محمد بدوي مصطفى (كاتب وإعلامي سوداني مقيم بألمانيا)
في عالم اليوم الذي يتسم بالحدود السياسية والجغرافية، يظل التعليم والإنسانية جسورًا تتجاوز كل تلك الحدود. في شأن التعليم والإنسان، أؤمن أن الطفل هو الطفل، أينما وُجد… سواء في السودان أو المغرب، في جنوب أفريقيا أو أمريكا الجنوبية؛ فالبراءة واحدة، والاحتياج واحد، والألم واحد. وإذا قُدّر لنا أن ننتشل طفلًا واحدًا من براثن الفقر وقسوة الحياة، فقد أدّينا أعظم رسالة يمكن لإنسان أن يحملها.
لقد بلغني مرارًا عتاب من البعض، متسائلين: لماذا تساعد غير أبناء بلدك؟ وهنا أجيب بكل وضوح: لا أرى المغرب بلدًا آخر؛ بل هو بلدي كما أن السودان بلدي، وكما كل أرض يؤمّها الإنسان تصبح له فيها جذور من الرحمة والمسؤولية. فالإنسانية لا تختزل في جغرافيا، ولا تُحجز داخل حدود، ولا تحمل لونًا أو قبيلة أو جهة.
وفي موقف طريف ومتهكّم، كتب لي أحدهم: «مبروك الجنسية المغربية يا دكتور». ابتسمت، وأجبته بلطف وأدب، قائلًا: لو كانت هذه الجنسية حقيقية لأفتخر بها، لكن الشرف كل الشرف أن ينتمي الإنسان إلى أرض يحبها ويخدمها، بغض النظر عن وثائق أو جنسية.
إن العمل الإنساني الناجح لا يعرف حدودًا، وقد أثبتت التجارب العالمية ذلك؛ فالمؤسسات الإنسانية الكبرى، من اليونيسف إلى الصليب الأحمر، تعمل في مناطق متباعدة، من آسيا إلى إفريقيا وأمريكا اللاتينية، بناءً على مبدأ واحد: أن كل طفل وكل إنسان يستحق الحياة الكريمة والحق في التعليم والرعاية. وفي العالم العربي، نجد نماذج رائعة مثل جهود جمعيات تعليمية في المغرب والسودان ولبنان وسوريا واليمن التي توفر للأطفال فرص التعلم في ظل الحروب والنزوح، رغم محدودية الموارد.
من يساعد في السودان أو المغرب أو أي بقعة من العالم، فالله يجزيه على قدر نيته: «ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها». وقد عملت للسودان عقودًا طويلة، وما زلت أعمل في مدارسه ومجتمعه، وأعمل أيضًا للمغرب، وللكونغو، ولأماكن كثيرة أبلغها بالمعرفة أو بالدعم المعنوي أو المادي.
ورغم ذلك، شعرت أحيانًا ببعض الأسى حين يقول لي البعض: ألم ترَ ما يحدث هنا؟ ألم ترَ ما يحدث هناك؟ كأنهم يريدون مني أن أحصر إنسانيتي في مكان واحد، أو أن أعتذر لأن قلبي اتسع لأكثر من وطن. هنا يظهر الفرق بين الإنسانية المحدودة والمفتوحة: الإنسانية الحقيقية لا تُقيد بالحدود، ولا تُقاس بالجغرافيا، بل بالقدرة على التعاطف والعمل.
أنا أقوم بما تُملّيه عليّ مسؤوليتي، «وكل نفس بما كسبت رهينة»، لكن أين مسؤولية الآخرين؟ وهل وُجد الإنسان ليُراقب في أي اتجاه يمدّ أخوه يده؟ أم ليَمدّ يده هو أيضًا حيث يحتاجه الناس؟
إن تجارب العالم تثبت أن التعاون الدولي والإقليمي في التعليم والرعاية الاجتماعية يثمر نتائج أكبر من العمل المحلي المنعزل. فالأمم التي استثمرت في تعليم الأطفال والمبادرات الإنسانية، من نيجيريا إلى الهند، وحتى بعض الدول العربية مثل تونس والمغرب، شهدت تحسنًا ملحوظًا في التنمية المجتمعية والاستقرار الاجتماعي.
وربّنا يوفّق الجميع لعمل الخير… فالعالم يتّسع لنا جميعًا إذا اتسعت قلوبنا له، وإذا آمن كل واحد منا بأن الطفل، أينما وُجد، يستحق الحياة الكريمة والفرص المتساوية للنمو والتعليم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة