وصاية بلا شرعية... ونقد بلا معرفة: د. كبلو نموذجًا لأزمة النخب السودانية: من يقرأ مقالة الدكتور صدقي كبلو بعنوان "فاشر أبو زكريا قلبي وعقلي معكم"، لا يواجه نصًا إنسانيًا متجردًا بقدر ما يواجه نموذجًا مألوفًا من خطاب النخب السودانية المأزومة، تلك التي تحاول تجميل عجزها الفكري والسياسي بعبارات حنينٍ مكرورة ورثاءٍ عاطفي، بينما تمارس في الجوهر تشويشًا مقصودًا على طبيعة الصراع السوداني المركّب، المتقاطع والمتداخل. فالمقال، وإن افتتح بسيرة ذاتية عن الفاشر وذكريات الطفولة والتعليم، سرعان ما ينزلق إلى خطابٍ تبريري–اتهامي يسعى إلى شيطنة تحالف "تأسيس” والحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، والتشكيك في مشروعية التحالف مع قوات الدعم السريع وسائر القوى الثورية والمدنية التي تبنّت الميثاق والدستور التأسيسي كإطار متقدّم ومعلن لبناء دولة جديدة قائمة على المواطنة والعلمانية والعدالة التاريخية. هذا التحامل لا يعكس قراءة موضوعية، بل خوفًا أيديولوجيًا من مشروعٍ يهدّد الأسس التي قامت عليها أحزاب السودان القديم، بيمينها ويسارها، ويعرّي عجزها عن استيعاب التحولات الجذرية التي فرضها الواقع الثوري السياسي والاجتماعي الجديد في البلاد.
أولًا: لا وصاية فكرية ولا أخلاقية على الحركة الشعبية أو على "تأسيس" من أيا كان! من الواجب التأكيد، وبما لا يدع مجالًا للالتباس، أنّ لا صدقي كبلو ولا حزبه، ولا أيٌّ من أحزاب النخب السودانية التقليدية، يمتلك موقعًا أخلاقيًا أو فكريًا أو سياسيًا يخول له ممارسة الوصاية على الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال أو على تحالف "تأسيس" في خياراتهما الاستراتيجية وتحالفاتهما الوطنية. فالحركة الشعبية تنظيم ناضج ومؤسسي، له تاريخه النضالي، ومؤتمراته، ومرجعياته الفكرية والسياسية الراسخة التي لم تُصنع في صالونات الخرطوم ولا في هوامش الصحف الأيديولوجية، بل في ميادين الكفاح والمقاومة وفي صلب معاناة الشعوب المهمشة، وفي الأراضي المحررة. وهي لا تحتاج إلى دروسٍ في الأخلاق أو في الشرعية من حزبٍ ظلّ، لعقود، أسير مركزية الخرطوم ومتواطئًا مع منظومة الامتيازات الطبقية والثقافية التي أنتجت أزمات السودان المتكررة، ولا من نخبٍ ما زالت تُعيد إنتاج خطاب الوصاية الاستعمارية بلسان يساري. إنّ الحركة الشعبية وتحالف تأسيس لم يبنيا مشروعهما على العاطفة أو التحالفات التكتيكية الفطيرة، بل على تحليل علمي جدلي لطبيعة الدولة السودانية الفاشلة، التي وُلدت على أساس الإقصاء العرقي والديني، وورثت البنية الكولونيالية ذاتها التي استبدلت المستعمِر القديم بمستعمِر محلي جديد. ومن هذا التحليل انبثق مشروع "تأسيس" بوصفه قطيعة فكرية وتاريخية مع السودان القديم، يقوم على مبادئ العدالة التاريخية، وحق تقرير المصير، والمواطنة المتساوية، والعلمانية، واللامركزية، وإعادة بناء جيش قومي جديد يكون حاميًا للوطن لا أداة لاحتلاله من الداخل.
لقد أثبت التاريخ، في أكثر من تجربة عالمية، أن الثورة لا تتبع النبوءات الكلاسيكية ولا المسارات الخطية التي بشّر بها ماركس في القرن التاسع عشر. فمن الثورة الصينية إلى الثورة الكوبية، ومن حركات التحرر الإفريقية إلى الثورة الإيرانية ثم التحولات اللاتينية المعاصرة، لم تبدأ الثورات من "الطبقة العاملة المنظمة" كما في "البيان الشيوعي"، بل من أطراف المجتمع المهمشة، ومن تحالفات جديدة بين الريف والمدينة، بين المثقف والفقير، بين الجندي والعامل والمزارع، بين المهمشين والنساء واللاجئين. لقد كتب هربرت ماركوز منذ ستينيات القرن الماضي أن الثورة الحديثة لم تعد نتاج تناقضات اقتصادية صرفة، بل ثمرة "وعيٍ وجودي جديد" ينشأ من رفض الإنسان للاغتراب الشامل الذي تفرضه الأنظمة الصناعية والعسكرية معًا. وكتب فرانز فانون في معذّبو الأرض أن الفعل الثوري الحقيقي لم يعد في قلب المصنع، بل في "الأطراف التي لفظها التاريخ"، وهي الأطراف ذاتها التي تتحرك اليوم في السودان...فقد انتهي الدرس ياهؤلاء، فلامصانع لنا من اصلو!
من هنا، فإنّ الثورة السودانية في مرحلتها الراهنة، كما يجسدها تحالف تأسيس، تجاوزت خيال الحزب الشيوعي السوداني ونماذجه الجامدة التي ما زالت تكرر خطاب القرن الماضي. ذلك الحزب الذي يقوده جيل من النخب يعيش على أوهام أدبٍ ماركسيٍّ قديمٍ تم تجاوزه فكريًا منذ عقود، يقرأ الواقع بعين لينين في سان بطرسبرغ لا بعين طفلٍ مشرّد في كنتب الجزيرة أو لاجئ في معسكر جندراسة. إنهم، كما وصف غرامشي، أولئك الذين يعيشون أزمة الانتقال: يموت القديم ولا يستطيع الجديد أن يولد، وفي هذا الفراغ تبرز أعراضُ التكلّس والارتباك.
الحركة الشعبية و"تأسيس" لا ينتظران إذن "نضوج الواقع" كما يتوهم أصحاب المنابر الكسولة، بل يصنعان هذا الواقع بإرادة واعية وبمشروعٍ يقطع مع تاريخٍ طويل من الخداع الأيديولوجي. فالتحول الثوري في السودان لا يُقاس بمدى التزامه بالنصوص الماركسية الكلاسيكية او غيرها، بل بقدرته على تفكيك الدولة الاستعمارية القديمة كيفما اتفق، وبناء وطنٍ جديد يقوم على المساواة والكرامة والعقلانية المدنية — وطنٍ لا مكان فيه للوصاية، لا من يمينه ولا من يساره.
ثانيًا: الإدانة المبدئية لأي انتهاك: من غير المقبول أخلاقيًا ولا علميًا أن يخلط د. صدقي كبلو بين المبادئ التأسيسية للتحالفات الثورية وبين تجاوزات ميدانية فردية لا تعبّر عن جوهر تلك التحالفات ولا عن مشروعها السياسي والفكري. فليس من الفكر النقدي ولا من النزاهة الثورية أن تُختزل حركة سياسية تحمل مشروعًا للتحول الجذري وإعادة بناء الدولة السودانية في أخطاء أفرادٍ أو مجموعاتٍ خارجة عن الانضباط المؤسسي والقانوني وان كانت تنتمي لها. إن أي انتهاكٍ أو جريمةٍ ضد المدنيين – في الفاشر أو في أي مدينة سودانية أخرى – مدانٌ بشكل قاطع، أياً كان مرتكبها أو مبررها. ويؤكد ميثاق ودستور تحالف "تأسيس" صراحةً التزام جميع مكوناته بـ حماية المدنيين، واحترام القانون الدولي الإنساني، وتطبيق مبادئ المساءلة والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب بوصفها ركائز أساسية لبناء الدولة الجديدة وفي هذا الإطار، أعلنت قوات الدعم السريع، بوصفها طرفًا في تحالف "تأسيس"، مسؤوليتها المؤسسية عن التحقيق والمحاسبة في كل ما يُنسب إلى عناصرها، التزامًا منها بمشروع التحول وبناء دولة العدالة وسيادة القانون. غير أن الدكتور كبلو، وبخفة النخب العاجزة التي تخشى الاعتراف بالتغيير، لم يتجه لإدانة الانتهاكات أو المطالبة بالعدالة، بل سارع إلى توظيفها كذريعةٍ للنيل من مشروع "تأسيس" نفسه! وطبعا لم يتباكي بنفس الهمة علي انتهاكات الجيش النظامي ومليشياته! إن هذا المسلك ليس سوى استمرارٍ لذهنية النخب التي تعيش على أنقاض خطاب المركز القديم، وتعجز عن التمييز بين التحول المؤسسي العميق الجاري داخل الأجسام الموقعة على ميثاق ودستور "تأسيس"، وبين تصرفات معزولة لا تمثل روح المشروع ولا مقاصده. وهذا الخلط المتعمد هو امتدادٌ لموقفٍ أعمق: رفض الاعتراف بولادة واقعٍ جديد، والإصرار على قراءة الثورة السودانية المنفجرة من الهامش بأدوات فكرية تنتمي إلى ماضٍ تجاوزه التاريخ والوعي الثوري المعاصر.
ثالثًا: تحالف "تأسيس" يقوم على الميثاق والدستور لا على التجاوزات والجرائم: التحالف بين الحركة الشعبية وقوات الدعم السريع وغيرها من الاجسام في إطار مشروع "تأسيس" ليس تحالف علي ارتكاب الجرائم ، بل تحالف رؤية ومبادئ، منصوص عليها بوضوح في ميثاق تأسيس والدستور الانتقالي لعام 2025، اللذين يعلنان - فصل الدين عن الدولة - بناء جيش قومي جديد خاضع للسلطة المدنية - العدالة التاريخية والمساءلة دون إفلات من العقاب - احترام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان - اللامركزية، والمواطنة المتساوية، والوحدة الطوعية فأين في هذا الميثاق بندٌ يبرر أو يغطي على الانتهاكات؟ التحالف لا يقوم على تبادل الجرائم، بل على تأسيس مشروع دولة جديدة قوامها الاعتراف، البناء، والمسؤولية أمام التاريخ والشعب.
رابعًا: الحزب الشيوعي وميراث التناقض: قبل أن يتخذ د. صدقي كبلو موقع الواعظ الأخلاقي والسياسي، عليه أن يواجه إرث حزبه المثقل بالتناقضات والفشل. فالحزب الشيوعي السوداني، الذي يدّعي تمثيل " الثورية"، كان على الدوام مترددًا في مواجهة البنية العميقة للدولة السودانية القديمة. لقد رفض العلمانية والتي تعني المواطنة المتساوية حين طُرحت عليه بوضوح من قبل الحركة الشعبية لتحرير السودان، وتذرّع بـ"الظروف الموضوعية" ليبرّر تواطؤه مع البنية المحافظة للمجتمعات المسلمة في الشمال على حساب الحقوق المشروعة لشعوب الهامش، من جبال النوبة والأنقسنا ودارفور والشرق وغير المسلمين في كل السودان، أي على حساب مشروع العدالة التاريخية ذاته! إنه الحزب الذي ظلّ يرفع شعار "الثورة الوطنية الديمقراطية"، بينما يتجاهل جوهر الثورة نفسه: تفكيك أدوات القمع التي تحرس النظام الطبقي والامتيازات القديمة. فكيف يمكن لحزب يدّعي الماركسية أن يعجز عن إدراك ما عبّر عنه ماركس نفسه بوضوح في الحرب الأهلية في فرنسا حين قال إن "الطبقة العاملة لا يمكنها أن تكتفي بالاستيلاء على آلة الدولة القديمة واستعمالها كما هي، بل عليها أن تحطمها"؟ ذلك هو الدرس الذي فهمته كومونة باريس، وتجاهله الشيوعيون السودانيون حتى اليوم: لا يمكن بناء مجتمعٍ جديدٍ بجيشٍ خُلق لحماية النظام القديم. لقد وقف الحزب الشيوعي، في كل محطات التاريخ السوداني، مدافعًا عن الجيش الذي قتل ملايين من أبناء السودان في الجنوب حتى الانفصال، وفي الغرب والشرق والخرطوم، بحجة "وحدة الوطن" أو "حماية السيادة". لكنه في الحقيقة كان يحمي سلطة الطبقة المهيمنة وبنيتها العسكرية البيروقراطية التي وصفها لينين بأنها "أداة قمعٍ طبقي لا يمكن إصلاحها، بل يجب تحطيمها واستبدالها بجيش الشعب." إن التناقض الجوهري في موقف الحزب الشيوعي يكمن في أنه يريد ثورة دون قطيعة، وتحولًا دون تفكيك أدوات الهيمنة! ده كلام دا؟ فهو يتحدث عن التغيير لكنه يرفض تفكيك الجيش الذي يقف ضد الثورة ويقمع الشعب، ويستعيض عن ذلك بخطابٍ إصلاحيٍّ محايد باردٍ عن "إعادة الهيكلة"، وكأنما يمكن تطهير آلة القمع التاريخية ببعض الشعارات! فبأي منطقٍ أخلاقيٍّ أو سياسيٍّ يتحدث د. كبلو اليوم عن الثورة، وهو يعجز عن إعلان الموقف الجوهري الذي يُميز الثوري من المحايد والمتواطئ والإصلاحي: أن لا دولة جديدة بلا تفكيكٍ جذري للجيش القديم، ولا حرية بلا تحطيم أدوات القمع الطبقي التي تحرس الامتيازات وتقتل الشعب باسم الوطن. إن الماركسية الثورية، كما قال تروتسكي، ليست في "الاحتفاظ بجثة الدولة القديمة وإلباسها ثوبًا جديدًا"، بل في "خلق جهاز ثوري جديد من قلب الجماهير نفسها". وذلك بالضبط ما يسعى إليه تحالف تأسيس: بناء جيشٍ جديدٍ يولد من رحم الشعب لا من رحم الامتيازات — جيشٍ وطني علماني ديمقراطي، يحمي المواطن لا السلطة، ويحمل السلاح للدفاع عن العدالة لا لإدامة القهر.
خامسًا: من المسؤول عن "الجنجويد"؟ المفارقة المذهلة في مقالة الدكتور كبلو هي بكاؤه على "جنجويد البشير" وكأن الحزب الشيوعي لم يكن شريكًا سياسيًا في ترتيبات المرحلة الانتقالية التي شرعنت وجود الدعم السريع قانونيًا بموجب الوثيقة الدستورية لعام 2019، والتي وقّع عليها حلفاؤه في قوى الحرية والتغيير. فمن الذي أعطى الدعم السريع وضعًا دستوريًا وقتها؟ أليس هو ذات مايسمي بالتيار "المدني الديمقراطي" الذي كان كبلو جزءًا من قيادته عبر الباشمهندس صديق يوسف؟ اليوم يريد أن يُحمّل الحركة الشعبية مسؤولية وجود لم يصنعه "تأسيس"، بل صنعه البشير وشرعنه تحالف المدنيين والعسكر عام 2019، حين كانت الثورة تُسرق باسم "الانتقال الديمقراطي"... فالتتوقف هذه المزايدات.
سادسًا: في معنى التحالفات ومسؤولية الأطراف في المنظور القانوني والسياسي، القاعدة الصلبة هي أن العقد شريعة المتعاقدين — أي أن الأطراف لا تُسأل إلا عمّا تعاقدت عليه صراحةً، ولا تمتد المسؤولية إلى ما لم يكن موضوعًا للعقد أو مخالفًا له. وبهذا، تُحدَّد المسؤولية وفق ما تمّ الاتفاق عليه من التزامات واضحة، لا وفق الانتماءات أو القرب السياسي أو العاطفي. فـالمسؤولية القانونية شخصية ومؤسسية، ولا تُنقل بالتحالف أو المجاورة، بل تُبنى على الفعل والنية والإشراف المباشر. وانطلاقًا من هذا المبدأ، فإن تحالف "تأسيس" لم يُنشأ على أي اتفاقٍ يجيز أو يتسامح مع انتهاكات حقوق الإنسان أو المساس بالمدنيين. بل على العكس، نصَّ ميثاقه ودستوره الانتقالي بوضوحٍ قاطع على التزاماتٍ محددة، أبرزها: - حماية المدنيين في جميع أنحاء السودان، - الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، - إخضاع أي تجاوزات للتحقيق والمحاسبة الفورية، - رفض الإفلات من العقاب، - والعمل لتحقيق العدالة التاريخية كأساسٍ لبناء دولة جديدة تقوم على المواطنة المتساوية والكرامة الإنسانية وبناءً عليه، فإن الزعم بأن الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال أو أيًّا من شركائها في تحالف "تأسيس" يتحملون مسؤولية جماعية عن تجاوزات فردية ارتكبها عناصر من الدعم السريع، هو ادعاء باطل قانونيًا وأخلاقيًا. ذلك لأن العقد السياسي الذي جمع هذه القوى لم يتضمّن بندًا واحدًا يُبيح أو يبرر أي انتهاك لحقوق الإنسان، بل أكد بوضوحٍ على العكس: الالتزام بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب وفي المقابل، نجد أن من يوجهون هذه الاتهامات، وفي مقدمتهم أمثال الدكتور كبلو من الحزب الشيوعي السوداني، مارسوا على مدى عقود تحالفاتٍ سياسية وفئوية دون أن تُطرح عليهم مثل هذه الأسئلة. فعلى سبيل المثال: - تحالف الحزب الشيوعي والديمقراطيين السودانيين في النقابات والمنظمات المهنية، بما في ذلك تحالفات مع قوى ارتكبت تجاوزات سياسية أو وقفت مع أنظمة قمعية في مراحل مختلفة، ولم يقل أحد إن الشيوعيين شركاء في كل ما ارتكبه حلفاؤهم! - التحالفات التاريخية في مرحلة "الجبهة الوطنية الديمقراطية"، التي ضمّت فصائل متباينة الرؤى والممارسات، ولم يُحمّل أي طرف مسؤولية أخلاقية أو جنائية عن تصرفات الآخر! - وأخيرًا، ما يسُمّي بتحالف "القوى الجذرية"، الذي جمع الحزب الشيوعي مع قوى مدنية مختلفة، من بينها أطراف سبق أن شاركت في توقيع الوثيقة الدستورية لعام 2019 التي شرعنت وجود الجنرالات وقوات الدعم السريع في بنية السلطة. فهل يمكن القول إن الحزب الشيوعي مسؤول قانونيًا أو أخلاقيًا عن تلك النتائج؟ إذا طبّقنا منطق د. صدقي كبلو، لكان على حزبه أن يتحمّل مسؤولية جماعية عن كل تلك الممارسات والتحالفات، بما فيها توقيع الوثيقة التي أسست للوضع الذي يندد به اليوم...ولا شنو؟ لكن الحقيقة هي أن المسؤولية لا تُنقل بالتحالفات، بل تُحمَل بالفعل المباشر. ولهذا فإن قوات الدعم السريع، كطرفٍ في "تأسيس"، أعلنت رسميًا التزامها بالتحقيق والمحاسبة عن أي تجاوزاتٍ تُنسب إلى عناصرها، فهل اعلن الجيش الذي ينحاز أمثال د. كبلو اليه هذا الموقف تجاه اكلة الاكباد ومشرعي نحر البني ادميين وسلخهم وبقر بطونهم والتمثيل باحشاءهم!؟ إن محاولات النخب القديمة — ومنها أمثال د. كبلو — لتوسيع المسؤولية وتشويه التحالفات الجديدة هي محاولة بائسة للنيل من التحول الجذري الذي يمثله "تأسيس"، لأنه ببساطة ينزع من هذه النخب امتياز الوصاية الأخلاقية والسياسية التي مارستها لعقود... فقد انتهي الدرس! يقول ماركس مايعني : "لا يمكن بناء مجتمع جديد بأدوات المجتمع القديم." والتحالفات التي تسعى إلى تفكيك بنية القهر لا تُدان لأنها تواجهه، بل تُحاكم فقط إن أعادت إنتاجه — وهو ما لا ينطبق على "تأسيس" الذي وضع العدالة والمساءلة في صميم مشروعه السياسي.
سابعًا: "تأسيس" يصنع التاريخ… وكبلو يكتب من الهامش! بينما يعمل تحالف "تأسيس" على صياغة مشروع وطني طموح يعيد تعريف الدولة على أساس المواطنة والمساواة، ويؤسّس لجيشٍ مهنيٍّ جديدٍ ومبادئ فوق دستورية، ودستور يكفل الحقوق والحريات، يظلّ الدكتور صدقي كبلو ومن ينتمون إلى منظومته الفكرية وشمّاعات احتجاجه واقفين على رصيف التاريخ، يرمون الحجارة على من يمضون نحو المستقبل. هم يكتبون بلغة الماضي ويفكرون بعقلية الوصاية الأيديولوجية التي انتهى زمنها؛ ولم تعد ذي فعالية، لا يملكون استراتيجية بناء ولا مشروعًا جذرياً واقعياً، فكل ما لديهم هو التشويش والاستجداء الأخلاقي لشرعيةٍ فقدوها بمحض ارادتهم. ذلك الموقف يعكس عجزًا أمام تحولات حقيقية في بنية السلطة والمجتمع، وعجزًا عن تقديم بدائل عملية لبرنامج "تأسيس" الذي يضع المساءلة والعدالة والحقوق في صميمه. وقد عبّر عن ذلك ماركس بمرارةٍ لاذعة بما يعني: "هم الذين يمسكون بظلّ الماضي بأيديهم المرتجفة لأنهم فقدوا القدرة على صنع الغد"!!
اخيرا: التاريخ لا ينتظر المترددين! الحركة الشعبية وحلفاؤها بما فيهم الدعم السريع في تحالف تأسيس لا يدّعون الكمال، لكنهم يملكون الشجاعة على الاعتراف والمسؤولية والمحاسبة. هم لا يهربون من التاريخ، بل يواجهونه بشجاعة لبناء مستقبلٍ مختلف. أما من عاشوا نصف قرن في التنظير دون أن يغيّروا شيئًا سوى موقعهم على الورق، فسيظلون كما قال لينين مايعني: "من لا يمتلك الجرأة على أن يتّسخ بتراب المعركة، لا يحق له أن يتحدث عن الثورة" تحالف "تأسيس" يصنع المعنى الجديد للثورة في السودان والتي ستصنع مستقبله: ثورة تأسيس لا ترميم، وولادة وطنٍ يليق بإنسانه. أما كبلو وحزبه، ومن هم معه، فسيظلون أسرى ماضيهم، يُصفقون من بعيد بينما يتحرك التاريخ دونهم!
النضال مستمر والنصر اكيد.
(أدوات البحث والتحرير التقليدية والإليكترونية الحديثة استخدمت في هذه السلسلة من المقالات)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة