*إدانة علي عبد الرحمن كوشيب بالسجن تأكيدا لحتمية العدالة*
أصدار المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي حكما بالسجن لمدة عشرين عاما اليوم الثلاثاء الموافق التاسع من ديسمبر 2025, بحق علي عبد الرحمن كوشيب، أحد أبرز رموز قادة ميليشيا الجنجويد في نظام المخلوع عمر البشير، يمثل أكثر من مجرد حكم قضائي؛ إنها رسالة واضحة بأن العدالة ليست مهملة، وأن الفظائع والانتهاكات التي ارتكبها نظام الإبادة الجماعية سيأتي أوان حسابه، مهما طال الزمن أو قَصُر.
الحكم بالسجن لمدة عشرين عاماً على كوشيب، رغم أن البعض قد يعتبره متواضعاً مقارنة بجرائمه، هو في الواقع عقوبة كافية إذا أخذنا في الاعتبار عمر الجاني، فقد يختتم حياته داخل السجن، تاركا أثر العدالة ملموساً لكل من عاش فظاعات النظام.
التاريخ مليء بالأمثلة التي تؤكد أن العدالة، وإن تأخرت، فهي حتمية. في أمريكا الجنوبية، عانت دول مثل الأرجنتين وتشيلي من أنظمة عسكرية مارست القتل والقمع والاختفاء القسري، ولكن بعد سقوط هذه الأنظمة، تمت محاكمة المسؤولين عن الانتهاكات الوحشية بحق المدنيين. على سبيل المثال، بعد انتهاء حكم الجنرال خورخي رافائيل فيديلا في الأرجنتين، بدأت سلسلة من المحاكمات التي أدت إلى الحكم على كبار المسؤولين بتهم التعذيب والقتل، مؤكدين أن الإفلات من العقاب ليس خياراً دائماً، بل ضرورة تقتضيها طبيعة العدالة نفسها.
وفي أفريقيا، نجد مثالاً آخر في رواندا، حيث قامت محاكم الجرائم الدولية بعد الإبادة الجماعية أي حرب المائة يوم عام 1994 بمحاكمة قادة حملة الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء. المحاكمات لم تمنع العودة إلى الحياة الطبيعية فحسب، بل ساعدت المجتمع الرواندي على مواجهة الماضي وتقديم اعتراف بالمعاناة التي ألمت بالضحايا، مما أعطى لهم نوعًا من الكرامة والحق في العدالة.
أما في أوروبا، فقد تركت الحقبة النازية إرثاً من الجرائم الإنسانية التي كان لابد من مواجهتها. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أقيمت محاكمات نورمبرغ، التي أصدرت أحكاماً على كبار القادة النازيين، مؤكدة أن الجرائم ضد الإنسانية لا يمكن أن تمر دون حساب، وأن التوقيت ليس عذراً للتأجيل. كانت هذه المحاكمات نموذجاً عالمياً لإرساء مبدأ المحاسبة القانونية والعدالة الدولية.
ما يجمع كل هذه الأمثلة هو أن الأنظمة الاستبدادية، مهما بدت قوية أو استمرت لفترة طويلة، لا تستطيع الإفلات من الحساب في النهاية. محاكمة علي عبد الرحمن كوشيب ليست مجرد عقوبة فردية، بل هي اعتراف جماعي بجرائم نظام الإبادة الجماعية، ورسالة قوية لكل من يعتقد أن الانتهاكات يمكن أن تمر دون عقاب. العدالة قد تتأخر، لكنها حتماً تأتي لتعيد الحقوق إلى أصحابها، ولتعطي للمجتمعات تاريخا واضحا عن الذين أجرموا بحق الإنسانية.
في نهاية فصول العدالة، يمكن القول إن العدالة ليست مسألة وقت فحسب، بل هي صراع مستمر ضد الإفلات من العقاب، ومحاسبة كل من أساء استخدام السلطة. وكل حكم قضائي، مهما بدا محدودا في مدته، يمثل خطوة مهمة نحو تاريخ أكثر عدلاً وضمير إنساني حي لا ينسى. فالضحايا الذين كانوا مجرد أرقام في حاجة لتعريف لإعادة ذكراهم بما يليق بتضحيات احبائهم الذين عانوا آلام فقدهم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة