في مشهدٍ يختصر فظاعة الحرب وتلاشي القيم الإنسانية، شهدت مدينة الفاشر مأساة جديدة تضاف إلى سلسلة الجرائم التي أنهكت السودان وأدمت قلوب مواطنيه. فقد تحوّل شخص يُدعى «أبولولو» إلى رمزٍ للدم والعنف، بعد أن أقدم على تصفية مدنيين عُزّل بدمٍ بارد، موثّقًا جرائمه في بثّ مباشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وسط تفاعل صادم من بعض النشطاء ومناصري قوات الدعم السريع الذين تغنّوا بأفعاله البشعة بدلاً من إدانتها.
المقاطع المصوّرة التي انتشرت كالنار في الهشيم كشفت حجم المأساة، حيث يظهر أبولولو وهو يلاحق المدنيين، يقتل، ويحتفل بالدماء أمام الكاميرا في مشاهد تقشعرّ لها الأبدان. هذه المقاطع لم تثر فقط الرعب في نفوس السودانيين، بل فجّرت أيضًا غضبًا عارمًا على منصّات التواصل الاجتماعي، حيث طالب النشطاء بضرورة محاسبة الجناة وإنقاذ ما تبقّى من المدنيين العالقين في جحيم الفاشر.
غير أن الصدمة الكبرى لم تكن في الجريمة وحدها، بل في صمت المنظمات الحقوقية والإنسانية التي ترفع شعارات الدفاع عن الإنسان وحقّه في الحياة. لم يصدر عن كثير من تلك الجهات سوى بيانات خجولة، لا ترتقي لحجم الكارثة التي تتكشف يومًا بعد يوم في دارفور، لتطرح أسئلة مؤلمة:
أين المنظمات الدولية من هذه الإبادة الجماعية؟ أين الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان؟ ولماذا يصمّ العالم آذانه عندما يكون الضحايا أفارقة أو عربًا لا يملكون نفوذًا أو مصالح استراتيجية؟
يصف ناشطون هذه الأحداث بأنها اختبار حقيقي لصدقية منظومة حقوق الإنسان الدولية، التي طالما تباهت بأنها الضمانة الأخيرة لحماية الشعوب من الجرائم والانتهاكات. لكن الواقع يثبت أن الشعارات شيء، والواقع شيء آخر. فبينما تتحرك القوى الكبرى سريعًا في أزمات معينة، تبقى مجازر السودان تُقابل بالتجاهل والبيانات الدبلوماسية المكرّرة. وهكذا يتكرّس الشعور بأن أكبر كذبة في القرن الحادي والعشرين هي حقوق الإنسان، عندما لا تشمل الجميع على قدم المساواة.
في الفاشر، لا تزال رائحة الدم تعبق في الشوارع، والأمهات يدفنّ أبناءهن بأيديهن، فيما يكتفي العالم بالمشاهدة. المواطنون هناك لا يطلبون سوى الأمن والعدالة، لا بيانات ولا وعودًا. هم يسألون: كم من الأرواح يجب أن تُزهق قبل أن يتحرّك الضمير العالمي؟
إنّ ما يحدث في الفاشر ليس مجرد صراع عابر، بل جريمة موثّقة بالصوت والصورة، تفضح ازدواجية المعايير الدولية، وتكشف أن حياة الإنسان ما زالت تُقاس بلون جلده وموقعه الجغرافي.
لقد آن الأوان لأن يواجه العالم هذه الحقيقة المرة: لا معنى لحقوق الإنسان إن بقيت حبرًا على ورق.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة