في مقاله المنشور بـ التنوير تحت عنوان: «أن تأتي متأخرًا، خيرٌ من ألّا تأتي: هل سيفعلها النوبة هذه المرّة؟»أشار الأستاذ المربود بوضوح إلى بيان اتحاد جبال النوبة المدني، الذي دعا — كما ورد في مقاله — إلى خروج جنود جبال النوبة من فيالق جيش البرهان المؤدلَج والعنصري، والانضمام إلى تشكيلٍ مدني يعبّر عن إرادتهم السياسية خارج قبضة الدولة القديمة.
هذه الإشارة ليست تفصيلًا عابرًا، بل تمثّل جوهر النقاش.
عبد العزيز الحلو هو نائب رئيس تحالف التأسيس، وهذه حقيقة سياسية لا يغيّرها الضجيج ولا المقالات الغاضبة. وخروج جنود النوبة من فيالق جيش البرهان المؤدلَج والعنصري، وانخراطهم في مسار مدني كما دعا إليه بيان اتحاد جبال النوبة، ليس تهديدًا لوحدة السودان، بل تصحيح لمسار تاريخي مختلّ.
هؤلاء الجنود لم يكونوا يومًا أصحاب امتياز داخل ذلك الجيش، بل وقودًا لحروبه؛ يُستدعون عند الحاجة، ويُقصَون عند القسمة، ولا يُعترف بهم شركاء حين تُصاغ العقائد أو تُدار الحروب. لذلك فإن خروجهم بقرار مدني واعٍ هو استعادة لحقٍ مسلوب، لا تمرّدًا على وطن.
ما أشار إليه المربود من بيان اتحاد جبال النوبة المدني لا يدعو إلى عزلة إثنية ولا إلى قطيعة وطنية، بل إلى تشكيل مدني مستقل يحرّر قرار الجندي النوبي من التوظيف الأيديولوجي والعنصري. وهذا، في جوهره، فعل سياسي ناضج طال انتظاره.
وهنا أقولها بدون زعل: هذا المسار، بطبيعته، رافدٌ لتحالف التأسيس لا نقيض له. رافد لأنه يعيد الاعتبار للمدني، ويضع البندقية تحت سؤال السياسة، ويكسر احتكار المركز للسلاح والقرار — وهي مبادئ مؤسسة في دستور التأسيس ومشروع السودان الجديد.
الزعل القائم اليوم ليس على الوطن، بل على اهتزاز أوهام الدولة القديمة، وعلى انفتاح الهامش على خياراته المشروعة.
إن كان النوبة قد “أتوا متأخرين”، فإن التأخّر هنا لم يكن تردّدًا في الحق، بل صبرًا طويلًا على دولةٍ لم تعترف بهم إلا عند الحاجة.
واليوم، حين يختارون موقعهم بوضوح، فهم لا يخرجون من السودان… بل يدخلونه من بابه الصحيح.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة