الأزمة السودانية: بين غياب الإرادة وإنكار القادة ووهم السيادة كتبه محمد عبدالله إبراهيم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-09-2025, 03:14 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-08-2025, 07:30 PM

محمد عبدالله ابراهيم
<aمحمد عبدالله ابراهيم
تاريخ التسجيل: 12-21-2015
مجموع المشاركات: 117

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الأزمة السودانية: بين غياب الإرادة وإنكار القادة ووهم السيادة كتبه محمد عبدالله إبراهيم

    07:30 PM December, 08 2025

    سودانيز اون لاين
    محمد عبدالله ابراهيم-الخرطوم-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر






    تتجاوز الأزمة السودانية، التي انحدرت إلى حرب وجودية مدمرة، إطار الصراع العسكري التقليدي لتغوص في صلب الاشتباك المفهومي العميق بين السيادة والمسؤولية. فبينما تتسارع وتيرة الموت وموجات النزوح لتكتسح المشهد السوداني بأكمله، يتردد في أروقة السياسة الدولية سؤال يوجع الضمير الإنساني "هل حقاً استعصى حل هذه الأزمة على الإرادة العالمية، أم أن غياب الجدية ليس سوى قناع تتخفى خلفه شبكة المصالح المتضاربة وتخاذل الضمير وتراخي الالتزام الأخلاقي؟" إن القراءة المتأنية تشير بوضوح إلى أن المأساة لم تولد من تعقيد لا يحل، بل من ترسخ منطق الإنكار داخلياً وتجذر شلل الإرادة خارجياً.

    وعندما نغوص في صميم هذا الإنكار، تتجلى الحقيقة المرة بلا مواربة. ففي خضم هذا الخراب الإنساني والفراغ السياسي، يبرز الموقف الذي تبنته قيادة الجيش السوداني برفضها القاطع لكل المبادرات الإقليمية والدولية، وتمترسها خلف أولوية الجسم العسكري كما لو كان قدراً مقدساً لا يقبل المراجعة. إن هذا الموقف لا يعكس مجرد اختلاف في الرؤى، بل يجسد إنكاراً سافراً لحقائق التاريخ ووقائع الأرض التي لم تعد تحتمل التزييف أو المراوغة، ويتجلى هذا الإصرار المتصلب في مطالبة القيادة العسكرية للجيش بتجميع قوات الدعم السريع وتجريدها من السلاح كشرط مسبق للتفاوض، وهو شرط لا يفتح به باب الحل، بل يغلق بإحكام، ويحول العملية السياسية إلى معادلة مستحيلة تطيل أمد الصراع بدلاً من إنهائه.

    هذا المطلب وإن بدا منطقياً ضمن نظرية الدولة المركزية، فإنه يخلو تماماً من أي أساس منطقي أو تاريخي في سياق الصراعات السودانية. فهو مجرد ادعاء زائف بلا سند سياسي أو عسكري واقعي. لقد أظهرت التجارب السودانية في عمليات السلام، من اتفاقية أديس أبابا 1972 إلى اتفاقية جوبا 2020، أنه لم يسبق لأي جهة مسلحة أن جمعت سلاحها أو حلّت نفسها كشرط للدخول في مفاوضات او حوار سياسي، وهذا الشرط ليس سوى حيلة لإطالة أمد الحرب، إذ يطالب الطرف الآخر بالتخلي عن ورقة قوته الوحيدة قبل الجلوس إلى طاولة التفاوض، وهو ما يتناقض تماماً مع أبجديات التفاوض في صراعات ما بعد الدولة، ويحول الحوار السياسي إلى مسرحية سياسية فارغة تبرهن على فشل المنطق العسكري في تحقيق سلام حقيقي، وتكشف عن الصراع العميق بين القوة والمصلحة على حساب الدولة والمواطنين.

    إن الرمزية المأساوية لهذا الصراع تكمن في أن هذه الحرب على عكس سابقاتها، أجبرت الحكومة نفسها على النزوح والعمل من خارج العاصمة، مما يضعف من شرعية منطقها العسكري ويكشف أن السلاح لم يعد أداة للحماية، بل أصبح أداة للدمار الذاتي، وعلى النقيض يمنح إعلان قوات الدعم السريع المتكرر ترحيبها بكافة المبادرات الإقليمية والدولية واستعدادها للتفاوض دون شروط أفضلية أخلاقية وسياسية واضحة في ساحة الدبلوماسية، ويضع الطرف الآخر في خانة المعرقل المتمسك بمنطق الإنكار، الذي يصر على وهم أن الحل يمكن أن يكون عسكرياً، بينما الواقع يؤكد عكس ذلك.

    إن القول بأن الأزمة السودانية عصية على الحل ليس سوى وهم كبير يروج لتبرير شلل الإرادة لدى المجتمع الدولي والإقليمي. فإذا كان المجتمع الدولي جاداً حقاً، فإن حل هذه الأزمة ليس مستحيلاً. لا سيما ان المجتمع الدولي مطلع على كافة تفاصيل الحرب والأزمة السودانية، ولا يحتاج إلى معلومات إضافية عن أطراف الصراع أو الجهات الخارجية الداعمة لها، بل حتى عن الأطراف التي تريد استمرار الحرب وتعرقل كل مبادرات السلام، ولكن ما ينقص المجتمع الدولي والإقليمي هو القرار الحاسم والجدية المطلقة في تحويل القلق الإنساني إلى فعل سياسي رادع، قادر على فرض التغيير ووقف الحرب ودوامة المعاناة.

    هنا تتجلى المفارقة الكبرى في الاشتباك المفهومي العميق بين السيادة ومسؤولية الحماية. فبينما يتذرع البعض بقدسية السيادة الوطنية لعدم التدخل، فإن الأزمة الإنسانية الكارثية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تستدعي تفعيل مبدأ المسؤولية عن الحماية، الذي يؤكد أن السيادة ليست امتيازاً مطلقاً، بل مسؤولية تقع على عاتق الدولة تجاه مواطنيها. وعندما تفشل الدولة في حماية شعبها، تنتقل هذه المسؤولية تلقائياً إلى المجتمع الدولي، ليصبح ملزماً بالتدخل لحماية المدنيين وفرض حدود للمأساة وحلقة العنف المستمرة.

    إن التردد في استخدام أدوات الضغط القصوى، بما في ذلك العقوبات الشاملة والمحاسبة الدولية الصارمة، هو ما يمنح الأطراف المتحاربة خاصة من يقتاتون على الحرب ويطيلون أمدها، رخصة الاستمرار في القتل وتدمير الدولة. فالخطاب الدولي حين يكتفي ببيانات الإدانة والمساعدات الإنسانية المتقطعة، لا يمارس دوراً سياسياً بل يكتفي بدور الشاهد على أكبر مأساة إنسانية في العالم. أما الجدية المطلوبة فهي تتجاوز هذا الإطار الشكلي لتبلغ مستوى فرض السلام وحماية المدنيين كأولوية غير قابلة للتأجيل، وقد تستوجب هذه الجدية، في نهاية المطاف، اللجوء إلى القوة في إطار القانون الدولي لفرض مناطق حظر طيران أو إقامة مناطق آمنة، تحت المظلة القانونية والأخلاقية لـ مبدأ المسؤولية عن الحماية. فحين تعجز الدولة عن حماية شعبها أو تتورط في استهدافه، يصبح التدخل الدولي ليس خياراً سياسياً فحسب، بل التزاماً أخلاقياً وقانونياً يهدف إلى كسر دائرة الإفلات من العقاب وإنهاء هندسة الخراب التي تحكم مسار الحرب.

    إن أسطورة تعقيد الأزمة السودانية ليست سوى قناع خادع ومضلل يخفي وراءه تضارب المصالح الإقليمية والدولية. فالسودان الذي تحول إلى ساحة صراع بالوكالة، أصبح بالنسبة لكل طرف خارجي فرصة لاستثمار استمرار الحرب في مكاسب جيوسياسية أو اقتصادية، وهنا يكمن السبب الحقيقي لتعثر الحل، وليس التعقيد الظاهري للأزمة نفسها، الذي يستغل كذريعة لتبرير الجمود الدولي والقصور في اتخاذ قرارات او إجراءات حاسمة، والمجتمع الدولي يمتلك كل الأدوات اللازمة للتحرك، بدءاً من المعلومات الكاملة عن هوية أطراف الصراع والجهات الداعمة لهم، وصولاً إلى الأدوات القانونية المتاحة، بما فيها آليات العقوبات والمحاسبة الدولية، مروراً بــ الأساس الأخلاقي الراسخ الذي يبرره مبدأ المسؤولية عن الحماية لتأكيد شرعية التدخل ووجوب اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الحرب ومأساة المواطنين.

    إن جوهر الحل لا يكمن في تكرار الاجتماعات أو اللقاءات الشكلية والمؤتمرات التي لا تفضي إلى فعل حقيقي، بل في إرادة جادة وحاسمة تتجاوز حدود الدبلوماسية التقليدية وتنتقل إلى مرحلة الإنفاذ الفعلي، ولذلك على المجتمع الدولي والإقليمي أن يتحرر من دائرة التردد، وأن يتعامل مع كافة الأطراف بقدر أكبر من الجدية والحزم، بما في ذلك استخدام القوة المنظمة في إطار القانون الدولي لفرض السلام وحماية المدنيين، إذا أصبح ذلك الخيار الوحيد لكسر دائرة العنف وإيقاف الانهيار المستمر للدولة.

    إن الطريق إلى السلام في السودان يبدأ بتفكيك منطق الإنكار لدى الأطراف الداخلية، وتجاوز شلل الإرادة لدى المجتمع الدولي، وأن يتحول القلق العالمي إلى قرار سياسي لا رجعة فيه لإنهاء الحرب، حتى لو تطلب ذلك استخدام أدوات جذرية تتجاوز حدود الدبلوماسية التقليدية. ففي ميزان التاريخ لن يسأل العالم عن مدى صعوبة الأزمة، بل عن مدى جدية إرادته في إنهاء المأساة، وعن استعداده للتضحية بمصالحه الضيقة من أجل حماية أرواح الأبرياء. إن التهاون الدولي يكرس استمرار المعاناة، والحل ليس مستحيلاً، بل الإرادة هي الغائبة.


    محمد عبدالله إبراهيم
    مدافع عن حقوق الانسان
    [email protected]























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de