قال بُرهان إنّ «الرُّباعيّةَ غيرُ مُبرِئةٍ للذِّمّة»، لكنّ هذا الاتّهام تحوَّل—وفق تعليقاتٍ عديدة—إلى ارتدادٍ رمزيٍّ عليه نفسِه. فكيف يُمكن لمن: قَوَّى نفوذَ الدعم السريع، وألغى تبعيّتَه للجيش، وتقاسَم السّلطة مع حميدتي، وانقلب على الوثيقة الدستورية، أن يَقدِم نَفسهُ مُحكِّمًا في «الذِّمَم»؟ لقد بدا تصريحُه، في نظر الناقدين، أُحجيةً سياسيّة، لأنّ المُمَارسَ—كما يقولون—أكبَرُ من أن يُوارَى خلف لافتةٍ أخلاقيّة. ثانيًا: خِيَانةُ قِيَمِ الفَترةِ الانتقاليّة يرى قطاعٌ واسع من المحلّلين أنّ البُرهان خان المبادئ التأسيسيّة للفترة الانتقاليّة الّتي قامت على: تَسليمِ السّلطةِ لحكومةٍ مدنيّة. إعادةِ بناءِ الثقة مع الشارع. ضبطِ القوّات الموازية، وعلى رأسها الدعم السريع. لكنّ البُرهان قام بالعكس تمامًا: تحالف مع حميدتي في إدارة الدولة. عطّل مسار التحوّل الديمقراطي. وقاد انقلابًا أعاد البلاد إلى المربّع العسكري. وبذلك—بحسب هذا الطرح النقدي—فقدَ ما يُسمّى «الذِّمّة الوطنيّة» قبل أن يُطالِب الآخرين بها. ثالثًا: مَجْزَرَةُ فَضِّ الاعْتِصام… وَثِقَلُ الصَّمْت يُشير نقّاد البُرهان إلى أنّه شريكٌ في المنظومة الّتي تكاتمت على حقيقة مجزرة فضّ الاعتصام، سواء بالصمت، أو بالتهرّب من المساءلة، أو بإخفاء نتائج اللجان، أو بإدارة الملفّ بصورةٍ سياسيّة لا قانونيّة. ويذهب البعض إلى أنّ البرهان وحميدتي كانا، طوال الفترة الانتقالية، يَحكمان عبر معادلة التَّقايُض: حمايةُ المراكز العسكريّة مقابل حماية النفوذ السياسيّ، وهو ما جعل التحقيق الحقيقيّ في المجزرة أمرًا مستحيلًا. فأيّ ذمّةٍ يتحدث عنها رجلٌ كان في قلبِ ذلك الملفِّ الملطَّخِ بالدم؟ إِضْعافُ الجَيْش… وَتَمْكِينُ الدَّعْمِ السَّرِيع من أخطر النقاط الّتي تُوجَّه لبُرهان—والتي يُركّز عليها المجتمع المدنى—هي أنّه: ألغى تبعيّة الدعم السّريع للجيش. وسلّمَه مساحاتٍ واسعة من النفوذ العسكري. وسمح بتوسّعِه لوجستيًّا وماليًّا. وأضعف منظومة الانضباط المركزي داخل القوات المسلحة. ويؤكّد الموقف أنّ هذه الإجراءات لم تكن «أخطاءً عابرة»، بل جزءًا من مسارٍ أدّى إلى تفكيك القوّة المركزيّة للجيش، بطريقةٍ خدمت حميدتي بصورةٍ مباشرة. فإذا كان البُرهان هو الذي مكّن هذه القوّة من التحرّر من قبضة الجيش، فكيف يدّعي اليوم الدفاع عن الجيش؟ الانقلابُ مَعَ حَمِيدتِي… ذِمَّةٌ أَم شَرِكَةُ مَصالِح؟ انقلابُ ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ كان—بحسب محلّلين كثيرين—النقطةَ الّتي تجلّى فيها تقاطع المصالح بين البُرهان وحميدتي. فالاثنان: خشيا من تمدّد الجبهة المدنية. خشيا من إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية. خشيا من فتح التحقيقات في مجزرة الاعتصام. فوقع الانقلاب، لا بوصفه قرارًا «وطنيًّا»، بل بوصفه غطاءً سياسيًّا للحفاظ على النفوذ العسكري المشترك. وبذلك، يراه المنتقدون انقلابًا على الوطن، لا انقلابًا للوطن. خَاتِمَةٌ: فَاقِدُ الشَّيءِ لا يُعْطِيه حين يتحدّث عبد الفتّاح البرهان عن «الذِّمّة»، فإنّ الخطاب—كما يرى العاقل—يبدو مُفارقًا لسياقٍ كاملٍ من: التناقضات، والانقلابات، وتمكين القوّات الموازية، وطمس الملفات الدموية، وتقويض الفترة الانتقالية. ولذلك، فإنّ السؤال الّذي يطرحهُ المواطنون اليوم ليس: هل الرُّباعيّة مبرئة للذمّة؟ بل: أيّ ذمّةٍ بقيت لدى من يتّهم غيرَه بفقدانها؟ ،،،،،،
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة