لم يعد في السودان شيء ينهار… لأنه في الحقيقة قد انهار بالفعل. ولم تعد الحرب تحمل مفاجآت… لأنها وصلت إلى قاعٍ جديد كل يوم. لكن يبدو أننا دخلنا الآن مرحلة أشد مرارة: مرحلة العقوبات الأمريكية. الجزاء الذي لا يوقف حرباً، لكنه يعرّي كل من أشعلها… ويكشف عجزهم وفسادهم وعطشهم للسلطة. ولنكن صريحين هذه العقوبات ليست ضد الجيش ولا الدعم السريع… هي في حقيقتها عقوبات على طبقة سياسية وعسكرية خانت شعبها مرتين: مرة حين أشعلت الحرب، ومرة حين رفضت إيقافها.
العقوبات… الكف الذي صفعت به واشنطن الجميع
العقوبات ليست رسالة سياسية ناعمة… بل صفعة تقول للجميع:
“لقد فشلتم… فدعونا نُعاقبكم على الفشل.”
وهي صفعة موجعة؛ لأنها تكشف الحقيقة التي يهرب منها الجميع السودان أصبح ملفاً منسياً، لا يملك أحد فيه شرف الانتصار، ولا حتى القدرة على الهزيمة كيف يستقبل الجيش هذه الصفعة؟ المؤسسة العسكرية سترد بالطريقة التقليدية التي تجيدها خطاب سيادة استنفار كرت "الاستهداف الخارجي" وشحن وطني لا يغيّر شيئاً في الميدان لكن خلف هذه الشعارات هناك قلق حقيقي العقوبات ستفتح شقوقاً داخل الجيش نفسه الإسلاميون سيحاولون ركوب الموجة والصراخ “هذه حرب ضد الهوية والدين وضد السودان!” بينما جناح آخر داخل الجيش سيتساءل بصوت خافت “إلى متى ندفع ثمن أخطاء غيرنا؟” وهذا الانقسام أخطر عليهم من أي عقوبات الدعم السريع… البراغماتية المظلمة الحقيقة المؤلمة أن الدعم السريع أقل عرضة للخنق المالي هو أصلاً لا يعتمد على الدولة ولا على البنوك ولا على النظام المصرفي هو يعيش على ذهب غير مراقب تجارة حدودية اقتصاد موازي دعم خارجي رمادي ولهذا سيقدّم نفسه للعالم كـ"ضحية" سيقول “انظروا… الغرب يعاقب دولة عسكرية… ونحن البديل!” وهي مغامرة خطيرة لكنها ليست مستبعدة الإسلاميون… العبور على جثث العقوبات سيستخدم الإسلاميون العقوبات كهدية سياسية سيصعدون خطابهم العدائي -“مؤامرة” “استهداف” “معركة كرامة” هذا خطاب مجرّب… ويعيش عليه الإسلاميون لأنهم يرون العقوبات فرصة لإعادة التموضع داخل الجيش لكن الواقع القاسي ينتظرهم --واشنطن ستربط أي رفع للعقوبات بتقليص نفوذهم، لا زيادته الشعب… الضحية التي تُحشر بين المطرقة والسندان العقوبات لن توقف الحرب العقوبات لن تُسقط النظام العقوبات لن تُنهك الدعم السريع لكنها ستضرب المواطن في -دواءه خبزه راتبه قدرته على النجاة ستجعل الحياة اليومية عملاً بطولياً والفقر جريمة تُرتكب بحق الجميع وما بعد العقوبات؟ انسداد… ثم انهيار… ثم تدخل دولي قسري مهما حاولت الأطراف المكابرة… العقوبات ستخلق ضغطاً خانقاً سيدفع الجميع إلى حائط مسدود وعندما يبلغ الألم ذروته—اقتصادياً وإنسانياً—سيدخل المجتمع الدولي بقوة صفقة وقف إطلاق نار → خارطة انتقال سياسي → رفع تدريجي للعقوبات. واللاعبون المحليون سيُجبرون على الجلوس… ليس حباً في السلام، بل كرهاً في الإفلاس من هو الخاسر الأكبر؟ ليست واشنطن ليس الجيش وحده ليس الدعم السريع ليس الإسلاميون
*الخاسر الأكبر هو الشعب… والشعب فقط وهذا الشعب سيُطلب منه أن يدفع فاتورة حرب لم يخترها، ثم فاتورة عقوبات لم يصوّت عليها، ثم فاتورة إعادة إعمار بلد دمّره العسكر والمليشيا والديكتاتوريون الجدد العقوبات ليست حلاً… لكنها قد تكون المفصل الذي يغيّر اتجاه الحرب هي موجعة… لكنها ضرورية لفضح من يختبئون خلف شعارات الوطنية والهوية وهي كارثية… لكنها آخر ما تبقى من أدوات قبل أن يتحول السودان إلى “سوريا جديدة” السودان ليس بحاجة إلى عقوبات السودان بحاجة إلى سياسيين غير فاسدين… وعسكر غير طامعين… وحرب تتوقف… ودولة تُبنى من جديد أما الآن؟ فالليل طويل… والوجع أطول… والبلاد تدفع الثمن والمستقبل؟ رهين برحمة من أشعلوا النار ثم وقفوا يشاهدوننا نحترق.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة