كيف نغرس في أبنائنا حب الوطن؟ سؤالٌ يشغل بال كلّ أبٍ ومربٍّ، وكلّ مواطنٍ يطمح لوطنٍ ينعم بالسلام والازدهار. إن الوطنية ليست مجرد شعاراتٍ تُرفع أو أناشيد تُردد، بل هي مفهومٌ عمليٌّ واقعيٌّ يتجاوز الذات والمصالح الضيقة. هي الانتماء العميق الذي يدفع للتضحية، وهو أسمى معاني الحياة التي نبذل الغالي والنفيس فداءً لها. في تربة السودان، حيث تتداخل الجغرافيا والتاريخ والثقافات، يكتسب مفهوم الوطنية أبعاداً أعمق، تتطلب وعياً جمعياً وجهداً متواصلاً لبنائه.
●حب الوطن: أفعالٌ قبل الأقوال
لطالما تردد مقولة "حب الأوطان من الإيمان"، لكن ترجمة هذا الحب على أرض الواقع هي التحدي الأكبر. فالوطنية الحقة لا تتجسد في الخطب الرنانة أو المظاهر الاحتفالية فحسب، بل في الأفعال اليومية التي تعكس انتماءً صادقاً. تبدأ هذه الوطنية بالقدوة العملية من الآباء والمربين، الذين يزرعون في نفوس الأبناء حب بلادهم من خلال أفعالهم لا أقوالهم. وهي تتطلب تدريب الأطفال على إظهار هذا الحب، ليس فقط بالكلمات، بل بالمساهمة الفعالة في بناء مجتمعهم، والحفاظ على قوانينه، وصون رموزه.
إن تبسيط المعاني والمفاهيم المجردة، مثل مفهوم "المواطنة"، وربطها بالمفاهيم المحسوسة، يجعلها أقرب للفهم وأكثر تأثيراً. فالمواطن هو الشخص الذي يحبّ بلاده وينتمي إليه، ويصون سلطته، ويحافظ على قوانينه، ويدفعه هذا الحب إلى التضحية من أجله. كما قال ابن الرّومي: "ولي وطنٌ آليتُ ألا أبيعهُ.. وأن لا أرى غيري لهُ الدهرَ مالكَا". هذا الحب العميق هو الذي يقودنا إلى التضحية بكل دقيقة، وبكل حواسنا ومشاعرنا في سبيل بناء الوطن وتنميته.
●بناء وطنٍ عادلٍ ومزدهر
تحقيق ميزان العدل، والتوزيع العادل للسلطة والثروة، هما حجر الزاوية في بناء وطنية راسخة. عندما يشعر كل مواطن، في أي بقعة من السودان، بأن حقوقه مصونة وأن الفرص متاحة له على قدم المساواة، وعندما تصل الخدمات الأساسية، كالتعليم والصحة، ,وكهرباء .الخ إلى كافة أنحاء الوطن دون تمييز، فإن الانتماء الحقيقي يتجذر. إن نشر ثقافة قبول الآخر، ومحاربة التنمر وخطاب الكراهية، وتكافؤ الفرص في كافة المواقع حسب الكفاءات الوطنية، هي خطوات أساسية لخلق مجتمع متماسك يشعر فيه الجميع بالانتماء والمسؤولية.
●غرس المسؤولية عبر الأجيال.
بهذه الخطوات العملية، لا نزرع فقط حب الوطن، بل نبني جيلاً واعياً بمسؤولياته تجاه بلاده. جيلاً مستعداً للتضحية بكل ما يملك، وقادراً على حمل راية هذا الوطن وتغيير الصورة النمطية التي ألصقها به الحاقدون. جيلٌ يعكس صورة ناصعة للسودان، صورةً تُبنى على العدل، والتنمية، والمحبة، وقبول الآخر، ليكون وطناً نفخر به جميعاً، ونساهم جميعاً في رفعته وازدهاره. facebook.com/share/p/17p77SpgGo/
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة