الإعلام يكشف الفظائع… والسياسة تتلعثم , يطرح تصاعد التغطيات في الصحافة الأمريكية سؤالًا ملحًا: هل أصبحت وسائل الإعلام في واشنطن هي القوة التي تقود العالم إلى الاعتراف بحجم المأساة السودانية وتضغط نحو وقف الحرب؟ خلال الأسابيع الماضية، تصدّر السودان الصفحات الأولى في واشنطن بوست ونيويورك تايمز وغيرها، مع موجة تقارير وتحقيقات أعادت البلد — المنسي دوليًا — إلى صدارة الاهتمام الإنساني والسياسي أبرز هذه التغطيات كان مقال إيشان ثارور في واشنطن بوست، الذي رسم صورة صادمة للفاشر بعد سقوطها أواخر أكتوبر عقب حصار أطول من 500 يوم المقال تحدث عن أحياء مدمرة، مقابر جماعية، مستشفيات أُخليت بالقوة، وأطفال وصلوا مخيمات النزوح بلا ذويهم. شهادات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة تحدثت عن مجازر واغتصابات وعمليات قتل واسعة نفذتها قوات الدعم السريع فيما ظل الجيش السوداني متهمًا أيضًا بالقصف العشوائي واستهداف مناطق مدنية وفي الوقت نفسه، نشرت نيويورك تايمز هذا الشهر تحقيقات ركزت على ضربات مسيّرة قتلت أكثر من مئة مدني في جنوب كردفان، وعلى نهب قوافل الإغاثة المتجهة إلى دارفور، وعلى اتساع رقعة الجوع الذي يهدد مئات الآلاف في الإقليم هذه التغطيات لا تُقدَّم بصيغة “خبر عالمي”، بل في إطار أزمة إنسانية وسياسية كبرى تتجاوز حدود السودان لكن لماذا هذا الاهتمام الواسع الآن؟ الصحافة الأمريكية تكتب بكثافة عن الحرب السودانية لأسباب متعددة؛ أبرزها ضخامة الكارثة الإنسانية، وغياب الإعلام المحلي القادر على نقل الصورة، ومحورية السودان في التنافس الإقليمي والدولي على البحر الأحمر والموارد كما تلعب منظمات حقوق الإنسان واللوبيات الإنسانية في واشنطن دورًا كبيرًا في دفع هذه القضايا إلى الواجهة، خاصة مع عودة شبح الإبادة الجماعية في دارفور، وهو ملف حساس في الذاكرة الأمريكية إضافة إلى ذلك، تستخدم الصحافة الأمريكية هذه التغطيات كوسيلة ضغط على صناع القرار، لتذكير الإدارة والكونغرس بمسؤولياتهم الأخلاقية والسياسية. وبمعنى آخر السودان ليس مجرد مأساة تُروى، بل قضية يُراد لها أن تُحرج العالم ورغم هذا الزخم الإعلامي، تظل الخطوات السياسية الأمريكية محدودة فوزارة الخزانة فرضت عقوبات على شبكات مرتبطة باستقدام مرتزقة لصالح الدعم السريع، كما دعمت واشنطن توصيف الجرائم في دارفور باعتبارها “إبادة جماعية” و لكن هذه الإجراءات لم تُترجم بعد إلى جهود دبلوماسية واسعة أو استراتيجية فعالة لوقف الحرب وحتى “الرباعية الدولية” التي تضم الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات تبدو أقل قدرة على دفع الأطراف إلى مفاوضات حقيقية خاصة بعد اشتراط الجيش انسحاب الدعم السريع من الفاشر أي حوار والفاشر بقبضة الدعم السريع الان الصحافة الأمريكية، من جانبها، مستمرة في رفع الصوت. صور الأقمار الصناعية التي تعتمد عليها وسائل الإعلام تكشف عن قرى أُحرقت بالكامل، وطرق قُطعت، ومراكز طبية دُمِّرت و مقاطع الفيديو التي يتداولها مقاتلون من الدعم السريع والتي تتباهى بالقتل والاغتصاب، تجد طريقها سريعًا إلى القنوات الأمريكية، لتعيد تعريف الحرب السودانية في المخيلة الغربية لكن يبقى السؤال الأصعب بالفعل هل يمكن للصحافة أن توقف حربًا؟ الإعلام قادر على فضح الجرائم وتشكيل رأي عام عالمي، لكنه غير قادر وحده على صناعة قرار سياسي وإذا كان العالم اليوم يقرأ عن السودان أكثر مما يسمع من دبلوماسييه، فذلك يعكس فجوة هائلة بين المعرفة والفعل في النهاية، ما تقوم به الصحافة الأمريكية هو إعادة السودان إلى الطاولة، وكشف حجم الفظائع، وتحميل الدول الكبرى مسؤولية النظر في مرآة الحقيقة. لكنها — مهما فعلت — لا تستطيع إجبار أي طرف على وقف إطلاق النار ولا تملك أن تمنع مجاعة أو تطهيرًا عرقيًا أمثلة إضافية من الصحافة الأمريكية التي تناولت الحرب في السودان قريبًا جدًاإليك بعض التقارير البارزة من نوفمبر وديسمبر 2025، تُظهر تركيز الصحافة الأمريكية على الانتهاكات والتصعيد ما الذي ركزت عليه أو أبرزته "Attacks on Kindergarten and Hospital Kill 114 in Sudan, W.H.O. Says" (نيويورك تايمز، 8 ديسمبر 2025) هجمات RSF على روضة ومستشفى في كالوجي، قتل 114 (63 طفلًا)، جرائم حرب، وهجمات على الإسعافيين. "UN warns of new wave of atrocities in Sudan's Kordofan region" (أسوشيتد برس، 4 ديسمبر 2025) تحذير أممي من فظائع في كردوفان، قتل 269 في بارا، نزوح 14 مليون، مخاطر على النساء والأطفال في الملاجئ "Amnesty accuses Sudanese paramilitary of war crimes in assault on refugee camp" (واشنطن بوست، 3 ديسمبر 2025) جرائم RSF في معسكر زمزم، إعدامات واغتصابات في دارفور، ربط بالحصار على الفاشر "Paramilitary force pushes east in new escalation of Sudan's war" (رويترز، 14 نوفمبر 2025) تقدم RSF في كردوفان، نزوح 50 ألف، إعدامات ومجاعة، رفض الجيش لوقف إطلاق نار أمريكي. "Top U.N. Official Pushing to Get Aid Into Stricken Sudanese City" (نيويورك تايمز، 17 نوفمبر 2025) زيارة أممية إلى الفاشر، تعهد RSF بمساعدات وتحقيقات، قتل 400 ألف، مذابح عرقية
إذن هل الصحافة الأمريكية «تقود» العالم؟ وهنالك سؤال مفتوح نعم من جهة والصحف الأمريكية الكبرى — مثل "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" — تنقل الواقع بوضوح، تعرض أرقامًا صادمة (مثل 114 قتيلاً في هجوم واحد)، شهادات، وصورًا، وتحليلات تجعل مأساة السودان وعنف كردوفان ودارفور جزءًا من الخطاب العالمي وهذا يعيد السودان إلى واجهة الاهتمام، كقضية إنسانية تستدعي تدخلاً.لكن من جهة أخرى: القيادة الحقيقية تحتاج إرادة دولية، قرارات أممية، وعقوبات فعالة — لا مجرد تغطية عوامل مثل الدعم الخارجي لـRSF والمصالح النفطية في كردوفان قد تعيق التحرك، كما يظهر التصعيد المستمر رغم التحذيرات.لماذا هذا النموذج مهم — وما يجب أن نتوقعههذا النموذج — تغطية مكثفة في أواخر 2025 — يُظهر أن مأساة في أفريقيا يمكن أن تصبح قضية عالمية عبر صحافة مستقلة، محولة الألم إلى ضغط. لكن المطلوب الآن: فتح ممرات إنسانية، حماية المدنيين، ودعم للتحقيقات، لئلا تبقى التقارير مجرد "منبه" دون فعل.نعم — ولكن مع تحفظنعم، الصحافة الأمريكية تقود جزءًا من العالم لينظر إلى مأساة السودان بجدية، عبر سرد صادق للهجمات، الفظائع، والمجاعة لكنها ليست السائق الوحيد؛ التحول يحتاج ترجمة الكلمات إلى إجراءات وهذا يجعل السودان اختبارًا للضمير العالمي: هل سيستيقظ العالم، أم سيبقى النظر بعيدًا؟ يبقى أن نقول قد لا تقود الصحافة الأمريكية العالم إلى السودان، لكنها بلا شك تُحرجه بما تكشفه. تكشف دهشة الصمت، وفضيحة الغياب، وتضع العالم أمام سؤال معلق هل سيتحرك المجتمع الدولي الآن بعدما أصبحت الحقائق أكثر وضوحًا من أي وقت مضى أم سيظل السودان مأساة تُروى بلا شهود؟ , هذا سؤال لا تجيب عنه الصحافة… بل يجيب عنه الدم الذي لا يزال يسيل.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة