الثنائيات الهوياتية (غرابة/جلابة …عرب/زرقة) لا تستطيع بناء بلد كتبه الصادق حمدين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-05-2025, 02:31 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-04-2025, 11:36 PM

الصادق حمدين
<aالصادق حمدين
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 64

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الثنائيات الهوياتية (غرابة/جلابة …عرب/زرقة) لا تستطيع بناء بلد كتبه الصادق حمدين

    11:36 PM December, 04 2025

    سودانيز اون لاين
    الصادق حمدين-UK
    مكتبتى
    رابط مختصر






    في مدخلٍ تتكاثر فيه أسئلة الوجود على الجغرافيا السودانية المشتعلة، يصبح الحديث عن الهوية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فالسودان، بتنوّعه الثقافي والعرقي الغني، لم يعرف يومًا وحدة مستقرة؛ بل ظل يعيش تماسكا هشا يُستدعى حين تلوح الأزمات، ويتشقق عند أول اهتزاز سياسي أو اجتماعي. وقد عبّر المفكر محمد أبو القاسم حاج حمد عن هذا الواقع حين قال إن البلاد تعيش “وحدة سطحية في تنوّع عميق”، وهي عبارة تختزل المأزق التاريخي لدولة عجزت أو لم ترد أن تبني مشروعا وطنيا جامعًا يوفّر الاعتراف المتساوي لكل مكوّناتها.

    وحين تتحوّل الهوية من إطار للانتماء إلى أداة للإقصاء، تبدأ آلات “القتل المعنوي” في الدوران. فمع كل احتدام للصراع أو تضييق على الحياة العامة، يُعاد استدعاء خطاب الهوية كسلاح يستخدم في تصنيف الجماعات وتجريدها من الانتماء الوطني. تتردّد عبارات من قبيل: هؤلاء لا "يشبهوننا”، وأولئك مرتزقة تشاديين، ونيجريين، وقادمين جدد محتلين لأراضي غيرهم، وهؤلاء عرب شتات حلمهم تكوين دولة العطاوة الكبرى، وهي عبارات صرّح بها مسؤولون في بعض اللحظات الحرجة من تاريخ السودان السياسي، فعمّقت الشرخ الاجتماعي وأعادت إنتاج سرديات التفاضل القديمة: فيظهر نسب يُقدَّم بوصفه “شريفًا” في مقابل آخر تعتبره الدولة الرسمية “وضيعاً”، غصبا عن نواميس الطبيعة وعدلها في مساواة البشر. ومركز يحتكر السلطة في مقابل هامش يُختزل في دور التابع. وهكذا يغدو الاختلاف سببا للإلغاء لا موردًا للتنوع.

    وتُظهر قراءة الصراع الراهن أنه معركة وجود لا تسوية سياسية، إذ لم يعد ما يجري مجرّد مواجهة تُطوى باتفاق وقف إطلاق النار. او هدنة إنسانية لن تصمد طويلاً، فالأطراف المتحاربة تدرك أن الهزيمة ليست خسارة سياسية، بل تهديد يمسّ الوجود نفسه. ومن يظن أن البلاد ستعود إلى ما كانت عليه قبل الخامس عشر من أبريل، 2023. أو أن التفاوض في الغرف والمنتجعات ذات اللمسة المخملية قادر بمفرده على احتواء التشظي، يتجاهل تراكُمَات طويلة من الغُبن السياسي والاقتصادي والتصدّع النفسي والاجتماعي. كما أن انتصار “جيش الكيزان الفلولي” كما يراه كثيرون, - وانا اتفق معهم في رؤيتهم - لن يعني استعادة الدولة بقدر ما يعني فرض نموذج أحادي للهوية، يفتح الباب لدورة أشد قسوة من الإقصاء والتهميش وربما التشفي والانتقام.

    وعند الغوص في جذور المأساة يتضح أن الهوية تحوّلت إلى بوابة للامتياز، تُشرعن عبر الدين والسلالة والتاريخ. فقد نُسجت حول مفهوم “النسب الشريف” و"الجد العباسي"، المزعوم، وشجرة غول النسب المبذولة على قارعة طرقات وأزقة حواري القاهرة، روايات عديدة هدفت إلى تثبيت طبقة أعلى وأخرى أدنى، إلى الحد الذي يسمح لرجل بملامح زنجية "قحة" أن يعلن بثقة مطلقة يعوزها الدليل البيولوجي انتسابه لهذا النسب، وأن يرى الآخرين دونه مكانة، رغم أن الوقائع المادية المحسوسة تنقض الادعاء الأجوف - الذي يتلاشى عند أول زيارة لدولة عربية - غير أن قوة الخطاب الموروث والمتوارث أبا عن جد، جعلت هذا الوهم الذهاني راسخًا في الوعي، لا تحدّه معطيات الواقع ولا منطق التاريخ، ولا حتى علم الجينات الوراثية. "عنزة ولو طارت".

    وفي سياق دولة مركزية لم تنصف الهامش، ظلّ القطاع الرعوي الوجه المنسيّ للأمة. فمنذ نشأة الدولة الحديثة، عانى هذا القطاع بتكوينه الاجتماعي والثقافي المعقّد تهميشًا اقتصاديًا وسياسيًا وإداريًا ممنهجًا. لم يُعامل بوصفه شريكًا كاملاً، بل كعبءٍ أو موردٍ يمكن استثماره في حروب السلطة ضد شعبها "المتمرد" على سلطتها دون أن يمنح حقوقًا متساوية. أسهم هذا التهميش في صناعة جراح عميقة في الذاكرة الجمعية، وكرّس الانقسام إلى “شعوب سودانية” متعددة بدل أن يذيبها في شعب واحد، فضلاً عن أن تكون أمة يجمعها مشروع وطني بغاية ومصير مشترك.

    أذكر أنه منذ زمن غير قريب، وخلال نقاش عابر حول أزمة الهوية، قال الزميل الأستاذ المحامي جمال الدين الجيلاني على ساوي إن مفتاح معالجة تشتّت الهوية في السودان يكمن في إنشاء “الطرق”. ولم يكن يقصد بهذه الطرق مجرد مسارات من الأسفلت تُمدّ على الأرض، بل كان يشير إلى جسور للتلاقي بين القلوب والعقول، ومسارات للتعارف تجمع أفراد المجتمع السوداني على أرضية من الفهم المتبادل. فمن خلال مثل هذه الطرق يتبدد ضباب الجهل بالآخر "المختلف"!!، ويتجلى المعنى الحرفي للمثل الشعبي: “الما بعرفك بجهلك”. فكل خطوة على درب المعرفة والتواصل هي خطوة نحو فهم أعمق للآخر، ونحو مجتمع يقترب أكثر من ذاته وهويته.

    وعندما تعجز السياسة عن توحيد الوجدان، يبرز دور الفن كقوة ناعمة قادرة على سد الفراغ وفتح نوافذ الخلاص. فالأدب والشعر والمسرح والموسيقى والدراما والفنون الشعبية تمتلك القدرة على مخاطبة أعماق الإنسان وتجاوز الحواجز التي فشلت السياسة في اختراقها. إذ يعيد الفن تعريف الإنسان خارج ثنائية الدم والنسب، ويمنح فرصة لرؤية الآخر بوعي جديد. وما لم تستطع البنادق تحقيقه، يمكن للكلمات واللحن والصورة أن تبلغه، لأن الفن يعيد بناء الجسور في مكان لا يصل إليه السلاح. ولهذا السبب تتم مهاجمة الفنون بضراوة، كي لا توحد وجدان شعب تم شرخه بفعل فاعل.

    ولا يكتمل مسار الخروج من المأزق دون تأسيس ثقافة الاعتراف، وهي حجر الزاوية في أي مشروع وطني جديد. فأزمة السودان ليست أزمة موارد أو جغرافيا، بل أزمة وعي يستبطن الاستعلاء ونفي الآخر. وما لم تتكرّس ثقافة الاعتراف بالمساواة والاختلاف والحقوق المشتركة، سيظل البلد يدور في الحلقة ذاتها من العنف، وستتوارث الأجيال جراحًا لم يُعترف بها يومًا. وربما تكون الحرب قاسية على نحو مفجع، لكنها في الآن ذاته فرصة لإعادة النظر في الذات الجمعية، وفهم أن الهوية ليست سلاحًا يُشهر في وجه المختلف، بل وطنًا يتّسع للجميع.

    الصادق حمدين - هولندا
    [email protected]























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de