لا أرى أن وزير الإعلام والثقافة والسياحة خالد الأعيسر قد أخطأ في قراره إيقاف مراسلة قناة العربية. فالرجل يتحرّك بمنطق حالة الحرب الاستثنائية التي يعيشها السودان، حيث تصبح إدارة المعلومات جزءاً من معركة الأمن القومي، لا ترفاً سياسياً. بينما لا يزال رئيس الوزراء يتعامل وفق سرديات “الإعلام الحر”، التي تبدو أقرب إلى واقعٍ مثالي لا يراعي تعقيدات لحظة وجودية تهدد كيان الدولة وتعيد تشكيل خريطتها السكانية والجغرافية.
ولعلّ ما صدر عن وزارة الثقافة والإعلام والسياحة يؤكد أن قرار الأعيسر ليس موقفاً فردياً، بل ممارسة مؤسسية منضبطة. فالوزارة – كما أوضح الوزير – مؤسسة مهنية احترافية تعمل وفق معايير واضحة تحفظ سيادة الدولة وحقوق الشعب، وتحتفظ بسجلات دقيقة للمخالفات التي تُرصد على المؤسسات الإعلامية المرخّصة. وكوادرها من خيرة المهنيين، ولا يعنيهم ما يصدر عن مراسلين يبحثون عن الإثارة تحت ضغوط مؤسساتهم وهي أقرب لكونها مشاريع سياسية عابرة للدول من كونها مؤسسات إعلامية مهنية فساذج من يظن ذلك. والوزارة تعمل بمنهج قويم تشرف عليه لجان مختصة، بلا محاباة أو استثناءات، والجميع فيها سواء أمام القانون.
ألم يدرك رئيس الوزراء كيف تتعامل الدول الغربية التي تُغرق نفسها في خطاب الحرية وحقوق الإنسان، مثل بريطانيا والولايات المتحدة، مع الإعلام أثناء الأزمات؟
لقد فرضت الحكومات في حروب الخليج والفوكلاند قيوداً صارمة على التغطية الإعلامية، رغم أن تلك الحروب كانت بعيدة عن أراضيها ولم تهدّد كيان الدولة أو تنخرها من الداخل كما يحدث اليوم في السودان. ومع ذلك، اعتُبر ضبط تدفّق المعلومات حينها أمراً بديهياً وضرورةً لحماية الأمن القومي.
فكيف يُستنكر على حكومةٍ تخوض حرباً وجودية أن تتّخذ إجراءات أقلّ حدّة مما فعلته دولٌ كبرى في أزماتٍ لم تمسّ سوى أطراف مصالحها البعيدة؟
ولذا، نقول بكل صدق وحرص على نجاح هذه الحكومة: إن قرار الأعيسر كان ضرورة وطنية في مرحلة تتطلب حساً أمنياً دقيقاً، وحماية للسيادة الإعلامية، وفهماً لمخاطر المعلومات في زمن الحرب.
وفوق ذلك، فأنا على ثقة بأن الأعيسر – بوصفه صحفياً قبل أن يكون وزيراً – هو أحرص من كثيرٍ من مسؤولي الحكومة على حرية الإعلام، وأكثرهم فهماً لطبيعة الأخطاء المهنية التي قد يقع فيها الصحفيون. ولذلك فإن التدخل في اختصاصاته ومحاولة مصادرة قراره يُعد خطوة تعبر عن سوء تقدير لطبيعة الاختصاص المهني وللأطر المؤسسية المنظمة للعمل الإعلامي؛ خطوة لا تضيف شيئاً سوى تعميق الخلل وإرباك ما هو مؤسسي وواضح.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة