انفجار مخزن ذخائر بجنوب الخرطوم يكشف خطورة استخدام الأعيان المدنيّة لأغراضٍ عسكريّة الخرطوم، ٧ نوفمبر ٢٠٢٥م – أكّد متطوّعون، يوم الجمعة، وقوع انفجارٍ في مخزن ذخائرٍ يتبع لمقرّ القوّة المشتركة في سوق ستّة الجديد بالقرب من منطقة الكونيكا جنوب العاصمة السودانيّة الخرطوم، ممّا أسفر عن إصابة شخصين. ويأتي الحادث في وقتٍ تشهد فيه منطقة جنوب الحزام استقرارًا نسبيًّا وعودةً تدريجيّةً للحياة بعد أن أكمل الجيش السودانيّ سيطرته على ولاية الخرطوم في مايو الماضي. غير أنّ هذا الانفجار أثار تساؤلاتٍ واسعة حول استمرار وجود كميّاتٍ من الذخائر والأسلحة داخل مناطق مدنيّة مأهولة، وهو أمرٌ يعيد إلى الواجهة ممارسات المليشيات التي اتّخذت من الأحياء السكنيّة والأسواق الشعبيّة مواقع لتخزين الأسلحة والذخائر أثناء النزاع، ما عرّض حياة المدنيّين للخطر وجعلهم دروعًا بشريّةً في انتهاكٍ صارخٍ للقانون الدوليّ الإنسانيّ. أوّلًا: خرقٌ صارخٌ لمبادئ حماية المدنيّين إنّ استخدام الأعيان المدنيّة – كالمنازل والمدارس والأسواق والمستشفيات – لأغراضٍ عسكريّةٍ يُعَدّ من أخطر الانتهاكات التي يمكن أن ترتكبها أيّ جهةٍ مسلّحة. فهذه الممارسات تُقوّض مبدأ التمييز بين المدنيّين والمقاتلين، وهو أحد أعمدة القانون الدوليّ الإنسانيّ المنصوص عليه في اتفاقيّات جنيف. وقد دأبت المليشيات المسلّحة التي كانت تنشط في العاصمة خلال فترة الحرب على تحويل المناطق المكتظّة بالسكّان إلى مراكز تخزينٍ وتحصينٍ، مستغلّةً وجود المدنيّين للاحتماء من الضربات العسكريّة. واليوم، يبدو أنّ آثار تلك الممارسات ما زالت قائمة، كما يُظهره حادث انفجار مخزن الذخائر الأخير في سوق ستّة الجديد. ثانيًا: الأضرار المدنيّة وتبعاتها الإنسانيّة أسفر الانفجار عن إصابة شخصين، لكنّ الخسائر المعنويّة والنفسيّة كانت أكبر بكثير. فقد أثار الحادث حالةً من الذعر وسط سكّان الأحياء المجاورة، الذين ظنّوا أنّ الاشتباكات قد تجدّدت بعد أشهرٍ من الهدوء. ويشير شهود العيان إلى أنّ الانفجار وقع في منطقةٍ تجاريّةٍ مزدحمةٍ، تضمّ أسواقًا ومحالّ تُعَدّ مصدر رزقٍ لآلاف الأسر. ولو كان الانفجار أشدّ، لكان المشهد أكثر مأساويّة. إنّ وجود الأسلحة والذخائر وسط المدنيّين يجعل أيّ حادثٍ عرضيٍّ مهيّأً للتحوّل إلى كارثةٍ إنسانيّةٍ كبرى، ويعكس استهتار المليشيات بحياة الناس وأمنهم. ثالثًا: مسؤولية المليشيات وتبعاتها القانونية تتحمّل المليشيات المسلّحة المسؤوليّة الأولى عن هذه الممارسات، سواء تلك التي كانت تسيطر على الخرطوم قبل استعادتها من قِبل الجيش، أو العناصر التي تركت وراءها مخازن وموادّ متفجّرة داخل المنشآت المدنيّة. فالقانون الدوليّ يُجرّم استخدام المرافق المدنيّة لأغراضٍ عسكريّة، ويعتبر ذلك جريمة حرب إذا أدّى إلى إلحاق الأذى بالمدنيّين. كما أنّ تخزين الأسلحة في الأسواق أو المدارس لا يُبرَّر بأيّ حالٍ من الأحوال تحت ذريعة “الضرورة العسكريّة”، لأنّ مثل هذا السلوك يتنافى مع مبادئ المسؤولية الأخلاقيّة والوطنيّة، ويُظهر مدى استخفاف تلك الجماعات بحياة المواطنين الذين تدّعي حمايتهم. رابعًا: الانقلاب ومسؤولية تأمين العاصمة منذ أن أعلن تحالف الانقلاب والمليشيات سيطرته الكاملة على ولاية الخرطوم في مايو الماضي، لم تكن هناك جهودٌ حثيثة لإعادة الاستقرار وتطهير المناطق من بقايا المليشيات ومخلّفات الحرب. غير أنّ حادث سوق ستّة يؤكّد أنّ التهديدات ما زالت كامنة، وأنّ تطهير العاصمة من مخلفات الذخائر والمتفجّرات يجب أن يكون أولويةً قصوى ولكن كيف يكون ذلك تحت سلطة انقلابية تخزن الاسلحة وسط الاعيان المدنية. تحتاج المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة إلى تكثيف عمليات المسح والتفتيش، بالتعاون مع المنظّمات المختصّة في إزالة الألغام والمخلّفات الحربيّة، لضمان عدم وجود أيّ مخازنٍ أو عبواتٍ غير مكتشفة قد تُعرّض المدنيّين للخطر ولكن هذا غير مؤمل تحت سلطة الانقلاب وحكومة الاجل المحتوم. خامسًا: البعد الأخلاقيّ والوطنيّ يطرح هذا الحادث تساؤلًا أخلاقيًّا جوهريًّا: كيف لجماعاتٍ تزعم الدفاع عن الوطن أن تجعل من المواطنين وقودًا لمعاركها؟ إنّ تخزين الذخائر في الأسواق والمنازل يُعرّي زيف الشعارات التي رفعتها المليشيات، ويُظهر أنّها كانت تُوظّف المدنيّين لخدمة أهدافٍ عسكريّةٍ بحتة. إنّ وعي المجتمع السودانيّ بخطورة هذه الممارسات يجب أن يتعزّز، وأن يُترجَم إلى موقفٍ وطنيٍّ موحّدٍ يرفض عسكرة الحياة المدنيّة بكلّ صورها، حمايةً للأمن المجتمعيّ وسلامة العاصمة،،،،
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة