عندما تدفق النفط السوداني عبر الأنبوب الصيني، من حقل هجليج إلى ميناء بشاير، زغرد عوض الجاز الوزير ورقص البشير، وما لبث الإخوان أن انشقوا إلى طائفتين، الأولى عبدت ما خرج من التراب، والثانية جعلت من حسن الترابي العرّاب، فجلس عبدة الذهب الأسود على الكرسي، وطردوا أنصار العرّاب، الذين عاد بعضهم إلى حضن السلطة، لعدم استطاعتهم العيش بعيداً عن بهو القصر، فالنفط لعنة الشرق الأوسط، الذي أحال العراق إلى بؤرة من الموت والدمار لعقود من الزمان، وأطاح بملك العقيد القذافي، وحظر اقتصاد إيران، وأفقر شمال السودان بعد استقلال جنوبه، وفي صراع المحاور اليوم فإنّ النفط أثقل من الدم، وحسبنا تحرير حقل هجليج، وبروز خبر الاتفاق المبرم بين الجيوش الثلاثة – جيش جنوب السودان والجيش السوداني وجيش "تأسيس"، الاتفاق الذي قفز على الهدنة والمبادرة الرباعية، هنا تكمن حقيقة الصراع، وتتجلى عظمة هذا المارد العجيب – النفط، العملاق الذي إذا زمجر ارتجف الجميع، وأنصت إلى صوته أشجع الناس، إنّه سر الحياة المكنون، الجبار الذي ضرب وحدة (أهل القبلة) من إخوان السودان، الذين قالوا لا لدنيا قد عملنا، فأعادهم هذا (الكافر) إلى ملة الشرك، فعبدوه بكل جوارحهم، لأنهم أيقنوا أنه لا محالة موصلهم جنات ماليزيا، ورياض سويسرا ومروج جزر دبي، أقاموا الليل في محرابه، لأنه المعبود الوحيد الذي يأتي إليهم بورقة الدولار من البيت الأبيض. الملاحظ أن نفط هجليج أصبح محافظاً عليه من طرفي الحرب، أكثر من حفاظ الجيشين المتحاربين على جنودهما على الأرض، السؤال المطروح من القابضين على الزناد، هل تصلنا حصتنا من هذا الذهب الأسود؟، ولو في شكل أدوية ومساعدات لجرحانا؟، إنّ عدم الشفافية في الإفصاح عن المبيعات الفعلية من براميل النفط العابرة لميناء بورتسودان، والتي عصفت بحكومة البشير من قبل، سوف تترك ظلالها على الحاملين للسلاح من الطرفين، حينما يدركون أن هذا الزيت الأسود، أغلى من كريات دمهم الحمراء، إنّ دخول قوات تأسيس للحقل كشف الكثير والمثير، حول التفاهمات المبرمة بين الأطراف المتناقضة – جنوب – شمال – غرب، هذه التفاهمات تخفي ضوءًا خافتاً يكشف خبايا انفصال ثالث قادم، رغم عدم تضمين بند واحد من بنود هذا الانفصال بدستور التأسيس، إنّ معركة النفط ليست كأي المعارك، لقد أجابت على هذا السؤال: لماذا لم يفجّر الجيشان أنبوب النفط؟، رغم الانفجارات الكبرى التي ضربت المدن، فقتلت المواطن الذي لا يحمل بندقية على كتفه، هل تشعل معركة النفط جذوة الوعي في عقول البسطاء؟، أم أن هذا الطفل المدلل (النفط) سيظل حيي مختبئ في خدور أطراف الحرب؟، دون أن يعلم عامة الناس أنه أحد أهم أسباب استطالتها، والعامل الرئيس في تزويدها بالوقود، وكما هو ملاحظ أن البلدان الممتلئة بواطن أراضيها بهذا الكنز الثمين، موبوءة بالحروب، عدا بلدان الخليج. لماذا لا يكون النفط عنصراً للتلاقي الإيجابي، من أجل الاستقرار والسلام، وحجراً أساسياً لبناء الثقة بين الجيوش الثلاثة – الجيش والجيش الشعبي وجيش "تأسيس"، وما دمنا قد توحّدنا بالنفط لماذا لا يأتينا هذا النفط بالسلام؟، بعد أن حنينا ظهورنا طائعين، ما المانع من أن تكون "هجليج" و"أبيي" منطقة حرة للتجارة وتوثيق عرى السلام ، كما هي المناطق الحرة حول العالم التي حققت التعاون الاقتصادي العظيم، بين البلدان ذات العلاقات الاقتصادية المشتركة، نقول هذا بناء على ما زعم من اتفاق حول حقل هجليج، فإذا كان لابد من الخضوع للأجندة الاقتصادية، فمن باب الواجب أن يملك الناس هذه الأجندة المتفق حولها، وأن لا يغطوا تحت سبات عظيم، ليصحوا على أنغام احتفالات إطلاق أجنحة حمائم السلام، لترفرف وتعلن عن حقبة جديدة للسلام والحرية والتجارة والاقتصاد، وكما درسنا مدخل علم الاقتصاد فإن البلدان التي تتبنى التبعية السياسية للاقتصاد، هي الأفضل من البلدان السائرة على خطى تبعية الاقتصاد للأجندة السياسة، فلا تخلطوا الأوراق أيها الساسة، اخبرونا بما تجيش به خواطركم، فإنّ السيل قد بلغ الزبى، والشعب قد سئم الحرب، والعالم والإقليم عيل صبره انتظاراً للحظة المواتية، حتى يرسل وفوده الاستثمارية لهذه الأرض الحلوب، فالحكومات البانية استراتيجياتها على تبعية الاقتصاد أفلحت، أما المهووسة بالأيدلوجيا فقد خاب مسعاها، والشواهد ماثلة في الشرق والغرب الآسيوي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة