الرفَّيقة مريم يوحنا.. نضال امرأة نوبويَّة كتبه الدكتور عمر مصطفى شركيان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 11-03-2025, 02:12 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-29-2025, 11:22 AM

عمر مصطفى شركيان
<aعمر مصطفى شركيان
تاريخ التسجيل: 11-01-2013
مجموع المشاركات: 147

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الرفَّيقة مريم يوحنا.. نضال امرأة نوبويَّة كتبه الدكتور عمر مصطفى شركيان

    12:22 PM October, 29 2025

    سودانيز اون لاين
    عمر مصطفى شركيان-UK
    مكتبتى
    رابط مختصر







    الدكتور عمر مصطفى شركيان
    [email protected]

    الشعب الأنغولي ما زال يتذكَّر الملكة آن نزينغا، وهي تلك المناضلة التي وردت سيرتها في سفر "تدمير حضارة السود: قضايا العرق العظيمة من 4.500 ق. م. إلى 2.000م)"، للمؤلف تشانسلر وليامز، الصادر العام 1974م. ذلكم الكتاب يمثِّل تحفة في التاريخ السياسي لقارة إفريقيا، ثمَّ إنَّه هو الكتاب الذي أهداه لنا القائد الرَّاحل يوسف كوَّة مكِّي في مدينة ليدز البريطانيَّة في آذار (مارس) 2001م، وطلب منا أن نعمل منه شيئاً أمثوليَّاً لفائدة الأجيال الصاعدة في السُّودان. كان يوسف يحثنا على هذا الطلب الملحاح وهو يتأوه ألماً من السقم العضال الذي أودى بحياته. رحم الله يوسفاً فقد وفَّى بعهده، وقضى نحبه، ولقي ربَّه، وتأسَّينا على رحيله الباكر أسى شديداً مع إنا قد وطَّنا أنفسنا أن نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا بذوينا الأقربين. أقول عوداً على بدء إنَّ الملكة نزينغا هي الجنرال الإستراتيجي التي قادت جيوش وطنها بنفسها لمواجهة قوَّات الغزاة البرتغال، حتى شاع ذكرها البطولي في مشارق الوطن ومغاربه. كان هدفها الرئيس هو القضاء الكامل على تجارة الرِّق التي أخذ يمارسها النَّخاسة البرتغال دون هوادة، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف النبيل طوَّرت نظاماً حيث أمست تسرِّب جنودها السود في الجيوش البرتغاليَّة، مما أحدث تمرُّداً كاملاً وسط سرايا العدو، وانشقاقهم والتحاقهم بجنودها في حرب التحرير. كانت ضحايا البرتغال كبيرة أكثر مما كانوا يقرُّون، لأنَّها كانت تداهمهم بسرعة البرق بإغارات مفاجئة، وكانت تهدف دوماً إلى اغتنام البنادق والمدافع. لقد تنفَّس البرتغال الصعداء بعد أن توفيت الملكة نزينغا العام 1663م، وذلك بعد أن قاتلتهم بضراوة، وهي تحاول تحرير أنغولا من الاستعمار البرتغالي.
    في العام 2014م كتبنا مقالاً موسوماً "عندما يكون الجنرال امرأة سوداء"، وتمَّت إذاعته في النَّاس بواسطة الصحف الإلكترونيَّة آنذاك، ثمَّ نشرناه فصلاً مقروءاً في كتابنا المعنون "بطولات وملامح من الأدب الإفريقي"، الصادر في لندن في ذلكم العام. إذاً، ماذا فعلت تلك السيِّدة السوداء من أعمال خالدة حتى خصَّصنا لها مقالاً لخَّصنا فيه مآثرها التي أمست آثاراً باقية؟ كان المقال يجسِّد ما قامت به الأمريكيَّة ذات الأصول الإفريقيَّة هارييت توبمان (1822-1913م) من أعمال ماجدة، وبطولات خارقة، في المساعدة في تهريب الرَّقيق من الولايات الجنوبية التي كانت ترفض تحرير الرَّقيق إلى الولايات الشماليَّة وكندا، حيث كانتا قد ألغتا تجارة الرِّق. إزاء ذلك نالت هارييت حظاً واسعاً من الشهرة، ونصيباً وافراً من القبول، وذلك لارتباطها بظروف ومواقف بعينها، ولصدقها العاطفي والإنساني معاً، مما جعل النَّاس تتناقل أخبارها جيلاً بعد جيل، وبدأت شهرتها تذيع بين النَّاس، وتردِّدها الألسنة صباحاً ومساءً.
    علاوة على ذلك، هل أخبركم عن إحدى المناضلات الإفريقيات الخوالد! إذاً، من تكون هي؟ إنَّها الآنسة ميريام ماكيبا. كانت زينزيل ميريام ماكيبا (1932-2008م)، الملقَّبة ب"ماما أفريكا"، مغنية ذائعة الصيت من جنوب إفريقيا، وكاتبة أغاني، وممثِّلة، وسفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة، وناشطة في الحقوق المدنيَّة كانت، ثمَّ مناهضة ضد نظام الفصل العنصري (الأبارتهيد)، وحكومة الأقليَّة البيضاء في جنوب إفريقيا. كانت ميريام قد احترفت موسيقى العالم، وهي نوع من الموسيقى والغناء والرَّقص ذي البعد العالمي، ويضم هذا النمط الموسيقي مجموعة كبيرة من الموسيقى الفولكلوريَّة والقوميَّة لمختلف البلدان والشعوب والقوميَّات، وذلك مع الحفاظ على العناصر الأساسيَّة للموسيقى والآلات التقليديَّة للشعوب. في العام 1959م اشتركت ماكيبا في فيلم مناهض للأبارتهيد باسم "عودي يا إفريقيا"، وهو ذاك الفيلم الذي وضعها في مصافٍ عالمي. وماكيبا هي التي قدَّمت شهادة ضد حكومة جنوب إفريقيا في الأمم المتحدة، ومن ثمَّ انخرطت في حركة الحقوق المدنيَّة. حين تزوّجت زعيم حزب الفهود السود العام 1968م ستوكلي كارمايكل هجرها محبو موسيقاها البيض في أمريكا، وألغت السلطات الأمريكيَّة تأشيرة إقامتها في الولايات المتحدة حينما كانت مسافرة خارج أمريكا، حتى اضطرَّت هي وزوجها إلى الإقامة في غينيا.
    شرعت ماكيبا تؤلِّف وتلحِّن أشعارها الغنائيَّة مناهضة نظام الأبارتهيد، على سبيل المثال "انتفاضة سويتو" في 16-18 كانون الثاني (يناير) 1976م، وذلك حين انتفض أطفال المدارس في سويتو رافضين التعليم بلغة الأفريكان (الأفريكانز)، باعتبارها لغة المستعمر المستوطن الأبيض، وكانت النتيجة شروع السلطات الحكوميَّة في اقتراف مجزرة راح ضحيتها 176 طالباً وطالبة، وفي بعض المصادر 600 قتلى، وجرح أكثر من 1,000 آخرين. لم تعد إلى جنوب إفريقيا إلَّا العام 1990م، أي بعد إلغاء نظام الأبارتهيد. بعد وفاتها قال عنها الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا: "إنَّ موسيقاها ألهمت فينا جميعاً شعوراً قويَّاً بالأمل". لعلَّ خيراً ما قام به الرئيس السُّوداني الأسبق جعفر محمد نميري هو أن منحها الجنسيَّة السُّودانيَّة، وفي ذلك إقراراَ بنضالها من أجل حريَّة المواطنين الأصلاء في موطنها جمهوريَّة جنوب إفريقيا.
    ها نحن قد استهللنا الموضوع قيد الرواية بالعام من الكلام، ولكن لنعد إلى الخاص السُّوداني. هناك الكنداكة النُّوبيَّة التي، برغم من أنَّها كانت عوراء في إحدى عينيها، إلَّا أنَّها قادت قوَّاتها رماة الحدق بشجاعة منقطع النظير ضد جيوش الإمبراطوريَّة الرومانيَّة، حتى اضطرَّ الإمبراطور أغسطس أن يكتفي بأن يكون الشلال الأول في أسوان الحدود الجنوبيَّة للإمبراطوريَّة، وذلك بعد أن استطاع الحاكم بترونيوس أن يتوغَّل حتى الشلال الثاني. وقد جاء ذكر النُّوبيين في أسفار التاريخ باسم الإثيوبيين السود في السُّودان. تجدر الإشارة إلى أنَّ الكنداكة كانت تعني يومذاك المرأة العظيمة في مملكة كوش، وهي الملكة، أو والدة الملك، وكانت الكنداكات نساءً ذوات نفوذ عظيمة. إذ أنَّ الملكة أماني ريناس هي الأشهر فيهن، وهي التي هزمت الروم، وقد حكمت مملكة كوش بين النيل ونهر عطبرة في الفترة ما بين (40-10 ق. م.)، وهي الملكة الثانية في مملكة كوش، وكانت تعرف ب"الكنداكة الأم"، أو الكنداكة.
    وفي تاريخ السُّودان الحديث برز اسم مهيرة بنت عبود، التي ألهبت وألهمت أهلها الشايقيَّة، وشحذت همم المقاتلين لمنازلة الجيش التركي-المصري الغازي في السُّودان العام 1821م. وفي العام 1917م قادت مندي ابنة السلطان عجبنا مقاومة شرسة ضد القوَّات الاستعماريَّة في جبال أما (النيمانج) في جبال النُّوبة. هذا، فقد تمَّ تخليد ذكراها في المخيَّلة السُّودانيَّة باالمارش العسكري الذي تعزفه الفرقة الموسيقيَّة لقوَّات الشعب المسلحة بين الحين والآخر. وفي الرواية الشفاهيَّة أنَّها لاثت (أي لفَّت) ثوبها حول جسدها وكسرت البرمة كناية على العزم، وحملت رضيعها على ظهرها، وظلَّت تقاتل القوَّات المهاجمة جنباً إلى جنب مع أبناء جلدتها، وهي عازمة مصمِّمة كالصمصام، والصمصام هو الشخص القوي والمصمِّم والعازم على تحقيق هدفه.
    إن كنا قد تحدَّثنا عن ميريام ماكيبا أنفاً، إذاً، فدعني أدلكم على ميريام أخرى! ميريام كوجا يوحنا أنقولو امرأة نوبويَّة ولدت في قرية مفروك (مفلو) بالقرب من تالودي، من أسرة مسيحيَّة من كنيسة المسيح السُّودانيَّة (Sudanese Church of Christ) في أم دورين، وهي تتحدَّر من أسرة مكوَّنة من 13 طفلاً، حيث توفي منهم 4 في مرحلة الطفولة (ولدان وبنتان). انخرطت ميريام في الحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان العام 1986م، وسافرت إلى إثيوبيا ضمن فوج من المقاتلين والمقاتلات النُّوبة في 22 أيلول (سبتمبر) 1986م، ووصلت المجموعة إلى معسكر بيلفام في إثيوبيا في 27 كانون الأول (ديسمبر)، أي بعد أن مكثوا في الطريق والأدغال 3 أشهر و7 أيَّام حسوماً. كانوا في سفرهم ذاك، وحينما ينفد طعامهم وماؤهم، يأكلون ما جادت لهم به الطبيعة من الثمار البريَّة، وما يصطادونه من الحيوانات البريَّة، ويشربون الماء الرَّديخ، وهو الماء الذي خالطه كدرٌ وطينٌ. وفي نهار السفر كانوا يرتادون المناهل، يعبئون قربهم ليعتمدوا عليها في أكلهم وشربهم، وإذ تذكر محدِّثتي الرَّفيقة ميريام في لقاء هاتفي معها في أوروبا في صيف العام 2025م أنَّهم مرَّات ومرَّات شربوا من المناهل غب السيول التي مرَّت بالوديان، وجرفت معها مخلَّفات الطبيعة، وقذفت بها في الآبار، ولم يقولوا آنذاك لا نستقي حتى يزول الطعم من الماء، لأنَّهم حمدوا الله لأنَّهم وجدوا ماءً، ولم يجدوا غوراً. وإذا كانت الأرض قد سقاها الله من رحمته غيثاً وابلاً سحاً غدقاً، فلِمَ لا يشربوا منه. كل ذلك كانت الرِّفيقة ميريام تستحضره، وتعيش فيه، وتتفاعل معه.
    قبل وصول المجموعة إلى منطقة فارينق كانوا قد قضوا يوماً كاملاً بدون ماء، وبعدئذٍ استطاعوا أن يعبروا فيضانات الجنوب قبل الوصول إلى فارينق. وبما أنَّ السرية كانت مكوَّنة من ثلاث فصائل (كل فصيلة بها 33 مجنَّداً ومجنَّدة)، لم يعرف أي منهم ممارسة العوم، ولا غرابة في ذلك لأنَّ النُّوبة من سكان الجبال وليس البحر، لذلك قلَّما تجد نوبويَّاً يعرف العوم ناهيك عن إجادته. اشتملت الفصائل – فيما اشتملت – على 6 فتيات و2 نساء كبار في السن. كان المجنُّدون يحملون من الزاد الفول المسحوق والسمسم المسحوق والكسرة اليابسة والفول والسمسم غير المسحوق. بعد ثلاثة أيَّام من وصولهم فارينق وجدوا بها ثلاث كتائب هي كتيبة مرمر وبيلفام وكازوق.
    إذ قضت الفصائل يومين في فارينق؛ من فرط تعبهم أخذ الجند يغطُّون في سباتٍ عميق في مضاجعهم، لا تسمع نأمة ولا حسَّاً، إلَّا أنفاس الحرَّاس، والنأمة هي الصوت الضعيف أو الخفي. بعد ذلك تحرَّكت المجموعة مشياً كما كانوا منذ البدء إلى حدود مدينة بانتيو في محافظة الوحدة في جنوب السُّودان، وقضوا الليلة على ضفاف النهر، ومن ثمَّ عبروا النهر في اليوم التالي بواسطة المركب الذي صنعه الجنوبيُّون من الأعشاب، هكذا استخدموه في سبيل العبور، ونقل الإمدادات العسكريَّة إلى الشاطئ الآخر. ومن الضفة الأخرى استمرَّت الفصائل في سيرها نهاراً، وحين جنَّ الليل قضت ليلتها في فاجاك وهي قرية من قرى قبيلة النوير. وفي اليوم التالي واصلت الفصائل سيرها حتى التحقت بكتيبة من الجيش الشعبي لتحرير السُّودان كانت تسبقهم، وقضت كل الفصائل والكتيبة ليلتهم في قرية أخرى من قرى النوير. وفي نهاية هذه القرية النويريَّة حدث اشتباكٌ مسلَّح بين الكتيبة إيَّاها وبين ميليشيات النوير، حيث فقد الجيش الشعبي جنديَّاً واحداً إثر تلك المعركة.
    تحرَّكت الفصائل النُّوبويَّة مشياً مرَّة أخرى حتى وصلت إلى حفائر المياه في حوالي الساعة السابعة مساءً، وقضت الليلة في تلك المنطقة، ثمَّ تحرَّكت في مساء اليوم التالي في الساعة السادسة مساءً، وذلك بعد أن استراحت المجموعة من وعثاء السفر، وإرهاق السير. بعد ذلك وصل أفراد الفصائل إلى صحراء بيبور الواسعة، وكانوا قد أنهكم الظمأ، وأتعبهم تعقُّب الآل، وكلمة الآل تشير إلى السراب أو إلى ما يظهر في الأفق، حيث عبروا تلك الأرض الشاسعة في يوم ونصف اليوم، وبعدئذٍ وصلوا بقعة حيث قضوا فيها ليلتهم. تجدر الإشارة إلى أنَّ بيبوراً منطقة صحراويَّة جرداء قفراء. كانت الفصائل بعد عبورها النيل قد تمَّ تقسيمها إلى ثلاث مجموعات: الفصيلة الأولى بقيادة المرحوم مبارك شرف الدين، وهي المجموعة التي عبرت إلى بور، واستقلت العربات المتجهة إلى معسكر الجيش الشعبي في ديمة. الفصيلتان الثانية والثالثة قطعتا النهر في المساء، حيث لم تستطع اللحاق بالعربات، التي كانت قد تحرَّكت قبل وصولهم على أيَّة حال. منذئذٍ تمَّ تقسيم الفصائل إلى اثنين، حيث تمَّ تدريب فصيلة في ديمة. في معسكر التدريب في ديمة توفيت الرَّفيقة حليمة يعقوب بسبب مرض الملاريا. كانت وفاة الرَّفيقة حليمة من ضمن المحن التي ألَّمت بالمجنَّدين في رحلتهم، فتألَّم الرِّفاق من هول هذه الزعازع، وبكت عليها الرَّفيقات بالعيون الدوامع.
    أما المجموعة الأخرى فقد سارت مشياً بالأقدام كالعادة حتى وصلت معسكر بيلفام بعد أسبوع تقريباً. في بيلفام أخذت فترة التدريب ثلاثة أشهر، أي من كانون الأول (ديسمبر) 1986م إلى آذار (مارس) 1987م، وقد تمَّ تحريج هذه الدفعة في آذار (مارس). إذ تمَّ حفل التخريج وتسليم السِّلاح في بونقو بإثيوبيا، وهناك التقى الخريجون بالقائد يوسف كوَّة مكِّي، ورئيس الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السُّودان الدكتور العقيد جون قرنق دي مبيور. بعد أداء مراسم التخريج والتسلُّح عادت الفصائل بالعربات إلى بيبور، والتحقت بها المجموعة التي كانت قد تدرَّبت في ديمة، وهي تلك المجموعة التي تمَّ تخريجها وتسليحها في بيبور، حيث كان قد تمَّ تخريجهم بواسطة القائد يوسف كوَّة مكِّي والقائد كول منيانق جوك، والأخير من أبناء دينكا بور، وكان هو القائد المسؤول عن منطقة بور.
    ثم انتقلت تلك الفصائل المتخرجة حديثاً بالعربات حتى وصلت مدينة بور، ومن ثمَّ عبرت المجموعة باستغلال مركب واحد في رحلتين إلى لير، حيث انتظرت المجموعة الأولى المجموعة الثانية، وعن طريق السير بالأقدام وصلت الفصائل فارينق، وذلك بعد أربعة أيَّام حسوماً لأنَّ الحمل، الذي كان يحمله الجنود، كان ثقيلاً من عتاد عسكري (أسلحة وذخيرة)، ومؤن غذائيَّة. مكثت الفصائل سبعة أيَّام حسوماً في فارينق، وبعد تجهيزهم بالمؤن الغذائيَّة تحرَّكت المجموعة إلى جبال النُّوبة بواسطة كتيبة البركان، وذلك على يد القائد ماقير ويوسف كوَّة مكِّي كقائد ثاني، حيث مرَّت الكتيبة بمنطقة إيدا في ولاية الوحدة، وقضت الليلة في غابتها قبل الوصول إلى البرام في جبال النُّوبة.
    من هناك دخلت الكتيبة منطقة ليريديف (بين طمطم وطالبولي)، وواصلت الكتيبة مشيتها حتى وصلت الرملة، وهي منطقة يقطنها مواطنو تيرا وتوجو. هناك تعرَّضت الكتيبة لهجوم من قبل الجيش الحكومي الذي كان متواجداً في معسكر تالودي، حيث دارت معارك شرسة لمدة 3-4 دقائق، دون خسائر بالغة، ولكن تعرَّض جنديان لجروح خفيفة. تمَّ طرد الجيش الحكومي حتى منطقة طمطم، وبعدئذٍ واصلت الكتيبة مسيرتها إلى سرف جاموس، حيث قام باستقبالهم القائد يوسف كرَّة الذي كان على قيادة كتيبة صعوبات، التي كانت مكوَّنة من أبناء النُّوبة الذين خرجوا من الخرطوم والتحقوا بالحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان في إثيوبيا، حيث كان قد تمَّ تدريبهم في معسكر بيلفام، ومن هؤلاء الرِّفاق بوليس شعير، وإبراهيم ملفا، وماركو توتيلو، ودانيال جبنة. هؤلاء كانوا في الرئاسة في جبل أشرون، ولكنهم حين سمعوا أصوات الرصاص أدركوا أنَّ الكتيبة القادمة أضحت تطلق الرصاص إعلاماً بوصولها، وإزاء ذلك هبطوا من الجبل لاستقبال أفرادها في سرف جاموس.
    ومن بعد التحمت الكتيبتان، أي كتيبتي البركان وصعوبات، وخاضتا العمليات العسكريَّة سويَّاً ضد قوَّات الحكومة. إذ كان يقوم بحراسة تلك المنطقة أحد عملاء الحكومة، حيث تمَّ القبض عليه ومحاكمته في منطقة تيرا (شيري)، واستطاع حرَّاسه الخمسة الهروب إلى أم دورين. بعد مكوث سبعة أيَّام في الرئاسة العسكريَّة للمنطقة تمَّ ابتعاث مستجدِّين للتدريب في إثيوبيا، وكانوا حوالي 3.000 مستجدَّاً. الجدير بالذكر أنَّ من مهام كتيبة البركان التي وصلت إلى جبال النُّوبة تجنيد الشباب في الجيش الشعبي لتحرير السُّودان، والقيام بالتنوير السياسي للمواطنين في جبال النُّوبة. بعد شهر – أو شهرين فيما تذكر محدِّثتي – تحرَّك المستجدُّون إلى إثيوبيا على نفس الطريقة الأولى التي ذهبت فيها الفصائل السابقة، وبقي بعضٌ من المجموعة في الجبال، وانتظرت ميريام مع المستجدِّين حتى تمَّ تدريبهم العام 1988م، وتخرَّجوا العام 1989م، ثمَّ عادوا إلى الجبال كقوَّة مقاتلة ضاربة. بعدئذٍ استقرَّت قوَّات الحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان في جبال النُّوبة، وقامت بالبرنامج السياسي لتأسيس الحكومة فيها.
    تقول محدِّثتي في هذه الرواية النضاليَّة ميريام كوجا بأنَّها اشتركت في العمليات العسكريَّة في سرف جاموس، وهي في رتبة ملازم أول، وذلك في الفترة ما بين (1990-1991م)، وفي عملية كوارتين في كركراية في منطقة المورو العام 1992م. هنا تجدر الإشارة والإشادة معاً بأنَّها حين اشتركت في العمليات الحربيَّة في كركراية تركت طفلتها الرضيعة البالغة من العمر شهرين فقط مع والدتها، وهي تلك الأثناء التي بات فيها نظام الإنقاذ يستخدم القوَّة بأقسى صنوفها ضد المعارضين السياسيين، ويبذل بسخاء على أصحاب الدنيا، بعد أن اشتراهم وأغدق لهم العطاء. إذ أنَّ القسوة الحقيقيَّة لم تكن في العنف المادي فحسب، بل في الخداع المعرفي، حيث حاولوا إقناع الإنسان السُّوداني بمنطق ديني قوامه المجاهدة التي لا تقبل المجادلة بأنَّ السلطة الإنقاذيَّة سوف تكون سماويَّة نبيلة، لكنها كانت قناعاً لأطماع أعمق، وغنيمة لهم أخذوها بأسلوب أفظع. الدين، إذاً، كان بوابة الصراع الوجودي حول السلطة، متخفياً وراء قناع القداسة، حيث تمَّ استخدام القداسة الدينيَّة لتبرير الهيمنة السياسيَّة، وأثبتت السلطة قدرتها على تسخير الخطاب الديني لخدمة أهداف خبيثة بما فيه القتل باسم الجهاد في سبيل الله. لقد أثبت جان فرانسوا ليوتار في نقده للروايات الكبرى بأنَّ الخطابات الكبرى – دينيَّة كانت أم سياسيَّة – تنتج شرعيَّة زائفة تخدم مصالح محدَّدة. فالرواية الكبرى في السُّودان كانت – وما تزال – تقول إنَّ السُّودان لمستهدف من قبل دول الاستكبار والاستعمار والصهيونيَّة؛ كذلك كانت الرواية الكبرى – أو بالأحرى نقل الفرية الكبرى – هي ما أسموه رجال الإنقاذ ب"المشروع الحضاري"، الذي لم يكن سوى شعار لإخفاق الحقائق المحليَّة.
    على أيَّة حال، عادت ميريام إلى مركز الرئاسة في شينغارو في منطقة تيرا لُمون، وبعد ذلك ذهبت إلى منطقة البرام العام 1994م، ثمَّ انتقلت إلى منطقة أخرى، ثم إلى لويري في كاودا. ها نحن إذ نكتب عن مسيرة وسيرة هذه المرأة النُّوبويَّة المناضلة الباسلة بعد هذا التطواف النضالي، والتي قد لا تعرف عنها الأجيال المعاصرة شيئاً إلا لماماً، وذلك حتى نخلِّد ذكراها في بسالتها، ونعتز بمجدها الطارف والتليد.
    بعد أن أسَّس القائد يوسف كوَّة مكِّي الإدارة المدنيَّة في إقليم جبال النُّوبة العام 1992م تمَّ تكوين اتحاد النساء في المناطق المحرَّرة، وتمَّ تعيين ميريام كوجا رئيسة للاتحاد. وفي العام 2008م عادت ميريام إلى الجيش الشعبي، لكنها ما لبثت أن قفلت راجعة إلى العمل المدني تارة أخرى في ظل حكومة الوحدة الوطنيَّة بين المؤتمر الوطني من جهة، والحركة الشعبيَّة من جهة أخرى، حيث تمَّ تعيينها مستشاراً لشؤون المرأة لوالي جنوب كردفان أحمد محمد هارون، ونائب الوالي القائد عبد العزيز آدم الحلو، وذلك في الفترة الوجيزة ما بين (2009-2011م)، ومن ثمَّ عادت العدائيَّات مرة أخرى إلى جبال النُّوبة في 6 حزيران (يونيو) 2011م بين حكومة المؤتمر الوطني من ناحية، والحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان – شمال من ناحية أخرى. أما في الفترة ما بين (2013-2014م) فقد تمَّ تعيينها في اللجنة السياسيَّة العليا في الحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال.
    لعلَّ ميرياماً تمثل جزءاً من النساء النُّوبويَّات البواسل اللواتي انخرطن مع هؤلاء الرجال الأشدَّاء الأقوياء الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل كرامة إنسان النُّوبة خاصة، والسُّودان عامة. مثل ميريام وغيرها لهم في النُّوبة خصوصاً، والسُّودان عموماً المحل الأعلى شرفاً وسؤدداً وافتخاراً. فهي امرأة نازلت جيش الإنقاذ حتى خَزِمت شوكته، أي كسرته، ثمَّ إنَّها لامرأة استكفاها القوم فكفتهم. وقفت ميريام موقف الشجاعة مع نفسها، فلم تأخذها الدنيا في شكيمتها، وقد وقفت تحارب مظاهر السلطة الغشوم جنباً إلى جنب مع الرجال الصناديد. إذ خاضت تلك المعارك الشعواء الآنف الذكر في وقت كانت سلطة الإنقاذ في الخرطوم في أعتى جبروتها. إذ إنَّما نحن حين نكتب عن هؤلاء الرجال وتلك النساء لا لكي نتزيَّد فيهم، ولا لكي نتعاظم في أمرهم، بل هذا غيض من فيض كلمات يستحقونها عسى أن تليق بطول مشوارهم النضالي. ألم تروا أنَّهم انخرطوا في حركة تنادي بتحرير السُّودان كله، وجبال النُّوبة جزء لا يتجزأ من السُّودان، من الظلم والتهميش وعدم المساواة والمحسوبيَّة والمحاباة والفقر والفساد، وهلمَّ جرَّاً. تلكم هي أسقام السُّودان القديمة والجديدة، التي لم يرتضيها بعض أبناء السُّودان، لأنَّ الإفراط في الصمت على الأذى نمط من المرض، والمرض ينبغي استئصاله حتى يغدو الجسد معافاً، وذلك كما أنشد الشاعر العراقي عبد الرزَّاق عبد الواحد (1930-2015م):
    فَرْطُ السُكوتِ على فَرط الأذى سَقَمٌ قد يسكتُ الجرحُ لكنْ يَنطقُ الألمُ
    ومعقلُ الظلم أيَّاً كان صــــــــــاحبُهُ لا بدَّ يوماً على أهليه ينـــــــــهدمُ
    فقُلْ لكلِّ عُتاةِ الأرضِ مَنْ غَشَـــموا ومَنْ طغَوا قبلَكم في الأرضِ أينَ همو؟
    على ذلك المنوال يقول الأديب المصري الأشهر الدكتور طه حسين (1889-1973م) من ضمن قائمة مقولاته الشهيرة المعبِّرة: "الأمَّة التي تحارب الفقر بالدعاء، وتحارب الفساد بخطب المنابر، وتحارب البطالة بالزواج والإنجاب، هي قطعاً أمَّة ميِّتة، وإكرام الميِّت دفنه". عطفاً على ذلك فليس السلطان في الخطب القاصعة، والخطبة القاصعة هي تلك الخطبة التي تتمحور حول مجموعة من القضايا الأخلاقيَّة والتربويَّة، ولا السلطان قتلاً بالسيف، ولا ضرباً بالسوط، ولكن قضاءً بالحق، وأخذاً بالعدل: العدل سيرة وسلوكاً ومنهجاً. إنَّ شيوع الظلم لمهلكة للأمَّة، ثمَّ إنَّ إنكار التعدُّديَّة واختزال هُويَّة السُّودان في العروبة والإسلام لأس الداء، لأنَّ إنكار التعدُّديَّة فيه إنكار للواقع؛ إذ تتركَّز الوحدانيَّة في الألوهيَّة. أما الاختلاف فهو سنة الحياة في الممارسة البشريَّة، أو حسبما جاء في تعبير محمد عابد الجابري "الإيمان بأنَّ كل شيء بعد الله متعدِّد، ويجب أن يقوم على التعدُّد".
    على أيٍّ، تلك كانت مسيرة الرِّفاق والرَّفيقات ونضالاتهم أيَّام تلك العواصف السياسيَّة الهوجاء في السُّودان، الذي فيه تتصادم المواقف، وتتعدَّد الاتجاهات لتشكِّل بعد ذلك العديد من المشكلات السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة. من تلك الزاوية الحرجة نظر الرَّفاق مليَّاً، وتفكَّروا وتدبَّروا في الأمر كثيراً، وهداهم تفكيرهم إلى العودة إلى الجذور، والتأمُّل في مخزون الثقافة والتراث، ومن ثمَّ سلكوا تلك السبيل التي سلكوها. هكذا كان دأبهم وديدنهم في أول أمرهم، وريعان أعمارهم، باختيارهم هذه السبيل. أفلم يجدر على الذين لم يمروا بتلك التجارب الكوالح، بل تنعَّموا في ظلال الحياة الرغيدة، وشربوا من عبوات المياه المختلفة الأشكال في أقاصي الدنيا، وأينما توجَّهوا وجدوا ماءً نميراً طيِّباً مستساغ الطعم، جيِّد التعبئة، أفلم يجدر بهم ألا يقتروا على مآثر هؤلاء المناضلين، وعليهم أن يحترموا هؤلاء الرِّفاق على ما قاموا به من تضحيات، وما يزالون، في سبيلهم، وفي سبيل أهليهم! ونحن إذ نتساءل اليوم كيف كانوا يتحلَّبون من المشاق نبضات الفرح؟ وكيف كانوا يستخرجون من الصعوبات لحظات المسرَّة؟ ثمَّ كيف كانوا يتذوَّقون من الكد طعم الحياة؟
    لقد حار بنا الدليل من أولئك وهؤلاء الذين يبخسون النَّاس نضالاتهم، ولا نودُّ هنا أن نروي جزءاً من أقاويلهم وأفاعيلهم. فالرواية – أيَّة رواية – تخضع لمنهجين: منهج يحبِّذ أمانة النقل بنصوصه وتعبيراته وحروفه، مهما كان فيه من عُجر وبُجر، والعُجر والبُجر هما العيوب وما صاحبها من الكذب والأمر العظيم؛ ومنهج آخر يميل إلى أدب النقل، فيتجاوز الكلمات النَّابية ويبدلها بالنقاط. لقد نهجنا المنهج الثاني، وصرفنا النظر عما تفيء به أفواههم، وتكتبه أقلامهم، وحسبنا أنَّ ذلك من كمال الأدب، وفي ذلك ضنَّاً بأعين القرَّاء أن تقرأ كلمة عوراء.
    المعلوم أنَّ المرأة في المجتمع السُّوداني، أو بعض المجتمعات الأخرى، تخضع لثلاثة أنواع من السلطات: أولاها سلطة التقليد الديني، وثانيها السلطة الذكوريَّة، وثالثها سلطة المناهج الماديَّة التي تجعل المرأة تشطط في سلوكها كما تفعل حاملات لواء الحركة النسويَّة في الدول الغربيَّة. إنَّ انحطاط مكانة الإنسان، واختزاله إلى أداة ماديَّة، وتقويمه على هذا الأساس، هو أحد منتجات الحضارة الفردانيَّة، أو الحضارة الماديَّة، أو الحضارة الإباحيَّة، ويدرس الغرب اليوم عواقب هذا المنهج في حياة البشر، وبخاصة النساء بعدما ترتَّبت عليه تداعيات أخلاقيَّة اجتماعيَّة كارثيَّة شغلت الباحثين في علم الاجتماع منذ عقود ليست بقليلة، ويُطلق على هذا النهج تعبير "التشيؤ"، وعلى وجه التحديد "تشيؤ الإنسان والمرأة". المرأة في مجتمع النُّوبة تخضع للإرث التاريخي البطولي في مشاركة الرجل في النضال – مثلاً على سبيل المثال لا حصريَّاً – في القتال ضد القوَّات التركيَّة-المصريَّة وتجار الرِّق حينذاك، ومقاومة السلطات الاستعماريَّة البريطانيَّة-المصريَّة (1898-1956م)، وفي مشاركة الرجل في الحرف الاقتصادية كالزراعة، والرَّعي وتربية الحيوان، وممارسة الشعائر التعبديَّة وغيرها.
    بقي لنا أن نقول كان لقاء كاتب هذه السطور بالرَّفيقة ميريام كوجا يوحنا أنقولو في كاودا في شتاء العام 2002م، وصورتها المصاحبة لهذا المقال قد تمَّ التقاطها في مطار كاودا حين كنا في انتظار الطائرة التي سوف تطير بنا إلى كينيا في طريق عودتنا إلى حيث أتينا في أوروبا والدول الغربيَّة الأخرى، وذلك بعد أن شاركنا في مؤتمر عموم النوبة في كاودا في الفترة ما بين 2-5 كانون الأول (ديسمبر) 2002م.


























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de