قال الزول الساي الما بسكت ساي وما بقعد ساي: قديماً قالها الملك الفرنسي الاستبدادي لويس الرابع عشر (الدولة أنا وأنا الدولة)!! جدي ومن بعده والدي وجميع الآباء السودانيين القدماء كانوا استبداديين بالميراث!! كانوا يطبقون هذه المقولة الفرنسية الاستبدادية بعد سودنتها ويتحكمون في أهل البيت تحكماً مطلقاً ولسان حالهم يصيح قائلاً: (أنا البيت والبيت أنا)!! كان لكل أب سرير خاص غير مسموح لغيره بالجلوس عليه أو الرقاد فيه!! وكان لكل أب سوط معلق في الجدار يستخدمه لجلد أهل البيت عند اللزوم!! جميع الآباء في العصر السوداني القديم كانوا يغلقون أبواب البيوت بعد صلاة العشاء والجوه جوه والبره بره!! وكانوا لا يمازحون زوجاتهم وأولادهم ولا يحضنون أطفالهم وكانت جميع طلباتهم الرئاسية أوامر واجبة التنفيذ على الفور من قبل جميع أهل البيت وإلا فإن الجلد بالسوط أو الجلد باللسان هو العقوبة الفورية!! باعتباري فرع وارث للتركة الذكورية الاستبدادية التي تمنح الأب صلاحيات مطلقة، فقد قمت بتطبيق المقولتين الاستبداديتين الفرنسية والسودانية بحذافيرهما!! قمت أنا بتجميع كل السلطات المنزلية في يدي في بيوت زوجاتي الأربعة، ففي كل بيت من بيوت الرباعية الزوجية نصبت نفسي رئيساً لمجلس السيادة العائلي ومنحت نفسي كل السلطات بصفة حصرية فأنا السلطة التشريعية التي تسن القوانين المنزلية، وأنا السلطة التنفيذية التي تنفذها، وأنا السلطة القضائية التي تفرض عقوباتها، وأنا رئيس جهاز المخابرات الشخصية المسؤول عن احباط المؤامرات الداخلية، وأنا وزير الاعلام والناطق الرسمي الأوحد في كل بيت، وأنا وزير المالية المتحكم في جميع الميزانيات العائلية، وأنا وزير الدفاع والقائد الأعلى لقواتي العسكرية الشخصية، وأنا وزير الداخلية والقائد الأعلى لقوات شرطتي الذاتية، وأنا وزير الخارجية المسؤول عن العلاقات مع بيوت الجوار فلا علاقات خارجية إلا بفرمانات تصدر من قبل سيادتي!! طيب وين المشكلة؟!! فجأة ودون سابق انذار، بدأت المشاكل المنزلية تتكاثر كالطحالب والسبب الرئيسي الظاهر كان أولادي وبناتي (وأغلبهم من جيل زد)، فقد أخذوا يصيحون في وجهي من وقتٍ لآخر بهتافهم المزعج (حرية سلام وعدالة)!! أولادي وبناتي من جيل زد نعتوني بالدكتاتورية وطالبوني بتقاسم السلطات!! وما أن سمعت بهاتين الكلمتين (تقاسم السلطات) حتى تحسست مسدسي ومن ثم أعلنت الحرب على كل المتمردين والمتمردات من جيل زد وبدأت في إطلاق النار على الجميع!! تم تقديم أكثر من عشرة مقترحات من جانب زوجاتي الأربعة وجيراني طالبتني بقبول الهدنة ووقف إطلاق النار لكنني رفضتها كلها ثم اتهمت زوجاتي الأربعة وجميع جيراني بالانحياز إلى المتمردين والمتمردات من جيل زد!! لكن العنف لم يكن حلاً أبداً فقد تكاثرت وتعقدت المشاكل الداخلية والخارجية ووجدت نفسي محاصراً من جميع أبنائي المتمردين وبناتي المتمردات من جيل زد!! طيب وين الحل؟!! عندما اشتدت الضغوط الداخلية من قبل جميع المتمردين والمتمردات في البيوت الرباعية وأوشكت الأزمة على الانفجار، قررت استخدام سياسة (فرق تسد) مع جيل زد واستخدام أسلوب (انت معاي واللا معاهم؟!!) مع كل متمرد ومتمردة على حدة بهدف اضعاف وتشتيت المعارضة الداخلية واستعمال أسلوب التحفيز الجزئي بالسلطة والثروة مع البعض، ثم مواصلة سياسة رفض الهدنة واستئناف إطلاق النار على الآخرين!! ومن ثم منحت سلطات وزارية واسعة لبعض المتمردين على حساب المتمردين الآخرين!! لكنني فوجئت بأن المشاكل قد تضاعفت بمتواليات هندسية!! فوزير المالية بعزق نصف الميزانية وأكل نصفها الآخر!! ووزير الاعلام شتم جميع أهل الحي بدون أي أسباب موضوعية!! ووزير الدفاع انسحب وهرب عندما واجهه بعض الجيران الغاضبين!! لذلك سارعت إلى تلاوة البيان رقم واحد ونفذت أكبر انقلاب شخصي اعدت بموجبه جميع الصلاحيات المطلقة لنفسي!! وبدأت مجدداً في الدخول في مواجهات مفتوحة ورفضت الهدنة وواصلت إطلاق النار في جميع الاتجاهات على المتمردين والمتمردات من جيل زد!! لكنني وجدت نفسي قابعاً في المربع رقم واحد وأنا مواجه ومحاصر بجميع أنواع المشاكل المزمنة التي لا حل لها!! طيب وين المشكلة ووين الحل؟!! ايوا؟!! المشكلة هي أنا شخصياً!! والحل هو أن اختفى أنا وأصبح مافيش!! طيب كيف تم حل المشكلة؟!! ايوا!! في المرة الأولى أقنعني أولادي وبناتي من جيل زد بأنني من المستحيل أن أصبح فرعوناً عصرياً في عصر الاعلام المفتوح واتحكم بوزارة الاعلام المنزلية في كل بيت من البيوت الأربعة وألا أسمح لزوجاتي الأربعة وأولادي بأن يروا إلا ما أرى!! لأنني عديم الدبلوماسية ومتعصب جداً ولا أحترم الرأي الآخر!! كما أنني لا أعرف التعامل مع أجهزة الاعلام الالكتروني الحر من تلفزيونات وآيبادات وسامسونات وموبايلات ولا أعرف كيفية استخدام هذه الأجهزة الالكترونية الحديثة التي يفهمها جيل زد وحده ويجهلها جيل الديناصورات الذي أنتمي إليه ومن ثم تنازلت بطوعي واختياري وبحالتي المعتبرة شرعاً وقانوناً عن جميع الوزارات الإعلامية في البيوت الأربعة وأصبحت مجرد متلقى لكل الأخبار الاعلامية الداخلية والخارجية سواء أكانت حقيقية أم مفبركة!! في المرة الثانية أقنعني أولادي وبناتي من جيل زد بأنني لا أستطيع أبداً التحكم في وزارة المالية المنزلية في كل بيت من البيوت الأربعة وأن اسيطر على الدخل والمنصرف فيها لأنني أضعف شخص في العائلة في كل الأمور المحاسبية وأنني لا اجيد حتى العمليات الحسابية البدائية كالجمع والطرح والضرب والقسمة وأقنعوني بأن زوجاتي وبناتي وأولادي بارعون في وضع الميزانيات وماهرون في صرفها وعندها رفعت الراية البيضاء وأصبحت مجرد صراف آلي في كل بيت من البيوت الأربعة!! في المرة الثالثة أقنعني أولئك الأبالسة الصغار عندما قالوا لي: إن الزمن قد تغير ولكنك لم تتغير!! وأن تصرفاتك العسكرية والأمنية زمانا فات وغنايا مات!! فالحرب التقليدية القديمة، التي لا وجود لها إلا في ذهنك، كانت تحتاج إلى أسلحة ثقيلة ورجل أشداء وشجعان يخوضون الالتحامان والاقتحامات والمواجهات المباشرة!! يعني الحرب التقليدية التي أعلنتها علينا هي مجرد حرب عبثية!! أما الحرب الحديثة فهي تدار من على البعد بالريموت كنترول عبر استخدام أجهزة التجسس الالكتروني المدعومة بالذكاء الاصطناعي وتشن هجماتها عبر تفجير الجوالات وإطلاق المسيرات ويديرها صبية أو أطفال لم يبلغوا سن الرشد وكأنها مجرد لعب عيال!! أما المرة الرابعة فقد كانت القاصمة لظهري فرغم احساسي بالهزائم المتلاحقة الزاحفة نحوي بسرعة فقد حاولت التمسك بآخر مظهر شكلي من مظاهر السيادة الرئاسية فقررت أن أشكل مجلس استشاري عائلي بعضوية زوجاتي الأربعة ورئاستي طبعاً ليقوم المجلس بمهام وزارة الداخلية ووزارة الخارجية المنزلية حسب ظروف الحال وقررت تطبيق المثل السوداني الذكوري الهجومي الذي يقول (المرا شاورا وخالفا)!! لكن ثبت للجميع بما لا يدع مجالاً للشك أنني أعاني من ضيق أفق اسطوري وقصر نظر خيالي وأن كل القرارات التي تصدر من جانبي وتعترض عليها أي زوجة من زوجاتي الأربعة تكون فاشلة وخاطئة في نهاية المطاف ولذلك تنازلت بمحض اختياري تنازلاً نهائياً عن فكرة الرئاسة الشكلية للمجلس الاستشاري العائلي لأن زوجاتي الأربعة قد أثبتن لي بالأدلة القاطعة أنني مستشار لا يعرف اليمين من اليسار!! ومن ثم بدأت في تطبيق المثل السوداني الذكوري الانهزامي الذي يقول: (مرتك لو قالت ليك اطلع الجبل بدون سبب، اطلع من بدار!!) بعد أن فرض الأمر الواقع نفسه بشدة وتكاثرت علىّ أقوى وأكبر الضغوطات وأنهكتني أطول الحصارات الداخلية والخارجية وبدأت أفقد سلطاتي الرئاسية التي راحت تتساقط بسرعة الواحدة تلو الأخرى!! أعلنت قبولي لهدنة مفتوحة وموافقتي على وقف إطلاق النار إلى الأبد!! عندها انطلقت احتفالات جيل زد في المنازل الأربعة ابتهاجاً بنهاية الحرب العبثية ولدهشتي فوجئت بزوجاتي الأربعة وهن يتصدرن احتفالات انتصارات جيل زد!! في تلك اللحظات لم يعد أمامي أي خيار سوى الانسحاب المفاجئ المكلل بالخجل!! أخيراً، وبعد أن انتهاء الحرب العبثية، اختليت بروحي ولعنت شيطان الرئاسة الرجيم ثم قلت لنفسي، على سبيل التبرير الشخصي والمواساة الذاتية: ياخي أي رئيس في هذا العالم بيكون مريس ومتيس ساكت!! يعني أي رئيس بكون مجرد لعبة في يد المطبلاتية والمزمراتية الذين يلتفون حوله وينتفعون مالياً من سلطاته وفي نهاية المطاف يحملونه المسؤولية وحده ويهربون ويختفون في جحورهم العميقة لو قامت ضده ثورة داخلية أو تعرض لغزو خارجي أو وقع ضده انقلاب عسكري أو انهزم في انتخابات ديموقراطية!! وعندما وصل تفكيري إلى هذا الحد، عقدت مؤتمر قمة مع نفسي وأصدرت آخر فرمان رئاسي وتنازلت بموجبه عن كل سلطاتي الرئاسية لزوجاتي الأربعة ولجميع أولادي وبناتي من جيل زد بعد أن اقتنعت تماماً بأنني أسوأ رئيس في العالم وأنني لا أصلح حتى أن أكون رئيساً لنفسي ومن ثم قررت أن أعيش داخل كل بيت من البيوت الأربعة وخارجه كمواطن ساي يعني كمواطن عادي ولا نامت أعين الرؤساء في أي مكان!!
(من مذكرات زول ساي)
ملحوظة: لا للحرب، نعم للسلام في السودان وفي جميع البلدان
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة