كثر الكلام حول سيطرة ميليشيا الدعم السريع على حقل هجليج النفطي من قائل انه يتيح لهذه القوات التحرك والمناورة العسكرية في منطقة ذات أهمية جيوسياسية تشكل عمقا اقتصاديا للسودان وكيف ان هذه السيطرة تتيح لهذه الميليشيا التحكم في الحدود مع ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان مما يوفر لها فرصة نادرة لتمرير الأسلحة والذخائر والعربات والأمداد وايصال المرتزقة من كل جدب وصوب ..كما ان تحويل حقل هجليج من ميدان نفطي الى هدف استراتيجي قابل للاحتلال والابتزاز لم يؤدي فقط الى شل حركة التشغيل الانتاج والتصدير حيث تعد هجليج مركز المعالجة الأساسي لنفط دولة جنوب السودان بل أجبر الشركات العاملة في الحقل وعلى رأسها الشركة الوطنية الصينية للبترول للتخلى عن مواقعها بانهاء عقودها مع الحكومة بالمغادرة مما أدى الى فراغ انتاجي وتكبد خسائر فادحة الأمر الذي خلق بيئة غير مستقرة قد تجعل عودة هذه الشركات شبه مستحيلة . الذي يستقف هنا ان كل التوقعات كانت تشير الى تكرار عصابات الدعم السريع نفس سيناريو مصفاة الجيلي بتدمير كل تجهيزات المحطة أو بتدمير البرمجة والطاقة الانتاجية على أضعف الايمان بزعم أنها شيدت من قبل الجلابة بأموال المهمشين كما حدث لكل مقدرات السودان وشعبه ولكن على غير العادة فان شيئا من هذا لم يحدث فيبدو أنها تلقت قرصة دامية مؤلمة من المجتمع الدولى الذي وضع تدمير المنشآت في خانة جرائم القتل والاغتصاب . (2) ولكن أمام صفرية خيارات حكومة بورتسودان القانونية في وقت لا تملك فيه هامشا سياسيا أو ماليا واسعا للمناورة فضلا عن فقدان دولة جنوب السودان لموردها الاقتصادي الأساسي الذي تعتمد عليه دخل الملعب لاعب جديد بعد اكتمال فترة التسخين وهو لاعب كفيل بقلب قوانين اللعب رأسا على عقب لصالح الفريق الجنجويدي هو الامارات العربية التي دخلت الملعب حاملة فوق رأسها جحفل من علامات الاستفهام تتزاحم في سماء السودان أولها أنه حتى لو بسطت المليشيا سيطرتها الكاملة على الحقل النفطي الذي تشير التقارير انه يشكل 40% من عائدات السودان النقدية فكيف سيتم تصدير الانتاج من ميناء بشاير وهو تحت سيطرة الحكومة ؟ ولكن السؤال الأكثر الحاحا كيف فرط الجيش أصلا في هذا الموقع الاستراتيجي والمورد الاقتصادي الهام حيث كان يفترض ان تفرض عليه حراسة مشددة ؟ هل هناك خلل في المنهج العسكري أم أن هناك طابور خامس داخل دهاليز الحكومة كما كشف ذات مرة الفريق ياسر العطا مشيرا بأن خلايا الدعم السريع أقرب الينا من حبل الريد ؟ (3) من المؤكد ان فقدان دولة جنوب السودان لموردها الاقتصادي الأساسي الذي تعتمد عليه كليا مرشح لخلق فرصة ضغط كبيرعليها من قبل دولة الامارات التي تقف وراء الميليشيا وربما يترتب هذا خضوع جوبا للشروط الاماراتية دون أن يلغي خطر الاستهداف المتصاعد لخطوط الانابيب وربما موانيء تصدير النفط . ولكن هنا وأمام علامات الاستفهام الحائرة حدث زلزال لم يكن في الحسبان لا يقل عن 8 درجات بمقياس ريختر وهو ان منطقة هجليج النفطية هي الآن تحت ادارة دولة جنوب السودان وان الضخ سيتواصل الى ميناء بشايربموجب اتفاقية وافق عليها ثلاثة هم البرهان وحميدتي و سلفاكير ..اذا صح هذا الخبر (الزلزال) فهو بمثابة أول اختراق حقيقي لجدار الخلاف بين فريق الجيش وفريق الخلا وربما أول ضوء في نهاية النفق المظلم ولكن هل حدث هذا بأخوي وأخوك أو بخروج الامارات والميليشيا من الصفقة يد ورا ويد قدام ؟ (4) في تقديري هناك شك اذ ان المنتصر ومن واقع كل تجارب التاريخ يفرض دائما شروطه فماهي شروط بن زايد وحميدتي في الصفقة المريبة ؟ .. أيضا علمتنا دروس نفس هذا التاريخ انه لارساء أسس السلام لابد من تقديم الشروط المطلوبة وهي التنازلات والتضحيات المستحقة فلا مجال هنا من أكل الكيكة والاحتفاظ بها . حتى الآن فان الذي نعيشه و نشاهده مباراة مميتة ونزيف متواصل وخسائر ومعاناة تفوق الوصف ووطن أشبه الآن بطائرة مختطفة تسير بسرعة الصوت نحو المجهول دون بوصلة فيما تراخى دور الحكام الذين فضلوا التركيز على مصالحهم بعد أن تحولت الحرب في القناعات من حرب لعينة الى حرب عبثية فحتى أضواء الأمل الأخير (أمريكا ترامب) بدأت تخبو في طريق التلاشي في الأفق البعيد أما على نطاق مجلس التعاون الخليجي فان الأمر يحمل أيضا نفس الملامح والشبه فقد جائت القضية السودانية حسب بيان القمة في المركز 39 بعد ايران واليمن والعراق وسوريا ولبنان حيث طالب المؤتمرون بتغليب لغة الحوار وتقريب وجهات النظر وأشاد المجلس بجهود السعودية في عملية اجلاء رعايا مجلس التعاون الخليجي وبجهود الامارات في تقديم الامدادات الاغاثية الضرورية واجلاء مجموعة من رعايا الدول الشقيقة والصديقة نقطة سطر جديد . (5) لكن رغم الايمان بتقديم التنازلات والتضحيات فان هناك قناعات ثابتة ثبوت الجبال السامقات وهي ان أسرة آل دقلو ليست مؤهلة لتكون طرفا في أي تسوية سياسية حتى ولو احتلت كل أرض السودان بأسلحة الامارات المتطورة لا أخلاقيا ولا منهجيا اذ لم تترك هذه الميليشيا المتوحشة في قلوب ملايين السودان وعقولهم سوى ذكريات الموت الزؤام والدمار والخراب الشامل أما الجيش فقد تأكد لنا تماما ان مكانه الصحيح هو الثكنات يعود اليها مكرما معززا قبل أن تنزلق الأمور الى هاوية الفناء ..الظرف حرج والمستقبل مظلم ولا خلاص الا بحكومة مدنية حتى لو كانت حكومة من الجن الأحمر فقد عرف السودان مختلف الحكومات ولكن تمكن شعبه الصبور المكافح الرافض للظلم والعدوان من أسقاط أعتى الجبابرة طال الزمن أو قصر.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة