تمثال البرهان.. رقصة صنمية على جراح الشعوب السودانية!! كتبه عبدالغني بريش فيوف

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 11-23-2025, 06:39 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-23-2025, 08:32 AM

عبدالغني بريش فيوف
<aعبدالغني بريش فيوف
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 605

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
تمثال البرهان.. رقصة صنمية على جراح الشعوب السودانية!! كتبه عبدالغني بريش فيوف

    08:32 AM November, 23 2025

    سودانيز اون لاين
    عبدالغني بريش فيوف -USA
    مكتبتى
    رابط مختصر





    في الوقت الذي تئن فيه الخرطوم وأخواتها تحت وطأة الدمار، وتتحول المدن السودانية العريقة إلى أطلال تنعي من بنوها، وفي لحظة فارقة يتبادل فيها الموت والنزوح الأدوار على خشبة المسرح السوداني، يطل علينا مشهد سريالي من مدينة أمدرمان، هو تمثال للفريق عبد الفتاح البرهان.
    ليس تمثالا لقائد عسكري انتصر في معركة تحرير، ولا لسياسي وحد البلاد بعد شتات، بل لقائد ارتبط اسمه بأعقد حقب السودان دموية وتشظيا.
    إن وضع هذا التمثال الآن، وتحت هذا العنوان العريض من المآسي، لا يمكن قراءته إلا كإساءة بالغة ومتعمدة لذاكرة الشعوب السودانية، ومحاولة بائسة لنحت تاريخ مزيف بالإزميل، بينما الواقع يُكتب بالدم والنار.
    فن اللامعقول في زمن الكوليرا السياسية..
    تاريخيا، تلجأ الأمم لتخليد عظمائها عبر التماثيل تخليداً للحظات التسامي الوطني، أو انتصاراً لقيم الحرية والعدالة، حيث رأينا تماثيل المهاتما غاندي رمزاً للمقاومة السلمية، وتماثيل نيلسون مانديلا رمزاً للتسامح، لكن، ماذا يمثل تمثال البرهان في شارع النيل بأمدرمان؟
    إنه حقا وحقيقة، يمثل ذروة الكوميديا السوداء في السياسة السودانية.
    المفارقة الساخرة والمبكية في آن واحد، تكمن في توقيت النحت، إذ جرت العادة أن تُنصب التماثيل بعد أن تضع الحروب أوزارها، وتجف الدماء، وتُبنى المدن.
    أما في الحالة السودانية، وبفضل عبقرية التوقيت لدى القائمين على الأمر، يتم نصب التمثال بينما البلاد تحترق، ويبدو الأمر وكأن السلطة الحاكمة تقول للمواطن السوداني، لا يهم أن منزلك قد دُمر، ولا يهم أنك نازح أو لاجئ، المهم أن صنم السلطة لا يزال قائما، ومصنوعا من مواد صلبة تقاوم الشظايا التي مزقت أجسادكم.
    إنها حالة من الصنمية المبكرة، ومحاولة لفرض القداسة على شخصية لا تزال أيدلوجيتها وممارساتها محل جدل دامي.
    إن نحت تمثال لقائد الجيش في ظل حرب دمرت العاصمة التي يوضع فيها التمثال، هو نوع من الانفصال عن الواقع الذي يستوجب دراسة نفسية قبل أن تكون سياسية.
    سيميائية المواساة.. القاتل في ثوب المسعف!!
    يجسد التمثال مشهد البرهان وهو يواسي سيدة نازحة في معسكرات النزوح، وهنا تكمن أم المفارقات والقمة الساخرة للمأساة.
    إن اختيار هذه اللقطة تحديداً لتخليدها هو محاولة لإعادة كتابة السردية التاريخية بأسلوب ركيك ومفضوح.
    الذاكرة السودانية الحية، التي لم تصب بالزهايمر بعد، تدرك جيداً أن موجات النزوح الهائلة، سواء تلك القديمة في دارفور أو الجديدة بعد حرب 15 أبريل 2023، هي نتاج مباشر للصراعات التي كان البرهان جزءا أصيلا من معادلتها، حيث إن تصوير الجنرال في هيئة الملاك الحارس الذي يمسح دموح الضحايا، يشبه إلى حد بعيد أن يقوم مهندس الحرائق بنصب تمثال لنفسه وهو يحمل كوب ماء ليطفئ منزلا كان هو من أشعل عود الثقاب فيه.
    هذا التمثال يمارس تزييفا وقحا للوعي، فهو يحاول اختزال العلاقة بين الجنرال والشعب في لقطة عاطفية عابرة، متجاهلا سياقا طويلا من العنف الممنهج.
    السيدة النازحة التي يواسيها التمثال، هي في الحقيقة ضحية للسياسات التي يمثلها صاحب التمثال، لذا، فإن النظر إلى هذا المجسم الصخري لا يثير في النفس مشاعر الامتنان للقائد الأبوي، بل يثير الغثيان من هول التناقض، وهو، كيف يجرؤ السبب على تقمص دور الحل بهذه البساطة الفجة؟
    ذاكرة دارفور.. شبح لا يطرده الرخام!!
    لا يمكن الحديث عن البرهان وتمثاله دون استدعاء الذاكرة المثقلة لإقليم دارفور، إذ ان الشعوب السودانية تتذكر جيدا أن صعود نجم الجنرال لم يكن عبر اختراعات علمية أو نهضة اقتصادية، بل كان عبر السلالم العسكرية المرتبطة بملف دارفور في أحلك سنوات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
    لقد ارتبط اسم البرهان بتلك المنظومة العسكرية والأمنية التي هندست الموت في غرب السودان، واستعانت بالميليشيات التي تحاربه اليوم، لكسر شوكة الحركات الدارفورية المسلحة، ووضع تمثال له، انما استفزاز مباشر لملايين الضحايا الذين لم يجدوا قبورا لائقة لذويهم، فكيف يتقبلون أن يروا تمثالا لمن كان جزءا من منظومة الرعب التي شردتهم؟
    إن ذاكرة الشعوب السودانية حية، وتعرف أن الجرائم لا تسقط بالتقادم، ولا تمحوها الصور الفوتوغرافية المدروسة، ولا التماثيل الإسمنتية، وبوضع نصب تذكاري في شارع النيل، للفريق عبدالفتاح البرهان، يعتبر، إنكاراً للعدالة، وإنكاراً للمسؤولية التاريخية.
    15 أبريل 2023 ..وتخليد الخراب!!
    إذا تجاوزنا الماضي البعيد، واصطدمنا بالحاضر القريب، نجد أن حرب 15 أبريل 2023 تقف شاهداً على الفشل السياسي والعسكري الذريع الذي قاده البرهان وشريكه/خصمه، حيث ان هذه الحرب التي أحالت الخرطوم إلى مدينة أشباح، ودمرت البنية التحتية، ومزقت النسيج الاجتماعي، هي الإنجاز الأبرز في حقبة هذا الجنرال.
    في العادة، يُحاكم القادة الذين تفشل استراتيجياتهم وتؤدي إلى تدمير عواصمهم، وفي العرف السياسي والأخلاقي، يستقيل القادة الذين يعجزون عن حماية مواطنيهم، ولكن في الجمهورية السريالية التي نعيشها، يتم نحت التماثيل لهم!!
    أي رسالة يرسلها هذا التمثال لأهل الضحايا في دارفور، ولسكان أمدرمان والخرطوم وبحري الذين فقدوا بيوتهم وأموالهم وأحبتهم؟
    الرسالة واضحة وساخرة بمرارة: لقد دمرنا حياتكم، لكننا سنبني تماثيلنا فوق أنقاضها، إنه استعلاء على الجراح، وتكريس لمبدأ أن السلطة في السودان لا ترى الشعب إلا خلفية باهتة في صورة الجنرال عبدالفتاح البرهان.
    عزيزي القارئ..
    إن النزوع نحو بناء التماثيل وتضخيم الذات هو عرض مرضي ملازم للأنظمة الشمولية، خاصة في مراحل ضعفها وتآكل شرعيتها، لأن عندما يعجز الحاكم في ايقاف الحرب وعن تقديم الخبز والأمن والحرية، يقدم صورته وتماثيله كبديل وهمي.
    هذا التمثال يعكس رغبة دفينة في صناعة رمزية قسرية، إنه محاولة لفرض الاحترام والهيبة التي تآكلت بفعل الهزائم السياسية والعسكرية، ولكن، هيهات أن يُصنع المجد من الجبس والأسمنت.
    المجد يُصنع في قلوب الشعوب عبر المواقف الوطنية الصادقة، وعبر حقن الدماء لا سكبها.
    إن وضع تمثال للبرهان، هو استنساخ لتجارب بائسة في المنطقة الأفريقية العربية، حيث امتلأت الساحات بتماثيل قادة سقطوا وسُحلت تماثيلهم في الشوارع بمجرد أن تنفست الشعوب أول نسائم الحرية، إنه غباء تاريخي لا يتعلم من الدروس؛ فالخلود لا يُشترى بقرارات فوقية، ولا يُنحت بأوامر عسكرية.
    اساءة للفن والجمال..
    حتى من الناحية الفنية والجمالية، يمثل إقحام السياسة العسكرية الفجة في الفضاء العام تشويها بصريا ونفسيا، لان الفن بطبعه انحياز للجمال وللإنسان وللقيم العليا، لكن عندما يُسخّر الفن لخدمة تلميع صورة جنرال متورط في حرب، فإنه يتحول إلى دعاية رخيصة تفقد قيمتها الإبداعية.
    الشارع السوداني، الذي أبدع في جداريات ثورة ديسمبر المجيدة، ورسم أحلامه بالألوان الزاهية على جدران القيادة العامة، يدرك الفرق الشاسع بين فن الثورة الذي يعبر عن الروح الجماعية، وبين فن السلطة الذي يعبر عن نرجسية الفرد.
    جداريات الثورة كانت تمجد الشهداء والوطن، أما هذا التمثال فيمجد الجلاد في نظر قطاع واسع من الشعب، أو في أحسن الأحوال الفاشل الذي أضاع البلاد.
    في الختام، إن وضع تمثال للفريق عبد الفتاح البرهان في أمدرمان، في هذا التوقيت وبالتحديد بتلك الهيئة، هو فعل سياسي أرعن، وسلوك دعائي بائس، وإساءة لا تغتفر لذاكرة الشعوب السودانية.
    إنه يمثل استخفافا بدماء الشهداء، وآلام النازحين، وذاكرة المكلومين من دارفور إلى الخرطوم.
    قد يقف التمثال لبعض الوقت، جامدا، باردا، وبلا روح، يحدق في الفراغ والخراب الذي يحيط به، لكن التاريخ، ذاك القاضي الذي لا يرتشي ولا يهادن، سيكتب الحقيقة، سيكتب أن في السودان، وبينما كان الشعب يبحث عن لقمة عيش ومأوى آمن، كان جنرالات الحرب مشغولين بنحت تماثيلهم.
    إن الذاكرة السودانية أقوى من الحجر، وأبقى من البرونز، وستظل تتذكر من بنى ومن هدم، من حمى ومن قتل، من صان ومن خان، وسيبقى هذا التمثال شاهدا، ليس على عظمة البرهان، بل على عظمة المأساة التي عاشها السودان في عهده، وكما سقطت تماثيل كثيرة من قبل، ستسقط كل الرموز التي لا تستند إلى رصيد من الحب والعدالة في قلوب الشعوب، فالتماثيل قد تخدع العين لبرهة، لكنها لا تخدع التاريخ إلى الأبد.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de