(١) المجد لشهداء مدينة الفاشر المدنيين، الذين اغتالتهم المليشيا الإرهابية بدم بارد بعد اجتياحها للمدينة، والشفاء للجرحى والأمان والاستقرار للمشردين الذين طردتهم من ديارهم، والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب لقيادة وأفراد مليشيا الجنجويد. ودون مواربة او تعريض، نسمي ما حدث بإسمه الصحيح، وهو هزيمة الجيش المختطف والمليشيات المتحالفة معه في مدينة الفاشر، بعد هجوم كبير من قبل الجنجويد. وهي هزيمة وإن لم يتقبلها البعض، إلا أنها كانت متوقعة ونتيجة حتمية لتوازن الضعف السياسي والعسكري. والسبب الرئيس لها هو الحصار طويل الأمد الذي استمر لأكثر من عام، مع فشل سلطة الأمر الواقع غير الشرعية في فك الحصار او حتى اضعافه. فالمدينة كانت أصلا في حكم الساقطة عسكريا بإعتبار أنها محاصرة ومعزولة ولا تصلها إمدادات مدنية او عسكرية. صمودها الكبير لهذه الفترة الطويلة، أوهم الكثيرين بقدرتها على مواصلة التصدي لمليشيا الجنجويد الارهابية إلى ما لا نهاية، ولكن هذا لم يحدث لما يلي من أسباب: ١- حصول المليشيا الإرهابية على أسلحة صينية جديدة، من ضمنها مسيرات مكنتها من توجيه ضربات دقيقة لدفاعات الجيش المختطف والمليشيات المتحالفة معه، كما مكنتها من التفوق من حيث التسليح على القوى المستحكمة دفاعياً. ٢- تحول ميزان الضعف العسكري بصورة عامة لمصلحة المليشيا الإرهابية، ومن مظاهره توسع عملياتها المتمثلة في ضرب الخرطوم والدمازين وكنانة بالمسيرات الدقيقة. ٣- تشديد الحصار الخانق وفرض المجاعة ومنع دخول الإمدادات الغذائية، بمستوى وصل لإعدام كل من تقبض عليه المليشيا الإرهابية يدخل إمداد من الدقيق او المعكرونة. ٤- فشل الامداد عبر الإسقاط الجوي الذي تم مواجهته بالدفاعات الجوية الحديثة التي أدخلتها المليشيا الإرهابية إلى دارفور وكردفان. وهو كان مؤشراً على ضعف التسليح لأنه شمل أسلحة سيطرت عليها تلك المليشيا. ٥- ضعف الروح المعنوية للمحاصرين ، الناتج عن ازدياد ضغط الحصار مع فقدان الأمل في الحصول على إمدادات تعزز الصمود او وصول متحركات لفك الحصار، خصوصا بعد الإبادات المتكررة للقوات التي حدثت مؤخراً وتتالي سقوط الأماكن وآخرها مدينة بارا المنكوبة. هذه الأسباب وربما غيرها بشكل غير رئيسي ، أدت إلى هزيمة واضحة ومتوقعة اسماها الانقلابي المزمن انسحاب تكتيكي، ونسبها البعض إلى قرارات اجنبية لتزامنها مع فشل مفاوضات واشنطن ، والبعض الآخر من العنصريين نسبها إلى خيانة مليشيا المشتركة التي لا مصلحة لديها من قريب او بعيد في الخيانة. وحتى إذا ثبت ان بعض عناصر هذه المليشيا قد انهاروا وطلبوا النجاة لأنفسهم بالتنسيق مع المهاجمين، فخيانة المليشيا يكذبها قتال قادتها حتى موتهم وهم في سياراتهم المقاتلة. (٢) نتج عن اجتياح المليشيا الإرهابية للمدينة، النتائج المتكررة التي تحدث عند كل اجتياح، حيث شهدنا الاعدامات الموثقة خارج نطاق القضاء، وتصفية حتى المرضى والكادر الطبي كما حدث في المستشفى السعودي، والإعتقالات الواسعة للمدنيين، والإذلال والإهانة والشتائم العنصرية، والنهب على نطاق واسع ، والبشاعات التي أدانها الجميع بما في ذلك مجلس الأمن الدولي، ومعظمها موثقة من قبل مرتكبيها من أفراد هذه المليشيا الإرهابية انفسهم، ومنشورة في وسائل التواصل الاجتماعي، وواردة في بيان اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء. وترتب على الهزيمة أيضا، وضع عسكري جديد ، مالت فيه كفة توازن الضعف إلى مصلحة المليشيا الإرهابية ، واصبحت بالفعل تهدد الولاية الشمالية ومناطق اخرى من ناحية فنية لاهمية موقع مدينة الفاشر، ولكن هذا لا يعني قدرتها الفعلية على تنفيذ هجوم كاسح على تلك الأماكن، لان ذلك تحكمه عوامل اخرى مصاحبة. لكن خطورة الوضع عسكريا يؤكده ما رشح من موقف للحركة الإسلامية المجرمة يدعو إلى إعلان التعبئة العامة التي قد نراها واقعا بحكم سيطرة هذه الحركة على سلطة الأمر الواقع غير الشرعية. كذلك نتج عن الهزيمة واقع سياسي جديد هو سيطرة المليشيا الإرهابية وحكومتها الموازية على كامل اقليم دارفور وجزء من كردفان، وعلى مساحة من الأرض تفوق مساحة فرنسا وموارد اقتصادية كبيرة، مما يؤهلها فنيا لإعلان انفصالها وتقسيم البلاد. لكن هذا الأمر مستبعد في الوقت الراهن، لعدم قدرة الحكومة الموازية غير الشرعية على إدارة محلية ناهيك عن دولة، وتأكيد قائد المليشيا الإرهابية نفسه في خطاب النصر على التمسك بوحدة السودان - أفلح ان صدق، ورغبة سلطة تأسيس في حكم كامل البلاد لتحقيق أهدافها واهداف القوى الإقليمية والدولية الداعمة لها، ولرفض المجتمع الدولي الحازم والبات للحكومة الموازية غير الشرعية وتأكيده على وحدة البلاد، بإجماع إنعكس في بيان مجلس الأمن الخاص بسقوط الفاشر الصادر يوم أمس. كذلك نتج عن الهزيمة أزمة إنسانية كبرى، تمثلت في نزوح سكان مدينة الفاشر جميعهم بعد طردهم بواسطة المليشيا الإرهابية ومعاناتهم من المجاعة القاسية التي دفعتهم إلى أكل علف الحيوانات، وهذا يتطلب تحركا إغاثيا عاجلا يشمل الغذاء والدواء، حبذا لو كان شعبيا بالمواكبة مع الإغاثة الدولية، بعيدا عن سلطتي الأمر الواقع غير الشرعيتين، وفي الأماكن التي لجأ اليها النازحون خارج قبضة الفريقين المتصارعين على السلطة والثروة. (٣) اللافت هو صدور بيان من مجلس الأمن بشأن مدينة الفاشر وسقوطها في أيدي الميليشيا الإرهابية، عكس اجماعا واضحا لأعضائه ذوي المصالح المتباينة، أدان هجوم المليشيا الإرهابية على المدينة وآثاره المدمرة على المدنيين ، مشيرا إلى قراره الصادر في العام الماضي الذي طالبها برفع الحصار وعدم التصعيد ووقف القتال بين الطرفين في الفاشر وما حولها منوها للمجاعة، كما أدان البشاعات المرتكبة ضد المدنيين من إعدامات واعتقالات واعتداءات على أسس عرقية مع المطالبة بمحاسبة مرتكبيها، ودعا الطرفين المتحاربين لحماية المدنيين والقيام بإلتزاماتهما الواردة بإعلان جدة وحماية العاملين في المنظمات الإنسانية ، كذلك اكد على ان الأولوية هي لانخراط الأطراف في تفاوض يقود لوقف شامل لإطلاق النار وعملية سياسية سودانية، وحث المجتمع الدولي على وقف التدخل الخارجي في النزاع، كما اكد على استقلال السودان ووحدة أراضيه، وجدد تأكيد رفض المجلس للحكومة الموازية التي شكلتها المليشيا الإرهابية في مناطق سيطرتها. وصدور مثل هذا البيان وبهذه السرعة، يؤكد جدية المجتمع الدولي في التدخل الفاعل في الصراع رغم تباين المصالح الذي يعيق تلك الفاعلية، وينوه إلى ان توجه الرباعية اصبح الان توجها دوليا شاملاً، بإعتبار ان جوهر موقف الرباعية هو وقف شامل لإطلاق النار مع حماية شاملة للمدنيين و سماح بمرور الإغاثة مع تركيب حل سياسي للنزاع فوق ذلك. والواضح ان المليشيا الإرهابية قد تنبهت لاهمية هذا الموقف، وردت عليه بتحرك سريع تمثل في القبض على احد عتاة مجرميها الذي ظهر وهو ينفذ إعدامات لمواطنين، وإيداعه سجن شالا، كما استبقته بتشكيل لجنة تحقيق دعا قائدها في خطاب النصر لتشكيلها، ولكن هذا بالطبع اجراء تجميلي ليس كافيا لتجميل وجهها القبيح، ولا يصلح ردا على البيان الذي جاء مفصلا وواضحا وهادما لكل أحلامها المريضة. (٤) يبقى مفقودا الموقف الموحد للقوى المدنية الذي يؤثر على مجريات الصراع. صحيح ان القوى المدنية ومنظمات المجتمع المدني ادانت فرادى ما حدث ويحدث في مدينة الفاشر، لكن ذلك غير كاف بكل تأكيد لسببين: أولهما ان الإدانة لوحدها تبقى في اطار تسجيل المواقف، وثانيهما ان اي تحرك فردي ينبني عليها يبقى محدود الأثر. ومن المعلوم ان الانقسام السياسي بين قوى التسوية الإصلاحية وقوى التغيير الجذري الثورية، يعيق النشاط الموحد للقوى المدنية كتنظيمات سياسية، لكنه لا يجب ان يعيق عمل منظمات المجتمع المدني كمنظمات حقوق الإنسان ومنظمات دعم الثورة بالخارج ، وتنظيم فعاليات جماهيرية كالمظاهرات في العواصم المؤثرة ذات الأهداف المشتركة كوقف الحرب وحماية المدنيين، وجمع وتوصيل مواد الإغاثة، وتوفير الدعم الإنساني والإغاثي للنازحين وكل متطلبات العون الإنساني، ورفع المذكرات للمنظمات الدولية، وتكوين الأجسام المهنية المتخصصة لمطاردة المجرمين وملاحقتهم في الخارج . فمنظمات المجتمع المدني منظمات جماهيرية تعمل وفقا لاهدافها، تسييسها يهزم تلك الأهداف حتى وان كانت متصلة بالسياسة. والمطلوب هو سعة أفق تسمح بتكوين اجسام فاعلة في مجال العمل الإنساني والاغاثي وحماية المدنيين، بعيدا عن رغبة التسوويين في الانخراط الشامل في مشروع المجتمع الدولي، مع مرونة من الجذريين تسمح بالاستفادة مما هو جيد وضروري في موقف المجتمع الدولي دون خضوع لارادته ودون تبعية. وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!! 31/10/2025
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة