مقدمة قضية علي محمد علي عبد الرحمن المعروف بـ"كوشيب" أمام المحكمة الجنائية الدولية (ICC) تسلط الضوء على التحديات الجوهرية التي تواجه العدالة الدولية: المحكمة تحاول ممارسة القانون في بيئة سياسية معقدة، حيث تصبح العدالة أداة جزئية أكثر من كونها تحقيقًا موضوعيًا للحقيقة. هذه القضية تكشف كيف يمكن للتركيز على المسؤولية الفردية، مع تجاهل القيادة العليا والدولة، أن يقود إلى عدالة سطحية، ويترك الضحايا دون مساءلة كاملة. أولًا: المحكمة بين القانون والعدالة الجزئية قانونيًا، كان بالإمكان تحويل كوشيب إلى شاهد ملك يكشف سلسلة القيادة العليا للجرائم، إلا أن استراتيجية الادعاء ركزت على إثبات الهوية فقط. هذا القرار يعكس ما يمكن تسميته بـالعدالة الجزئية: إدانة فردية بدل كشف المسؤولين الكبار: المحكمة أصدرت حكمًا ضد كوشيب بينما بقيت قيادات عليا مثل البشير ،هارون،عبدالرحيم وحمدتي وبرهان خارج نطاق المساءلة الفعلية من خلال اجراءات المحاكمة. فقدان أداة كشف الحقائق: لم تُستغل خبرة كوشيب الداخلية في ميليشيا الجنجويد، مما أضعف قدرة المحكمة على كشف المسؤوليات السياسية العليا. ثانيًا: السياسة تفرض نفسها على القانون القوة السياسية تلعب دورًا واضحًا في مسار المحكمة: التأثير الدولي: تهديدات من الولايات المتحدة وامتدادات دعم سياسي لدول معينة تجعل المحكمة في موقف ضعيف أمام تحقيق العدالة الكاملة. القيود المحلية: السودان وغيرها من الدول تتصرف بما يتوافق مع مصالحها، ما يعوق تسليم المطلوبين ويعقد عمليات التحقيق. الغموض في التسليم: خروج كوشيب من السودان عبر أفريقيا الوسطى يثير شكوكًا حول تواطؤ محتمل أو تغاضٍ سياسي من الجهات المحلية، وهو ما لم يكشف عنه التحقيق العلني. ثالثًا: ثغرات قانونية مؤسسية المحكمة الجنائية الدولية تواجه انتقادات قانونية مؤسسية: غياب قوة إنفاذ مستقلة: المحكمة تعتمد على تعاون الدول، وهي ليست لديها شرطة أو قدرة على اعتقال المتهمين بنفسها. تركز على المسؤولية الفردية: المادة 28 من نظام روما الأساسي تتيح مساءلة القادة العسكريين والسياسيين، لكن تطبيقها محدود بسبب التركيز على المتهمين الضعفاء أو المستسلمين. غياب الشفافية: المذكرات الاستخباراتية والوثائق الداخلية للمحكمة غالبًا غير منشورة، مما يترك المجال للغموض والتكهنات حول التواطؤ أو التسويات السرية. رابعًا: استغلال المحكمة لأغراض سياسية الحالات التي تلاحقها المحكمة غالبًا تختارها الاعتبارات السياسية: توجيه مذكرات اعتقال ضد قادة محددين بينما تُغض الطرف عن دول أو مسؤولين متورطين في جرائم مماثلة، كما حدث في العراق وأفغانستان وفيتنام. وجود ضغوط من حلفاء دوليين لتحديد مسار المحكمة، مما يجعل العدالة أداة سياسية أكثر من كونها هدفًا قانونيًا مستقلًا. استغلال المحكمة لحماية مصالح معينة، بما في ذلك تسوية ملفات مع دول أو أطراف قوية سياسيًا، خامسًا: العدالة الناقصة وضحايا دارفور نتيجة هذا المزج بين السياسة والقانون: الضحايا لم يحصلوا على الحقيقة كاملة، إذ اقتصرت المحاكمات على متهمين ضعفاء أو تم إسقاط فرص كشف المسؤولين الكبار. التسويات السياسية أو الإهمال في إنفاذ العدالة جعل المحكمة أداة شكلية، تحقق عقوبة محدودة دون معالجة جذور الجرائم أو السلطة التي أمرت بها. عدالة المحكمة مقيدة بالقيود السياسية والمالية والدولية، مما يثير سؤالًا جوهريًا: هل ICC أداة قانونية أم أداة سياسية لدول قوية؟ استنتاج نقدي قضية كوشيب تبرز التناقض الأساسي في عمل المحكمة الجنائية الدولية: من الناحية القانونية، هناك إطار متين يسمح بمساءلة الأفراد والقيادات العليا وفق نظام روما الأساسي. من الناحية العملية والسياسية، المحكمة تعجز عن فرض العدالة الكاملة بسبب الضغوط الدولية، القيود المحلية، والاعتماد على التعاون الطوعي للدول. ICC، بدل أن تكون أداة لتحقيق العدالة الشاملة، تتحول أحيانًا إلى أداة جزئية تُستخدم في المساومات السياسية، مع استمرار إفلات القيادات العليا من المسؤولية، وترك الضحايا دون إجابة عن الجرائم التي ارتكبت ضدهم. الخلاصة: العدالة الدولية، كما تُمارسها المحكمة الجنائية الدولية اليوم، تواجه فجوة حقيقية بين القانون والسياسة؛ فجوة تجعل من العدالة أحيانًا شكلًا رمزيًا أكثر منه تحقيقًا فعليًا للحق والإنصاف. ،،،،،،،
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة