برز خطاب الحياد في خضم الصراع الدامي في السودان كخيار عقلاني يسعى إلى مواجهة الخطابات المنحازة لطرفي النزاع: القوات المسلحة بقيادة البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي. ويقوم هذا الخطاب على رؤية واضحة تدعو إلى وقف الحرب والعودة إلى طاولة المفاوضات باعتبارها الطريق الأقصر والأقل تكلفة نحو تسوية النزاعات، وحماية ما تبقى من أرواح المواطنين وموارد البلاد. فاعلية خطاب الحياد
لم يتراجع تأثير خطاب الحياد، لأنه يستند إلى مبدأ أخلاقي يقوم على رفض التحيّز، ويعمل على ترسيخ الثقة وتأكيد أن الحياد ليس ضعفاً أو تردداً، بل موقف وطني واعٍ. فالحرب لا يدفع ثمنها أولئك الذين يسعون إلى المكاسب السياسية؛ إذ إن المنتصر ــ أيّاً كان ــ سيعيد تشكيل المشهد السياسي وفق رؤيته الخاصة، وليس وفق إرادة الشعب. وتدلّ التجارب التاريخية على أن الجيوش المنتصرة نادراً ما تسلّم السلطة لمدنيين، بل تُجري تعديلات تضمن استمرار نفوذها، وكأن السياسة انعكاس مباشر لمزاج القوة الحاكمة.
لذا، فإن الهجوم المتواصل الذي يشنّه طرفا الحرب على الأصوات المحايدة يهدف إلى إسكاتها ودفعها نحو الانحياز، في محاولة لإطفاء نور الحقيقة. ومع ذلك يظل صوت الحياد ثابتاً، لأنه يستند إلى موقف صادق وراسخ؛ فكم من كلمة حق كانت قادرة على تغيير مسار التاريخ.
ينبغي على الداعمين للحياد باعتباره خياراً استراتيجياً أن يحكموا صياغة خطابهم السياسي، حتى لا يُستغل موقفهم أو يُفسّر بما يخدم أحد أطراف الصراع. كلفة استمرار الحرب إن استمرار الحرب لا يخلّف سوى مزيد من الدمار والضحايا. فقد ضاعت أجيال كاملة بين انهيار التعليم وتردّي الخدمات الصحية وندرة الغذاء، بينما تتوسع معسكرات الموت كأن أبناء السودان خُلقوا ليُستنزفوا في الحروب ، منهم لجأ هاربا من جحيم الحرب ليقعوا في شباك الاتجار بالبشر، أو ليغرقوا في البحر المتوسط بحثاً عن حياة آمنة. ومع ذلك، لا يبدو أن أحداً من أطراف النزاع يكترث لهذه المعاناة أو يدرك حجمها الإنساني.
ومن الواضح أن المستفيدين من استمرار الحرب هم أولئك الذين وجدوا فيها جسراً للوصول إلى السلطة، ولو على حساب المواطن المغلوب على أمره.
إن إطالة أمد الحرب تفتح الباب أمام التدخلات الخارجية التي قد تنتزع القرار السياسي من السودانيين أنفسهم، مما يجعل فرص الحل السلمي تتضاءل. ولعل أبرز مثال على ذلك ما يُعرف بالرباعية، التي تناقش الشأن السوداني بمعزل عن أصحابه. صوت الحق يبقى صوت الحق شوكة في حلق الباطل، وقوة قادرة على إزالة ركام الظلم. فالتاريخ حافل بالأمثلة التي تؤكد أن كلمة الحق، مهما تعرضت للتهديد، تظل قادرة على تغيير مجري الأحداث
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة