تعيش مدينة الفاشر السودانية واحدة من أكثر اللحظات ظلاما في تاريخها الحديث، حيث اجتاحت قوات تحالف ميثاق نيروبي المعروف باسم تحالف تأسيس، المدينة يوم الجمعة 25 من أكتوبر 2025، في عملية عسكرية دموية حصدت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين الأبرياء، وخلّفت دمارا غير مسبوق في البنية الاجتماعية، وقوضت كل أسس العيش المشترك بين أبناء الطيف الدارفوري. هذا التحالف المتعدد الأطراف، المنهمك في تحقيق أهداف سلطوية ضيقة وقائمة على الاحتقار العنصري المرضي، جسّد نموذجا صارخا لأفشل وأخطر التحالفات العسكرية والسياسية في تاريخ السودان المعاصر، إذ ساق خلفه سلسلة هائلة من الجرائم: التطهير العرقي، الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب ضد القبائل غير العربية، المعروفة اصطلاحًا بقبائل الزُرقة. عزيزي القارئ.. يمثل تحالف تأسيس، خليطا قذرا من الفصائل المسلحة، التنظيمات الحزبية المنافقة، والمنظمات الواجهة التي تبرر الإجرام وتسوق له تحت غطاء الشعارات الواهية. هذا التحالف نبتة شيطانية خرجت من رحم الصراعات القبلية والجهوية، واستثمرت في إشعال نيران الكراهية والتفكك الاجتماعي، ليصبح الفاشر حقل تجارب لسادية هذا التحالف وأطماعه الدموية ما حدث في الفاشر، ليس سوى تكرار بشع لممارسات الجنجويد وعصابات الحكومة السابقة، لكن هذه المرة جاء تحت يافطة سياسية جديدة، ترفع شعارات التغيير والعدالة الانتقالية، بينما تدوس على جماجم الأبرياء وتقتات على أشلاء النساء والأطفال في وضح النهار. إن تحالف تأسيس، بجميع أطرافه العسكرية والحزبية والتنظيمية، يتحمل المسؤولية الكاملة جنائيا وأخلاقيا عن الجرائم المروعة التي وقعت في الفاشر، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم، ولا تغسلها بيانات التبرير ولا محاولات التسويف أو التضليل الإعلامي. عندما نزج بمجموعة بشرية في أتون الموت الجماعي، لمجرد هويتها العرقية، فنحن إزاء جريمة تطهير عرقي موصوفة، لا تحتمل التأويل أو التهوين. لقد استهدفت قوات تحالف تأسيس أبناء قبائل الفور، الزغاوة، الميدوب، البرنو، وغيرهم من أبناء الزُرقة بمنهجية تختلف عن القتال التقليدي، حيث تحولت العملية العسكرية إلى انتقام عنصري فج، لا يفرق بين مسالم أو محارب، ولا بين رضيع أو شيخ. كل القرائن والشهادات الميدانية تؤكد أن عناصر هذا التحالف أقاموا نقاط تفتيش على مداخل ومخارج الأحياء، حددوا قوائم للقتل على أساس الانتماء القبلي، وزعوا القتل والاغتصاب والتعذيب على أساس بطاقة الهوية. لم يكن الهدف سحق مقاومة عسكرية، بل كان المطلوب تصفية وجود مجتمعي كامل، فرض سيادة واحدة مفروضة بالقوة النارية، وطمس ذاكرة الجماعة المستهدفة، في أبشع صور جرائم الهوية في العصر الحديث. ما حدث في الفاشر يرقى، بلا تردد، إلى جريمة إبادة جماعية كما وصفها قانون روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، فقوات التحالف بكل تشكيلاتها القتالية والمخابراتية مارست أفعالا تستهدف اقتلاع جماعات عرقية من جذورها، عبر القتل الجماعي، وحرق الأحياء، وتدمير مصادر العيش، بالإضافة إلى التضييق المتعمد على منعهم من الخروج من المدينة. ولم تتوقف الجريمة عند حدود الاستخدام الفظ للقوة، بل اتخذت أشكالا أعمق، بدءا من حصار ممنهج لكل أحياء الزُرقة، ورفض مرور وسائل الإغاثة، وصولا إلى تصفية رموز المجتمع المدني المحلي، وردم كل منافذ الحوار، بما يعكس رغبة واضحة في إنهاء وجود هذه الجماعات ديموغرافيا وثقافيا. إن تحالف تأسيس تحوّل، في هذه اللحظة السوداء، من فاعل سياسي إلى ماكينة إبادة لا تعرف حدود الرحمة ولا ضوابط القوانين البشرية والدولية. عزيزي القارئ.. لا يمكن الحديث عن جرائم التحالف دون الوقوف عند انتهاكاته الواضحة لقوانين الحرب وقواعد القانون الدولي الإنساني، إذ عمدت قواته إلى استهداف المستشفيات، ودور العبادة، والمدارس، ومخيمات النزوح، مرتكبة بذلك جرائم حرب صارخة تشمل استخدام كل أنواع الأسلحة، والاعتداء على الطواقم الطبية، ومنع الإخلاء الإنساني. وفي ظل غياب المحاسبة المحلية والدولية، تواصلت الميليشيات المرتبطة بتحالف تأسيس في عمليات نهب منظمة لكل ما يقع في أيديها، وساقت المدنيين العزل إلى معسكرات التعذيب، حيث تجرى انتهاكات متواترة للكرامة الإنسانية، سلخًا واغتصابًا وقتلاً بلا أدنى اكتراث لمسؤولية تاريخية أو قانونية. وفقًا لكل المواثيق الدولية، بدءا من اتفاقية جنيف وصولا إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن الجرائم المرتكبة في الفاشر تضع قادة وفاعلي تحالف تأسيس أمام مساءلة جنائية لا تقبل الجدل، والتذرع بأنهم ينفذون أوامر عسكرية، ليس سوى هراء لا معنى له أمام هول الجرائم. يجب على المؤسسات القضائية المحلية والإقليمية والدولية أن تلاحق هؤلاء المجرمين بلا هوادة، بدءا من قادة التحالف العسكريين والحزبيين وصولا إلى الداعمين الإعلاميين. عليهم أن يمثلوا أمام العدالة كمجرمي حرب، مدانين بالتواطؤ العلني والمباشر في جرائم إبادة ضد الإنسانية. لقد آن الأوان كي يدفع تحالف تأسيس ثمن جرائمه، وعلى المجتمع الدولي أن ينتزع هذه الحصانة المصطنعة، ويضبط هؤلاء القتلة أمام قوس العدالة، مهما طال الزمان أو دارت عجلة السياسة. لا تقتصر المسؤولية على الجانب القانوني فقط، فالأخلاق الإنسانية تفرض على كل القوى الفاعلة في السودان والمنطقة أن تلعن تحالف تأسيس وجميع أطرافه، وتضعهم في كفة واحدة مع أسوأ الأنظمة الإجرامية في التاريخ. لقد دمرت هذه العصابات سياج الثقة الاجتماعي، وأعادت إنتاج ثقافة الحقد والانتقام، وفتحت الباب لمزيد من دوامات الكراهية التي ستأكل ما تبقى من أمل في الأجيال القادمة. الصمت على هذه الجرائم عار أخلاقي على كل من شارك أو سكت أو برر، وعلى المنظمات الحقوقية المحلية والدولية أن تعلن موقفا واضحا لا يقبل التدليس أو المواربة. إن تطبيع العلاقات السياسية مع هؤلاء المجرمين أو تلميع صورتهم، هو تواطؤ غير مقبول وتكرار لمهزلة المجتمع الدولي في رواندا ويوغوسلافيا وسوريا وغيرها. مسؤولية المثقفين والسياسيين والإعلاميين أن يفضحوا هذه العصابة، ويصنعوا من مأساة الفاشر منبرا للصراخ في وجه العالم بأسره. من المسؤول.. قائمة العار السوداء؟ عفن الجريمة في الفاشر هو نتيجة مباشرة لتحالف يتكون من: قيادات عسكرية مهووسة، تتحكم في الميليشيا وترسم خطط الاجتياح دون رحمة. قيادات حزبية انتهازية، تغلف الجريمة بخطاب سياسي مضلل وتلهث وراء نصيبها في السلطة. منظمات كواجهة، تدعي العمل الإنساني بينما تبارك حصار القرى وطمس الحقائق. إعلاميون مأجورون، يضخمون خطاب الكراهية ويوزعون الأوهام على البسطاء. جميع هؤلاء شركاء في الدم، وكلهم مدانون أمام التاريخ الجماعي للشعب السوداني، ولن ينجوا من المساءلة مهما طال الزمان أو تغيرت الظروف. عزيزي القارئ.. العدالة ليست فقط محاكمة القتلة، بل هي أساس إعادة بناء السودان على أسس احترام الحقوق والكرامة الإنسانية. يجب تأسيس لجان تحقيق مستقلة دولية ومحلية، لجمع الأدلة ومتابعة الضحايا، وإنشاء سجل كامل لكل المجازر التي ارتكبها التحالف في الفاشر وغيرها من مدن دارفور، ويجب ألا تكون منابر المنظمات الحقوقية أبواقا بلا أثر، بل يجب فرض عقوبات صارمة وحظر دولي على قادة التحالف، حتى يدرك الجميع أن عهود الإفلات من العقاب قد انتهت إلى غير رجعة. نسيان الفاشر، هو خيانة للضحايا وخيانة لمعنى الإنسانية ذاتها، ويجب أن تبقى هذه المأساة حية في ضمير السودان وكل الأحرار، جرس إنذار ضد عودة التحالفات الدموية تحت أي شعار أو راية، وعلى القوى الديمقراطية والشباب والمستقبل أن يتعلموا الدرس جيدا بأن لا تحالف مع القتلة ولا تبرير للدم، لا تصالح مع الإجرام ولا مغفرة لمن أسسوا معسكرات الموت الجماعي. تحالف ميثاق نيروبي المسمى بتحالف تأسيس، بجميع مكوناته العسكرية والحزبية والمنظماتية، هو مسؤول مسؤولية جنائية وأخلاقية كاملة عن جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية ضد القبائل غير العربية أو قبائل الزُرقة في مدينة الفاشر. لن يسقط حق الضحايا أبدا، ولن ينجو الجناة من المحاسبة التاريخية والقانونية، وسيظل هذا التحالف عارا أبديا على جبين المنظومة السياسية السودانية، وعبرة لكل شعب أراد الحفاظ على كرامته الإنسانية وصون ذاكرته الجمعية من التلاشي. على الجميع أن يحمل راية العدالة، ويوقف مسار التوحش السياسي، ويبني مستقبلا تنتهي فيه التحالفات القذرة إلى مزبلة التاريخ، ويشرق فيه نجم الإنسانية من جديد في سماء السودان الجريح. ************* في الختام.. وبينما ما زالت أنفاس الفاشر مختنقة بغبار الدمار، ولم يجف بعد صدى صرخات الجمعة الدامية 25 أكتوبر 2025، تقف البشرية كلها على حافة هاوية الإدانة الصامتة. إن ما حدث ليس مجرد فصل مظلم في سجل الحرب، بل هو جرح غائر في جبين الإنسانية، ووصمة عار أبدية ستلاحق كل من تواطأ أو سكت أو برر. تحالف تأسيس لم يقتل أفراداً فحسب، بل اغتصب الأمل، وطعن الذاكرة الجمعية، وحرق جسور التعايش، ليترك خلفه إرثاً من الدم والكراهية سيظل يطارد الأجيال القادمة. هذه الفظائع، بكل بشاعتها، تصرخ في وجه كل ضمير، ان المسؤولية الجنائية والأخلاقية لا تسقط بتقادم الزمن ولا تذوب في بحر النسيان. إن دماء الأبرياء التي رويت بها أرض الفاشر الطاهرة هي عهد لا ينقضي، وصك دين على أعناق كل من بيده سلطة أو قلم، أو حتى قلب نابض، فليكن صدى الفاشر صرخة ضمير مدوية، تحرم كل تسوية سياسية على حساب الدم، وتؤكد أن لا سلام يُبنى على أشلاء الضحايا، ولا عدالة تتحقق بتطهير السجل الإجرامي للمتوحشين. سيبقى تحالف تأسيس، مرادفا للخيانة العظمى للإنسانية، وستظل أفعاله شاهدا على هشاشة الضمير حينما تتغلب أطماع السلطة والعنصرية على كل قيم الحياة. إن لم يقف العالم وقفة حاسمة اليوم، لتفكيك هذه الآلة الإجرامية وتقديم قادتها للمحاسبة دون هوادة، فإننا لا نعدو كوننا نزرع بذوراً لفاشر جديد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة