بشكل سافر لأحد الطرفين، ظل متخذاً موقف الأخ الأكبر عندما يتشاجر إخوته الصغار، حتى بعد ارتكاب كتائب الإرهاب لمجازر مروعة، بحق المواطنين الجنوبيين بولاية الجزيرة، بعد انسحاب قوات الدعم السريع منها، لم يتعامل بالمثل مع المواطنين الشماليين، القاطنين ولايات الجنوب بحثاً عن الرزق، بل شهدنا ولاة الولايات الجنوبية ذات الأغلبية الكبيرة من المقيمين الشماليين، يخرجون بشخوصهم لحماية هؤلاء المدنيين، المستهدفين من بعض المواطنين الجنوبيين، الغاضبين على ما حاق بأهاليهم في قرى الجزيرة من ذبح، فبعكس أنصار الكراهية من بقايا أنصار الطيب مصطفى، ذابح الثور الأبيض يوم استقلال الجنوب، هنالك الملايين من أهل الشمال الأبرياء، وجدوا مأواهم بمدن جنوبية مثل جوبا وواو، بعد اندلاع الحرب، ومهما لجأ المواطن السوداني الشمالي إلى الدول المجاورة، إلّا أن ملجأه نحو الجنوب يعتبر استنصار بالأخ الشقيق، وليس لجوء أو نزوح إلى الجار، وعلى الرغم من هذه العلاقة الحميمة، إلّا أننا نلحظ عدم وجود دولة جنوب السودان بين دول مبادرات السلام. من وجهة نظري، أرى أن يفسح المجال لدولة جنوب السودان، للتواجد ضمن عضوية الآليات الوسيطة لوقف الحرب، وذلك لإلمامها الضليع بأسباب ومسببات الصراعات الدائرة في السودان، منذ ما قبل الاستقلال، فضلاً عن حكمة الجنوبيين وأدوارهم الإيجابية تجاه حلحلة مشكلات السودان، حتى بعد ما نالوا استقلالهم وراحوا لحال سبيلهم، مثل رعايتهم لفعاليات المفاوضات السابقة، وآخر هذه الأدوار الحسم السريع لجدلية حقل هجليج، فطالما الأشقاء بالجنوب لديهم في قلوبنا هذه المكانة المحترمة، لم لا نجعلهم أحد أضلع المربع الصائل والجائل بين واشنطن والقاهرة وجدة، ولماذا لا تزور وفود السلام العاصمة جوبا؟، المدينة التي تأوي إليها قلوب السودانيين في الحرب والسلم، والمثل القادم من دارفور يقول: (كل شوكاي بسلو بدربو)، أي أن كل شوكة تنتزع عبر ذات الطريق الذي دخلت به، وما أدرى أهل الجنوب بالدروب الوعرة التي دخلت بها الأشواك إلى الجسد السوداني المثخن بالجراح، وعلى ما يبدو أن واحدة من خبايا طول مشوار السلام، هي عدم المعرفة العميقة والجهل الواضح لمكونات الوساطة، بعمق المشكلة السودانية، فوجود تمثيل لدولة جنوب السودان في المبادرات القاصدة وقف الحرب، يضفي على جوقة الفاعلين في هذا الخصوص لوناً مميزاً، وحتماً سيكون له الأثر العظيم على مخرجات أي عملية تفاوضية، لا أن نحتاج الجنوب فقط في عمليات محدودة مثل مبادرة هجليج. الوضع الجيوسياسي لجنوب السودان بالنسبة للسودان، لا يجب أن يؤخذ من قبل المهتمين بعين التهميش، فالحقيقة الراسخة الواجب وضعها في الحسبان، أن أطول حدود للسودان مع دولة جارة، هي حدوده الفاصلة بينه وبين دولة جنوب السودان، وأن غالب ثروات السودان تتمركز بين جنبي هذه الحدود، فأي إهمال لهذا الوضع الجيوسياسي والاقتصادي من طرفي الصراع، يؤدي بالضرورة إلى مستقبل رمادي بين الدولتين بعد أن ترفرف رايات السلام، لو رصدنا عدد وعدة القوات التابعة للجيش، والمنسحبة إلى الداخل الجنوبي، سواء من اتجاه الجبلين جنوباً أو من هجليج، لصعقنا، وكما يعلم الجغرافيون أن المسافة بين هجليج والجبلين تساوي طول حدود عدة دول افريقية متجاورة، هذا الملاذ الآمن الذي يلوذ به الفارون من جحيم الحرب، لن تجده بأي من بلدان الجوار، أللهم إلّا في حالة واحدة، وهي استنصار قوات الجيش بدولة تشاد، بعد انسحابها من الجنينة، فدولة بمثل هذا الكرم الفياض، والعطاء والإجارة والنصرة، لا يمكن أن يهمل دورها في رسم مستقبل السلام في السودان، وإشراكها في مطبخ الحلول لا يخصم من حصص الفريقين، وإنّما يقوي ويعضد عملية إحقاق الحق، إذا اختلف المتخاصمان، ونعود ونؤكد على أن بادرة هجليج في حد ذاتها، يمكن أن تصبح مبادرة كاملة الأركان، تسهم في تسهيل الوصول لاتفاق كامل بين الأطراف المتحاربة، فهلا سمع المسهلون واستجابوا لهذا الطرح؟.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة