أن قرار الكونغرس الأمريكي لتعزيز الدعم الاستخباراتي في السودان: ضربة غير مباشرة للسلطة الحاكمة وتسريع لتحولات ما بعد الحرب , في خطوة تُعيد رسم خرائط النفوذ في القرن الأفريقي، أقرّ الكونغرس الأمريكي ضمن قانون تفويض الاستخبارات للسنة المالية 2026 (IAA FY2026 – S.2342) بنداً بالغ الدلالات: المادة 532، التي تُلزم مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) بوضع خطة متكاملة خلال 90 يومًا لمواجهة "التأثيرات الأجنبية الخصمة في السودان" ورغم أن بعض التقارير على منصة "إكس" خلطت بينها وبين مواد قانون الدفاع السنوي (NDAA)، فإن المادة المقصودة تقع في قانون الاستخبارات تحديداً، وهو ما يعكس حساسية الملف وتداخله مع الأمن القومي الأمريكي، لا مجرد الترتيبات الدفاعية العامة القرار يذهب أبعد من المتابعة الدبلوماسية أو الضغط السياسي؛ إنه يدخل السودان رسميًا في صلب صراع الاستخبارات الكبرى، ويُحوّله إلى "ملف مراقبة عميقة" مثل ليبيا وسوريا وأوكرانيا
لماذا السودان الآن؟ تصاعد الحرب منذ أبريل 2023، واتساع رقعة الانهيار الإنساني، وخطر المجاعة الذي يهدد 21 مليون شخص، جعل السودان نقطة التقاء بين مصالح ثلاثة أطراف أمريكا التي تريد إيقاف تمدد روسيا والصين القوى الإقليمية التي تستخدم أطراف النزاع كأدوات نفوذ الأجهزة العسكرية السودانية المتصارعة التي تحاول تثبيت سيطرتها عبر دعم خارجي متنوع واصلت واشنطن مراقبة التغذية الخارجية للنزاع منذ بدايات الحرب. لكن خلال 2024 و2025 أصبح حجم التدخل الأجنبي معلنًا بلا مواربة الدول التي تدعم قوات الدعم السريع لوجستيًا، روسيا وإيران تمدّان SAF بالسلاح والطائرات المسيّرة، مصر توفّر التدريب والإسناد بينما تفشل الوساطات السعودية والأمريكية في جدة في وقف الحرب من هنا جاء القرار الأمريكي كإعلان رسمي النزاع السوداني لم يعد أزمة داخلية، بل نقطة اشتباك دولي مفتوح جوهر المادة 532: خطة استخباراتية لإعادة توزيع موازين القوى تُلزم المادة 532 مدير الـCIA بالتشاور مع باقي أجهزة الاستخبارات لوضع خطة من محورين--- أولاً مشاركة مكثّفة للمعلومات تشمل رفع السرية عن أجزاء من الملفات المتعلقة بمصادر التمويل والتسليح، وتبادلها مع الحلفاء مثل السعودية والإمارات ومصر والاتحاد الأوروبي هذه الخطوة وحدها كفيلة بإحداث صدمة سياسية، لأن كثيراً من التدفقات الخارجية تتم في الظل ثانياً جمع وتحليل بيانات إضافية حول شبكات الدعم الخارجي التي تُطيل الحرب أو توسّعها، بهدف إجهاضها قبل أن تُهدد المصالح الأمريكية في البحر الأحمر والقرن الأفريقي الهدف النهائي ليس وقف الحرب فحسب، بل ضرب النفوذ الروسي والإيراني والصيني قبل ترسّخه، وهو ما يضع السلطة الحاكمة في الخرطوم تحت المجهر السلطة الحاكمة - المستفيد ظاهرياً، المستهدف عملياً على الورق، يبدو القرار موجهاً ضد كل التدخلات الأجنبية، بما فيها الدعم الإماراتي لـRSF لكن عند التدقيق، تظهر الصورة أكثر وضوحًا: SAF والبرهان هما المتضرران الأكبر، لأن اعتمادهم على روسيا وإيران ومصر أخطر على المصالح الأمريكية.
أين تكمن الضربة؟
١. فضح التدفقات العسكرية الكشف عن خطوط الأسلحة الروسية أو الإيرانية قادر على دفع أوروبا لفرض عقوبات فورية، كما حدث في ليبيا وسوريا. وإذا رفعت واشنطن السرية عن وثائق تتعلق بـ"القاعدة الروسية الموعودة في بورتسودان"، فستتعرض SAF لضربة دبلوماسية مؤلمة. تعرية الشرعية الدولية للسلطة الحالية البرهان يستند اليوم على كونه "الحكومة المعترف بها"، لكن قرار الكونغرس يضعه في خانة "السلطة المرتبطة بدعم خارجي خصم لواشنطن". هذا التصنيف وحده كفيل بإسقاط نصف شرعيته. الحد من قدرة SAF على الاستمرار في الحرب فقدان خطوط الإمداد الروسية والإيرانية—حتى لو لم يتوقف بالكامل—سيضع قوات SAF في موقع دفاعي هشّ وفي المقابل؟ صحيح أن القرار يستهدف أيضاً الدعم الإماراتي لـRSF، لكنه تأثير متوازن، إذ تستطيع واشنطن الضغط على أبوظبي بسهولة أكبر مما تستطيع محاصرة شبكات موسكو وطهران الرسالة واضحة--واشنطن تريد إعادة توازن القوة، لكن ليس لصالح SAF أبداً. الآثار المتوقعة بعد 90 يوماً- سيناريوهات ما بعد الخطة مع دخول الخطة حيّز التنفيذ في مارس 2026، يُتوقع أن يتغيّر شكل الحرب تدريجياً، لا بشكل خاطف. لكن التأثير السياسي سيكون فوريًا تقريباً السيناريو الأكثر ترجيحًا (60%) – الضعف التدريجي وانهيار جزئي للسلطة تراجع الدعم الروسي والإيراني بفعل العقوبات والتسريبات ضغط سعودي–أمريكي لإجبار البرهان على وقف إطلاق النار، تراجع نفوذ SAF داخل الولايات وربما انهيار خطوط دفاعها إذا تقدم RSF مستفيدًا من إرباك الخصم.
سيناريو ضغط دبلوماسي مكثّف (30%) تستخدم واشنطن المعلومات لفرض اتفاق سياسي، تتشكل حكومة مدنية انتقالية، وتُجرد SAF وRSF من التحكم السياسي المباشر هذا السيناريو يشبه ما حدث في ليبيا 2020
سيناريو استمرار الوضع الراهن (10%) إذا تغاضت واشنطن عن تطبيق الخطة لأسباب تتعلق بالمصالح مع الإمارات، أو في حال تعثر جمع المعلومات، لكن هذا السيناريو ضعيف، لأن الكونغرس أصبح يرى السودان بوابة نفوذ روسي–صيني
السودان يدخل مرحلة جديدة من الحرب الباردة قرار الكونغرس ليس قرارًا "عن السودان" بقدر ما هو قرار "من أجل منع روسيا والصين من تثبيت أقدامهما" في أفريقيا. لكن أثره على السلطة الحاكمة واضح --إضعاف SAF، ضرب مصادر دعمها، تعريتها أمام المجتمع الدولي، وتسريع نهاية نموذج السلطة العسكري. الـ90 يومًا المقبلة لن توقف الحرب، لكنها ستغيّر قواعدها وسيدخل السودان بعدها في مرحلة جديدة تمامًا --مرحلة تُعيد واشنطن فيها رسم المشهد من وراء ستار المعلومات، لا عبر الدبابات. الضحية، كالعادة، ليس البرهان ولا حميدتي، بل الشعب السوداني الذي تُدار فوق مأساته واحدة من أكثر جولات الحرب الباردة قسوة ووضوحًا في القرن الأفريقي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة