«استعادة الثورة لا تكون بتكرارها، بل بتصحيح مسارها… وكفانا أجيالًا كتبت فأعتمت! صدقوني، نحن في زمنٍ صار فيه بصيص النور هو العتمة نفسها.»
د احمد التيجاني سيد احمد
لقد أثبتت التجارب أن الثورات، مهما بلغت من زخمٍ وشجاعة، قد تُهزم إذا أُديرت بالقطاعي أو بالرغبات الآنية.
ومن هنا تبدأ الحكاية: خطأ عام ٢٠١٩ لم يكن في الثورة نفسها، بل في الطريقة التي أُديرت بها بعد سقوط النظام. حين وقّعت قوى الحرية والتغيير (قِحت) اتفاقها مع اللجنة الأمنية الكيزانية، كانت تظن أنها تؤسس لانتقالٍ سلمي، لكنها في الواقع منحت الحركة الإسلامية فرصة لإعادة إنتاج نفسها داخل مؤسسات الدولة، فانقلب المشهد، وضاعت البوصلة، وتراجعت الثورة إلى مربّع المناورات.
الثورة لا تُدار بالقطاعي ولا بالتجزئة، بل برؤيةٍ كلية تنبع من وعيٍ جمعيٍ جديد. لقد صمد السودانيون في الستينات والتمانينات، لكنهم لم ينجحوا في بناء الدولة التي حلموا بها، لأن كل انتفاضة كانت تُخطف بعد لحظة الانتصار.
وها نحن اليوم نواجه اللحظة ذاتها، إما أن نتعلّم من أخطاء الماضي ونمضي نحو التأسيس أو نكرر دورة الصمود دون عبور.
اليوم، وبعد كل هذه التجارب المريرة، لا سبيل أمام السودان الموحد إلا طريق التأسيس - طريقٌ واضح يقوم على هدم منظومة العنف القديمة وبناء دولة جديدة على أسس العدالة والمواطنة.
الأمل الوحيد لبناء سودان جديد سلمي و متقدم و قادر علي استغلال طاقاته و امكانياته و موارده الغنية يتمثل في القضاء على قوات البرهان والمليشيات الإسلامية التي تلطخت أيديها بدماء الأبرياء، وفي إقامة دولة التأسيس التي تضع القوانين والدساتير مكان البنادق، والمؤسسات المدنية محل المليشيات، والعدالة بدلاً من الانتقام.
من أهم مبادئ هذه الدولة المرتقبة منع العنف والتعدي على المدنيين، وضمان حرية الحركة والإغاثة.
وكما سمحت قوات الدعم السريع بعد تحرير الفاشر للمدنيين بالخروج و بالانتقال الآمن، فإنها ستواصل فتح الطرق أمام العزل والنازحين للوصول إلى الغذاء والدعم الصحي، في إطارٍ منضبط تحكمه توجيهات حكومة التأسيس.
لقد أثلج صدورنا خطاب القائد الرئيس محمد حمدان دقلو (حميدتي) بعد تحرير الفاشر، إذ أقرّ بوقوع تعديات وأخطاء، وأعلن عن انشاء لجان تحقيق فورية يتبعها القصاص.
إنّ هذا الاعتراف بالشجاعة والمحاسبة هو ما يميّز مشروع التأسيس عن الأنظمة السابقة.
ومن هنا، نوجّه نداءً واضحًا إلى المجتمع الدولي: لا تتجاهلوا هذه الحقائق، ولا تستسلموا للأكاذيب التي تروّجها ماكينة إعلام الكيزان. إنّ السودان الجديد يولد الآن من قلب المعركة، من رحم الاعتراف بالخطأ والإصرار على العدالة.
أنا على يقينٍ تام أن حكومة التأسيس مصممة على القضاء الكامل على الحركة الإسلامية سياسيًا وعسكريًا وفكريًا، ليس انتقامًا، بل تحريرًا للدين والوطن من عبث المتاجرين بهما. ًوسيتوحّد السودان من جديد تحت رايةٍ واحدة، على يد القائد محمد حمدان دقلو، كما توحّدت سوريا بعد حرب مدمرة على يد أحمد الشرع، لا بالعنف بل بالتوافق على مشروع وطني جامع.
إنّ مشروع التأسيس ليس مغلقًا، بل هو بابٌ مفتوح لكل من يريد أن يبني السودان الجديد- من التحالفات المدنية إلى المبادرات الشعبية. . فالتأسيس ليس تنظيماً محدوداً، بل رؤية وطنية كبرى تستوعب الجميع، وتستند إلى دستورٍ واضح ينظم عمل الدولة ويحمي كرامة المواطن، ويؤسس لمرحلةٍ جديدة يكون فيها الولاء للوطن لا للحزب أو الطائفة أو القبيلة.
بهذا الطريق وحده يمكن للسودان أن يخرج من دائرة الدم إلى فضاء الحياة، ومن ظلام الكيزان إلى نور العدالة والسلام.
د. أحمد التيجاني سيد أحمد قيادي مؤسس في تحالف تأسيس ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٥ – روما، إيطاليا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة