إن إغتيال فنان ليس مجرد جريمة ضد فرد، بل هو محاولة لاغتيال الذاكرة الجمعية، وإسكات صوت التراث، وإطفاء شعلة الإبداع التي تعكس وجدان الشعب. حين تستهدف مليشيا "الحركة الظلامية" – الكيزان القتلة الأشرار – الفنانين، فإنها لا تقتل أشخاصاً فحسب، بل تسعى لطمس هوية السودان الثقافية، وتجفيف منابع الجمال التي تقاوم القبح والاستبداد.
لقد نفذت هذه المليشيا الإرهابية جريمتين بشعتين في كردفان ودارفور عبر مسيرات انتحارية، أدت إلى سقوط مئات الضحايا والجرحى. ومن بين الشهداء الفنان الكبير إبراهيم إدريس، صوت البادية العربية الذي أبدع في الغناء بالسلم السباعي، ذلك التراث العريق الذي حاولت دولة 1956 تهميشه ومحاربته ضمن سياسات الإقصاء الثقافي. ورغم ذلك، ظل هذا التراث حيّاً بفضل أصوات عديدة، كان آخرها الفنانة شادن محمد الحسن التي اغتيلت عمداً في بيتها بالخرطوم مع أولادها بدانة في هذه الحرب اللعينة، لتؤكد أن الاستهداف مقصود وممنهج ضد رموز الفن والتراث الأصيل.
بالأمس، اغتيل إبراهيم إدريس مع عدد من المواطنين بمسيرة انتحارية في هجيليج بعد تحريرها من قبضة الحركة الظلامية، تلك العصابة التي أدمنت سرقة عائدات البترول، وبناء العمارات والفلل، والتمتع بخيرات البلاد، بينما ظل سكان كردفان ودارفور – مناطق استخراج البترول – يعيشون حياة البؤس والفقر والمسغبة.
ولم تكتفِ هذه الحركة الإرهابية بجريمتها في كردفان، بل ارتكبت جريمة أخرى في دارفور عبر مسيرة انتحارية استهدفت المدنيين بشكل مباشر، وأدت أيضاً إلى سقوط المئات بين قتيل وجريح، في تأكيد جديد على طبيعتها الإرهابية وعدائها للحياة.
إن هذه الجرائم الإرهابية تكشف بوضوح أن تنظيم الإخوان المسلمين في السودان، بمسمياته وواجهاته المتعددة، يمثل خطراً وجودياً على الأمن والسلام والاستقرار، ليس في السودان وحده، بل في المنطقة والعالم أجمع.
كلمة أخيرة مهما فعل الإرهابيون، ومهما حاولوا إسكات الأصوات الحرة، فإن الشعب السوداني لن يتخلى عن الحرية، لأنها ليست شعاراً سياسياً، بل مطلباً إنسانياً أصيلاً وحقاً لا يُنتزع في حياة كريمة حرة. الحرية ليست أن نعيش فحسب، بل أن نبدع في الحياة بالأفكار والخيال والفن، فهي التي يسافر بها المبدع في نفوس الناس، ويحلق في سماوات الإبداع كما فعل الفنان الشهيد إبراهيم إدريس الذي غاص في التراث، وغاص في الوجع، وقدم نموذجاً مشرقاً للفن ودوره في مقاومة الظلم والطغيان.
الوحش يقتل ثائراً، وأرض السودان المعطاءة تنبت مليون ثائر. تبا لكم أيها القتلة الأشرار.
الطيب الزين كاتب وباحث في معاني القيادة والإصلاح المؤسسي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة