عندما تُحرق صور دكتور حمدوك وخالد سلك على أيدي مجموعة من أفراد القطيع، فإن الأمر لا يعنيهما بشكل مباشر. لكن مشكلتنا في هذا السودان أن المستنيرين غالباً ما يقعون في الأفخاخ التي تُنصب لهم قبل البسطاء.
فالمعركة لم تكن يوماً بين حمدوك وسلك في مقابل الكيزان وقطيعهم، ولا هي بين الكيزان وقحت أو صمود. مثلما أن الحرب ليست بين الكيزان وجنجويدهم.
لكن إعلام الكيزان يتعمد اختزال الصراع في كيانات أو أشخاص بعينهم، لأنهم عاجزون عن مواجهة الشعب الثائر بأكمله، في وقت هم فيه بأمس الحاجة إلى استمالة أوسع شريحة ممكنة من الثوار (نص كم)، الذين تحركهم العواطف، وتنطلي عليهم أكاذيب ما يُسمى بمعركة الكرامة وغيرها من الشعارات المُضللة.
وحين يتلقف المستنيرون القفاز سريعاً ويستجيبون لهذا الاستفزاز المُتعمد عبر شخصنة القضايا، نكون أمام مأساة حقيقية لو تعلمون. فهذا وقوع في فخ مكشوف أربأ بكل ثائر أو مستنير أن يقع فيه. فهؤلاء المستهدفون ليسوا أكثر من رموز يعمد الإعلام المأجور إلى استهدافهم لضرب الثورة عبرهم، وانشغالكم بالدفاع عنهم هو أكثر ما يسعدهم ويخدم مخططاتهم، لأنهم بذلك يضعونكم في موقع من يدافع عن أشخاص، وهؤلاء الأشخاص قد يتفق الثوار أو يختلفوا حولهم.
لكن ما لا يمكن الاختلاف حوله هو أن خيرة شباب هذا البلد قدموا أرواحهم الزكية مهراً لتغيير لم يكتمل بعد. فأيهما أحق بالدفاع عنه بالله عليكم؟ القضية التي أُستشهِد من أجلها عباس فرح وست النفور وكشة ومحجوب وهزاع والسنهوري وبقية رفاقهم، أم أشخاص أحياء قادرون على الدفاع عن أنفسهم عبر مختلف المنابر المفتوحة لهم؟!
ما لم نكف عن الانجرار وراء فكرة "الثنائيات" ، لن نكسب وقتنا لما هو أهم. لاحظوا الإصرار على الإكثار من البرامج الحوارية التي يقدم بعضها أشخاص يخدمون الخط المعادي للثورة، وإن تظاهروا بغير ذلك، وستتضح لكم الصورة.
فعندما يناظر جعفر حسن مثلاً أحد أرزقية الحركات المسلحة ويفند مزاعمه يفرح الناس ويهللون، ويهدرون طاقة ووقتاً في التعقيب على ما سمعوه. لكن لو تأملنا المشهد بعمق سنكتشف أنه لا يأتي بجديد يذكر. فأمثال زكريا وغيره من جماعة الحركات لا يحتاجون إلى كثير عناء لتفنيد رواياتهم وخطابهم البائس، فهم يعبدون المال، وقد وجدوا طريقهم إلى مصادره بفضل غفلات جعفر حسن نفسه ورفاقه وكل الثوار الذين سمحوا بتمرير تلك المؤامرة الخبيثة في جوبا.
وبدلاً عن الهتاف والتصفيق يفترض أن نحول هذه الطاقة والمجهود إلى ما هو أفيد: كالمسعى الجاد لتوعية المغيبين، ومحاولة توحيد مجتمعنا ضد هذه الحرب بطرق غير التي اتبعناها في الفترة الماضية طالما أنها لم تثمر عن شيء ملموس، فهم مستمرون في نهبهم لثرواتنا وأموالنا، بينما نكتفي نحن بالتهليل لمن يفحمهم بالحديث.
الخروج من هذا الفخ لا يكون بمزيد من الجدل ولا بكسب المناظرات، بل باستعادة البوصلة نحو جوهر المعركة: الوعي، والتنظيم، وتوحيد الصف ضد الحرب ومن يقفون خلفها. فالقضية أكبر من الأشخاص، وأبقى من الرموز، وأحقّ بأن يُدافع عنها شعب قدم أغلى ما يملك.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة