صحفي مستقل في وطنٍ أنهكته الحروب والانقسامات، برزت مليشيا الدعم السريع كأحد أكثر الكيانات دمويةً في تاريخ السودان الحديث. لا يعرف هؤلاء سوى لغة القوة والعنف، ولا يحملون في قلوبهم سوى الحقد على المواطن الأعزل. ومنذ اندلاع الحرب الأخيرة، تحولت المدن السودانية إلى ساحات قتل ونهب وانتهاك ممنهج، تُنفَّذ بدم بارد على أيدي أفراد هذه المليشيا، الذين لا يعرفون معنى الرحمة ولا حرمة الدم. ما يثير الغضب أكثر هو أن جرائم الدعم السريع لم تعد مجرد تجاوزات فردية، بل أصبحت سياسة ممنهجة تُدار من أعلى هرم القيادة. المدن التي دخلتها هذه القوات تحوّلت إلى أطلال، والقرى التي مرّوا بها صارت رمادًا. نساء يُغتصبن، وشباب يُقتلون، وأطفال يُشرّدون في الطرقات. مأساة إنسانية بكل المقاييس، تُرتكب أمام صمتٍ دولي مخزٍ وتواطؤ إقليمي مريب. في مقاطع الفيديو التي يتداولها الناس على وسائل التواصل، يظهر أفراد من هذه القوات وهم يحتفلون بعد تنفيذ جرائمهم، يرقصون على أنغام الرصاص، ويتفاخرون بالقتل وكأنهم أنجزوا بطولة. لا تجد في وجوههم أثرًا للإنسانية، ولا في ضمائرهم مساحة للندم. هذا المشهد المروّع يعكس حجم الانحدار الأخلاقي الذي وصلت إليه هذه المليشيا، التي نشأت في بيئة يغيب عنها التعليم والانضباط والقيم الدينية والوطنية. تتقاطع الشهادات من مختلف أنحاء السودان على أن الغالبية العظمى من عناصر الدعم السريع جرى تجنيدهم دون تأهيل تربوي أو وطني، وأن كثيرًا منهم لم يتلقَّوا أي تدريب حقيقي على حفظ الأمن أو التعامل الإنساني. ومع غياب الوعي، سادت ثقافة العنف كوسيلة وحيدة للوجود والبقاء. هذه العقلية البدائية جعلت من السلاح هو القانون، ومن النهب مصدر رزق، ومن القتل وسيلة لإثبات الذات. لكن الأخطر من المقاتلين في الميدان هم أولئك الذين يرتدون عباءة المثقفين والإعلاميين، ويسعون لتجميل صورة المليشيا أمام العالم. يروّجون الأكاذيب، يزوّرون الحقائق، ويتحدثون عن "بطولات" زائفة لا وجود لها. هؤلاء يشاركون في الجريمة بلسانهم كما يشارك المسلحون بسلاحهم. فالكلمة المضللة لا تقل خطرًا عن الرصاصة، لأنها تبرر القتل وتخدر ضمير المجتمع الدولي. إن ما تفعله مليشيا الدعم السريع اليوم هو جريمة مكتملة الأركان ضد الإنسانية، يجب أن يُحاسَب عليها كل من شارك فيها أو دافع عنها أو صمت تجاهها. فالصمت في وجه الشر مشاركة فيه، والحياد في زمن الدم خيانة للضحايا. لقد أثبتت التجربة أن هذه المليشيا لا يمكن أن تكون جزءًا من أي مشروع وطني، لأنها قامت على نقيض الوطن نفسه: على النهب بدلاً من الإنتاج، وعلى الحقد بدلاً من التسامح، وعلى الولاء للأفراد بدلاً من الولاء للسودان. ورغم كل هذا الخراب، لا يزال الشعب السوداني يقاوم. يقف صامدًا في وجه آلة القتل والدمار، متمسكًا بأمل الخلاص وبأن العدالة ستأتي يومًا. فالتاريخ لا يرحم المجرمين، وإن تأخّر القصاص. ومهما طال الليل، فإن فجر السودان الجديد سيشرق، خاليًا من هذه المليشيات التي شوهت وجه الوطن، وداست كرامة الإنسان. إنها ليست حربًا بين جيشين، بل معركة بين الإنسانية والوحشية، بين من يريدون بناء وطن حر كريم، ومن جعلوا من القتل مهنة ومن الرعب وسيلة للسيطرة. سيكتب التاريخ أسماء هؤلاء في صفحات العار، وسيتذكر العالم أن السودان واجه شياطين في ثياب بشر، وانتصر عليهم بإيمانه وعدالة قضيته.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة