تتصاعد في واشنطن وعواصم غربية أخرى دعوات متجددة لإعادة فتح ملف تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمةً إرهابية ، وذلك في أعقاب سلسلة من الهجمات الإرهابية التي استهدفت مواطنين أميركيين وأستراليين خلال الأيام الماضية ، ما أعاد إلى الواجهة تساؤلات جوهرية حول البنية الفكرية للإسلام السياسي وامتداداته العنيفة .
شهدت المنطقة مؤخرًا عمليات إرهابية راح ضحيتها مواطنون غربيون ، في توقيت بالغ الحساسية يتزامن مع تحركات تشريعية أميركية لمواجهة ما تصفه واشنطن بـ"البنية التحتية الأيديولوجية للتطرف" . وقد أثارت هذه الهجمات موجة واسعة من الإدانات الدولية ، حيث سارعت وزارة الخارجية الأميركية والحكومة الأسترالية إلى إصدار بيانات تندد بالعمليات وتطالب بمحاسبة المسؤولين عنها .
على صعيد التغطية الإعلامية ، تبنّت الصحف الغربية والإسرائيلية نبرة حادة في تناول الأحداث ، مع تركيز ملحوظ على ربط الهجمات بالتيارات الإسلامية المتشددة . وأبرزت تقارير عديدة ما وصفته بـ"الخيط الفكري" الذي يجمع بين تنظيمات الإسلام السياسي والجماعات المسلحة ، في إشارة ضمنية إلى جماعة الإخوان المسلمين .
جاءت إجازة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي خلال الأيام الماضية لمشروع قانون يُصنّف جماعة الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًا ، لتمنح هذا الملف زخمًا تشريعيًا غير مسبوق . ويشمل مشروع القانون صراحةً فرع الإخوان في السودان ، في خطوة تحمل دلالات سياسية عميقة خاصة في توقيت تقدُّم المشروع التشريعي عقب الهجمات الأخيرة مما يعكس توجهًا متناميًا في الكونغرس لربط المنظومة الفكرية للإخوان بالإرهاب الدولي .
يكتسب إدراج إخوان السودان في مشروع التصنيف أهمية خاصة ، نظرًا للإرث الثقيل الذي يحمله هذا الفرع . فقد شكّل السودان في حقبة التسعينيات منصة رئيسية للتيارات الجهادية العالمية، حين استضافت الخرطوم عام 1991 المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي الذي جمع تحت سقفه رموزًا من تنظيمات متطرفة متعددة الجنسيات . وتحت رعاية حركة الإسلام السياسي السودانية ، وجد أسامة بن لادن ملاذًا آمنًا في السودان بين عامي 1991 و1996 ، قبل انتقاله إلى أفغانستان . كما شهدت تلك المرحلة تنسيقًا وثيقًا بين الخرطوم وتنظيمات مسلحة إقليمية ودولية ، وهو ما أدى لاحقًا إلى إدراج السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب .
الثابت أن الخطاب الفكري لإخوان السودان لا ينفصل جوهريًا عن الأيديولوجيا التي تغذّي الجماعات الجهادية ، وإن اختلفت الأدوات والتكتيكات . فكلاهما ينطلق من مفاهيم مشتركة حول "الحاكمية" و"الجهاد" و"إقامة الدولة الإسلامية" ، وإن تباينت التفسيرات والتطبيقات. كما أن التمييز بين "معتدلين" و"متشددين" داخل منظومة الإخوان قد يكون تمييزًا سطحيًا لا يصمد أمام التحليل المعمّق للبنية الفكرية المشتركة .
تتقاطع اليوم ثلاثة عوامل قد تُعجّل بتصنيف الإخوان : هجمات إرهابية طازجة تستهدف غربيين ، ومناخ تشريعي أميركي متحفز ، وإرث تاريخي يربط فروع الجماعة بشبكات التطرف الدولي . وإذا ما اكتمل المسار التشريعي في الكونغرس ، فقد يُمثّل ذلك تحولًا استراتيجيًا في مقاربة واشنطن للإسلام السياسي ، بتداعيات تمتد الي السودان وتطيح بالسلطة الحالية المحسوبة للإخوان .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة