التنمية ليست نزع ملكية: في تفنيد خطاب د. الوليد مادبو حول الأرض، الهوية، والاستثمار – دفاعاً عن الحقوق التاريخية للشعوب الأصلية في السودان
19/11/2025 خالد كودي، بوسطن
2-2 نواصل في هذا الجزء لنثبت ان ما يطرحه د. الوليد هو ببساطة نسخة ناعمة من نفس نموذج الامتيازات بلا حقوق، وتنمية تُشبه الغنيمة، وسنناقش معه بعض التجارب العالمية..
ثالثًا: التنمية لا تشترط نزع الأرض – والتجارب العالمية الأكثر نجاحًا تشهد بذلك إن المفارقة الجوهرية في طرح د. الوليد مادبو هي اعتقاده بأن انتزاع الأرض أو تحويل ملكيتها للدولة هو شرط للتنمية أو التحديث أو جذب الاستثمار. وهذا الطرح — في أدبيات التنمية والأنثروبولوجيا القانونية — طرح متجاوز علميًا ومخالف للخبرة الدولية المعاصرة. لقد أثبتت التجارب الأكثر نجاحًا حول العالم أن التنمية المستدامة لا تقوم على نزع الأرض، بل على احترام الملكيات التاريخية للمجتمعات الأصيلة ودمجها كشريك سيادي في الاستثمار. وفيما يلي أبرز الشواهد الدولية التي تقوّض فرضية د. الوليد المتخلفة:
.متحدثا للسفير البرازيلي في لقاءه المزعوم: - التجربة البرازيلية – النموذج الذي استشهد به د. الوليد نفسه البرازيل — خلال العقدين الماضيين — لم تُبن تنميتها الزراعية الضخمة عبر نزع أراضي الشعوب الأصلية، بل عبر الاعتراف القاطع بملكية هذه الشعوب. أبرز السياسات الموثقة: ١/ ترسيم ملايين الهكتارات بوصفها (Terras Indígenas) أي أراضٍ أصلية محمية وفق المادة 231 من دستور 1988 هذه الأراضي ملكية تاريخية غير قابلة للتصرف، لا يجوز للدولة بيعها أو تأجيرها أو نزعها ٢/ الاستثمارات الزراعية، بما فيها إنتاج اللحوم، تتم عبر عقود شراكة واتفاقات تشاركية (Co-Management Agreements) وليس عبر نزع الأرض أو تحويلها لملكية الدولة، او إعادة تقسيمها جندريا ووفق دراسات: Instituto Socioambiental وFAO فإن المناطق التي تتم فيها الشراكة مع الشعوب الأصلية تتمتع بـ - معدلات استدامة أعلى - إنتاجية أفضل - حماية بيئية أكبر أي أن "التنمية عبر نزع الأرض وإعادة توزيعها" لم تكن في أي وقت جزءًا من النموذج البرازيلي الذي يستشهد به د. الوليد!
- التجربة البوليفية – دولة دستورية تعترف بالشعوب الأصيلة: بعد صدور قانون الأراضي البوليفي لعام 2009 (Ley de Reconducción Comunitaria de la Reforma Agraria) تحولت بوليفيا إلى واحدة من أكثر الدول تقدمًا في الاعتراف بالحقوق التاريخية للشعوب الأصيلة! - الاعتراف الدستوري بـ 36 قومية أصلية منحهم ملكية تاريخية لأراضيهم تسمي : TCO – Tierras Comunitarias de Origen الأراضي الجماعية الأصلية)) هذه الأراضي غير قابلة للنزع، ويُشترط أي استثمار فيها بموافقة المجتمعات الأصلية نفسها وفق مبدأ: Free, Prior and Informed Consent (FPIC) المنصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الشعوب الأصلية 2007 لم يتم نزع الأرض لصالح الشركات، بل دخلت الشركات في عقود انتفاع واتفاقيات شراكة مع المجتمعات، فيادكتور الوليد مادبو حيلك، فقد ولت ازمنة بيع الترماي!
- تجربة رواندا – ما بعد الإبادة الجماعية: رغم الخراب الهائل بعد 1994، لم تلجأ رواندا إلى نزع أراضي الفلاحين أو تحويلها لملكية الدولة. بل اعتمدت على نظام Consolidation Through Cooperative Ownership — أي دمج المزارعين في إنتاج جماعي دون نزع الملكية دراسات توثق ان:World Bank وIFAD ١/ الملكية ظلت بيد السكان المحليين. ٢/ الدولة تدخلت لتنظيم الإنتاج والدعم وليس لنزع الأرض. ٣/ الزراعة تضاعفت إنتاجيتها دون أي مساس بالملكية التاريخية. وبذلك أصبحت رواندا نموذجًا عالميًا في التنمية دون مصادرة ملكيات او إعادة توزيع الملكيات التاريخية.
- تجربة غانا – "الدولة لا تملك الأرض"! غانا أحد أهم منتجي الذهب في إفريقيا والعالم، ورغم ذلك: من أراضي البلاد مملوكة ملكية عرفية للمجتمعات الاصيلة، وهذا لم يمنع التنمية!80% (Customary Land Tenure) ١/ الدولة لا تملك الأرض، بل تقوم بدور تنظيمي فقط. ٢/ شركات الذهب توقّع عقودها مباشرة مع زعماء المجتمعات. (Stool Lands / Skin Lands) ٣/ وبحسب الدراسات القانونية لجامعة Cape Coast و Oxford, فإن هذا النموذج: - يعزز الاستقرار. - يزيد نصيب المجتمعات من عائدات الاستثمار. - يقلل النزاعات المزمنة حول الأرض. وهو نموذج معاكس كاملًا لما يقترحه د. الوليد مما يشبه تأميم الأرض ثم توزيع "حق الانتفاع"- او حتي إعادة تعريف المكية!
هنا نؤكد انه لا وجود لأي تجربة تنموية ناجحة حديثة تُبنى على نزع ملكية الشعوب الأصيلة لأراضيهم. الأمثلة من البرازيل وبوليفيا ورواندا وغانا — وغيرها — تؤكد أن: ١/ التنمية الحقيقية تقوم على احترام السيادة التاريخية للمجتمعات على أرضها. ٢/ الاستثمار لا يحتاج نزع ملكية، بل يحتاج اتفاقًا وشراكة. ٣/ الملكية الجماعية التاريخية ليست عقبة، بل ضمانة للاستدامة. أما نزع الأرض باسم التنمية فهو وصفة للاستعمار الداخلي، وتقويض الاستقرار، وإشعال النزاعات — كما حدث مرارًا في السودان منذ 1956
رابعًا: ما يقوله د. الوليد مادبو هو محاولة لشرعنة التجريد، ولنشرح هذا: حين يُقال: "الأرض انتماء ثقافي وليس عرقي أو تاريخي" فالمعنى الحقيقي هو: يمكن تجريد المجتمعات من أراضيها، لأنها ليست "عرقية"، بل "ثقافية" — أي قابلة للتفاوض- واظنه يقصد ليست اثنية! هذا ليس فكرًا تنمويًا، بل احتيال تحت مضلة يهدف الي: - نزع للشرعية التاريخية. - تبرير لنزع الملكية. - إعادة إنتاج للهيمنة باسم التنمية. إنها نفس الوصفة التي استُخدمت في: - الأمازون في مرحلة سابقة. - القبائل الأسترالية "الابورجينال" - مجتمعات الأباتشي وغيرها في أمريكا. - قبائل كندا (قبل اعتذار الدولة) وهي اليوم تعتبر — في القانون الدولي — جريمة تسمي "النزع القسري الثقافي."
خامسًا: الحقوق التاريخية للأرض – وفق القانون الدولي: تنص المادة 26 من إعلان الأمم المتحدة لحقوق الشعوب الأصلية (2007 - للشعوب الأصلية الحق في امتلاك الأراضي التي ورثوها أو احتلوها أو استخدموها "تقليديًا" وتضيف المادة 32 - لا تجري أية مشاريع تنموية أو استثمارية على أراضي الشعوب الأصيلة دون موافقتها الحرة والمسبقة و"المستنيرة"، الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (المادة 21 "للشعوب الحق المطلق في الموارد الطبيعية" محكمة العدل الإفريقية — قضية شعب الأوغيك (2017 "الأرض ليست ملكية فقط، بل حامل للهوية الثقافية، ونزعها دون رضا أصحابها انتهاك لحقوق الإنسان" والشعوب الاصيلة في السودان اليوم لايمكن لامثال د. الوليد مادبو ان يحتال عليها، لانها أصبحت مستنيرة، وتعرف حقوقها وتمتلك القدرة علي حمايتها.!
سادسًا: في دستور السودان الجديد – أرض الهامش لأهلها. أقرّت وثائق السودان الجديد و"المبادئ فوق الدستورية" أن: "الأرض ملك تاريخي للمجتمعات، والدولة تنتفع بها وفق اتفاقات واضحة وعادلة" وهذا ليس اقتراحًا فكريًا بل مبدأ دستوري يُعاد به تأسيس الدولة ذاتها- فثورة الهامش ثورة وعي بالحقوق وإرادة علي حفظها!
اخيرا: ضد الاحتيال الخطابي… ومع التنمية الذكية، القانونية، المستدامة والعادلة! إن ما يطرحه د. الوليد مادبو ليس اجتهادًا تنمويًا بريئًا، بل إعادة تدوير صارخة لنمط استعماري — خارجي وداخلي — يستبدل لغة القوة العسكرية والناعمة بلغة "الخبرة" و"الحداثة"، ليصل إلى النتيجة نفسها: نزع الأرض من أهلها. فكل مشروع يشترط "التنمية" بإعادة توزيع الحواكير التاريخية، أو يضع المستثمر فوق صاحب الأرض، أو يقترح تجميع مشاريع النصف مليون فدان وما اليها بقرار فوقي يتجاوز الحقوق القانونية والتاريخية، لا ينتمي إلى عصر التحول الديمقراطي، ولا التنمية العادلة والمستدامة بل إلى أرشيف سياسات الإزاحة التي مورست على الشعوب الأصيلة في السودان منذ 1956 إن هذا الخطاب، مهما تلثّم بالمصطلحات التقنية، هو في جوهره محاولة لتجريد المجتمعات الأصيلة من سيادتها، ومحو تاريخها، وتهيئة الأرض لهيمنة جديدة تختلف في الشكل لا في الجوهر!
ولذلك فإن التحذير واجب: أولًا: إلى د. الوليد مادبو: إن الخطاب الذي يبخّس ملكية الشعوب الأصيلة لأراضيها، ويعتبر الحواكير "عائقًا" رئيسيا للتنمية، هو خطاب يتطابق — علميًا وتاريخيًا — مع أدوات الاستعمار التي استخدمت الأنثروبولوجيا لخدمة المصادرة، لا لخدمة العدالة والاستدامة والسلام. ولكي يكون أي مفكر ابن الهامش وفيًّا للذاكرة التي جاء منها، يجب ألا يتحول إلى وسيط ناعم لتمرير نزع الأرض. ثانيًا: إلى المجتمعات المحلية: إن التفريط في الأرض ليس خيارًا تنمويًا، بل تفكيك للمعني وللوجود نفسه. الأرض ليست ملكية اقتصادية انية وحسب؛ إنها نظام حياة، أصل شرعية، ومصدر القوة الوحيدة التي لم تستطع الدولة المركزية انتزاعها رغم سبعين عامًا من المحاولات الشرسة. فلا تنخدعوا بـ"الخبراء" الذين يريدون إدخالكم في مشاريع لا تكونون فيها ملاك وشركاء بما تملكون — بل أجراء. ثالثًا: إلى حكومة "تأسيس": إن أي سماح لخطابات من نوع ما يطرحه د. الوليد مادبو بأن تتسلّل إلى سياسات السودان الجديد يشكّل تهديدًا استراتيجيًا مباشرًا لجوهر مشروع التأسيس نفسه. فالرؤية التي تجعل الأرض مجالًا مفتوحًا لإعادة التوزيع الفوقي، أو تُحوِّل ملكيات الشعوب الأصيلة إلى عائق "ثقافي" للتنمية، ليست رؤية تنموية حديثة ولا علمية ولامنصفة بل إعادة إنتاج صريحة لأدوات السودان القديم. الدولة التي لا تُحصّن حق المجتمعات الأصيلة في أراضيها—حقًا تاريخيًا، وقانونيًا، وسياديًا—لا تستطيع بأي حال أن تدّعي أنها تعيد بناء السودان، أو أنها تؤسس لدستور قائم على العدالة. إن حماية الأرض ليست تفصيلًا فنيًا في التخطيط، بل شرط وجودي لنجاح مشروع التأسيس وبناء سودان جديد. والحقيقة الجوهرية أن السودان الجديد لن يُكتب في الخرطوم وحدها او بعقليتها، بل في الجغرافيا التي صمدت عقودًا تحت التهميش، وحمت هويتها، ودافعت عن أرضها بثمن الدم والذاكرة. من دون الاعتراف بهذه الجغرافيا وأصحابها، لا يمكن الحديث عن تأسيس، ولا عن عدالة واستدامة، ولا عن مستقبل.
الحقيقة الحاسمة: ١/ من دون عدالة في الأرض — لا تنمية. ٢/ من دون حقوق تاريخية — لا مستقبل. ٣/ ومن دون الاعتراف بالشعوب الأصلية — لا وجود لسودان جديد. إن من تُسلب أرضه يُسلب تاريخه، ومن يُسلب تاريخه يفقد قدرته على أن يكون شريكًا في أي دولة، وتتحول مواطنته إلى واجهة شكلية تُخفي استمرار الهيمنة القديمة. وحذارِ من إعادة إنتاج السودان القديم تحت اسم جديد أو تحت شعارات تحديثية لا تمسّ البنية العميقة للظلم. فالسودان الجديد يبدأ من الأرض — من حمايتها، ومن ردّها لأهلها، ومن جعلهم شركاء سياديين في القرار والدستور والموارد، لا موضوعات لتجارب "خبراء" عابرين، ولا ملفات إنمائية تُدار من مكاتب عقليات الخرطوم آنذاك! هذا المبدأ يتجاوز السودان، ويرتبط بخبرة الشعوب الأصيلة حول العالم التي ربطت الحرية بالأرض ربطًا عضويًا. فقد قال شيف جوزيف من شعب النيز بيرس مايعني: "الأرض هي أمّنا. ما من شعب يستطيع أن يكون حرًّا إذا نُزعت منه أمّه" وقال غاندي دان من شعوب الإينويت مايعني: "الثقافة تعيش في الأرض. إذا فقدنا الأرض فقدنا لغتنا وروحنا" وقالت ريغوبيرتا منتشو من شعب المايا: "حين تُنتزع الأرض من الشعوب الأصلية، لا تُنتزع الملكية فحسب، بل تُنتزع الذاكرة والهوية وقدرتنا على أن نكون" ونسب الي الزعيم يوسف كوة مكي انه قال يومًا: "الأرض ليست ملكية تُباع وتُشترى؛ الأرض هي نحن، ومن يُنتزع منه أرضه يُنتزع منه اسمه" ونسب الي السلطان الدارفوري علي دينار قبل قرن قوله: “حماية الأرض حماية للناس، ومن يفرّط فيها يفرّط في مستقبله” وقال تحد قادة شعب الماساي في مؤتمر الأراضي 1961 "نحن لا نملك الأرض؛ نحن جزء منها. وإن خرجنا منها متنا"
أما تشيف سياتل، فقد صاغ المبدأ بصورة فلسفية عميقة: "نحن جزء من الأرض، والأرض جزء منا. وما تفعلونه بالأرض تفعلونه بأنفسك" هذه ليست أقوالًا تُستشهد بها للتزيين، بل ركائز لقراءة واقعية لمسار التأسيس في السودان. فالسودان الجديد هذه المرة يُكتب على جغرافيا الهامش التي صمدت، وحمت هويتها، ودافعت عن أرضها بالدم والذاكرة. هناك، حيث تحوّلت الجبال والوديان والحقول إلى أرشيف حيّ للعدالة، وحيث ظلّت الأرض أكثر صدقًا من النخب، وأكثر ثباتًا من الخطابات السياسية المتقلّبة إن أي مشروع "تأسيس" يتجاهل هذه الحقيقة — حقيقة أن الأرض هي أول الحقوق وآخرها — إنما يؤسس لنسخة جديدة من السودان القديم، حتى لو لبِست شعارات جديدة. السودان الجديد يبدأ من الأرض… من عدالتها، ومن أهلها، ومن تاريخهم الحيّ، ومن الاعتراف بأن الأرض ليست ملكية فحسب، بل ذاكرة ومقاومة ومستقبل.
النضال مستمر والنصر اكيد.
(أدوات البحث والتحرير التقليدية والإليكترونية الحديثة استخدمت في هذه السلسلة من المقالات)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة