١. الفاشر تُعلن عهدًا جديدًا الفاشر لم تتحرر فقط؛ بل أعلنت بداية عهدٍ جديدٍ في السودان. المدينة التي حوصرت طويلًا من جيش الكيزان وفلوله، نهضت من بين الرماد لتعلن أن دارفور ما عادت تابعةً دونية لأحد، و انما قيادية تاريخية. وأن مشروع “الإنقاذ” انتهى هناك إلى غير رجعة. ومن فوق ترابها الطاهر خرج الصوت: السودان يبدأ من هنا، من الفاشر، لا من القيادة العامة ولا من قاعات الخرطوم.
٢. الكضّاب لبيت أمّه حين تتهاوى الأكاذيب، لا يجد الكذّاب إلا بيت أمّه ملاذًا. هذا المثل السوداني القديم يصف تمامًا حال المؤسسة التي كانت تزعم امتلاك الشرعية والوطنية. سقطت أقنعتها في الفاشر، وسقط معها خطاب “الجيش العقائدي” الذي استباح الوطن باسم الدين. الذين كذبوا على الله والشعب والتاريخ، يعودون اليوم إلى بيوتهم عراةً من المجد، بعدما لفظتهم دارفور — التي لم تخن يومًا تراب السودان.
٣. السواي مو حداث قال الأجداد: «السواي مو حداث» — أي الفعل هو البرهان، لا الكلام. وهذا ما عبّر عنه القائد الثاني لقوات الدعم السريع في خطاه الأخيرة: لا ضجيج، لا استعراض، بل فعلٌ محسوب وصمتٌ واثق. تحرير الفاشر لم يكن إعلانًا إعلاميًا، بل نتاجًا لانضباط ميداني وروح وطنية ناضجة بدأت تتبلور داخل هذه القوة الجديدة التي تتعلم من أخطائها وتعيد تعريف دورها الوطني. بهذا المعنى، يمشي القائد الثاني على خطى التأسيس: تحويل القوة من الولاء الشخصي إلى الانتماء الوطني، ومن الانفعال إلى الفعل المؤسسي.
٤. من الفاشر إلى بورتسودان: وعد الثورة الجديدة حين توعِد الفاشر بورتسودان، فذلك وعدُ التاريخ لا وعيد السلاح. إنه وعدُ العبور من غربٍ جريحٍ إلى شرقٍ ينتظر الفجر. وعدٌ بأن الطريق إلى البحر الأحمر لن يُفتح إلا حين تُغلق آخر معاقل الكذب في الخرطوم. إنه وعد الثورة السودانية الحقيقية — الثورة التي لا تُسقط طاغيةً لتأتي بآخر، بل تُسقط منطق الطغيان نفسه.
٥. الفعل قبل القول الفاشر لم تتحدث، بل فعلت. وبين الفعل والكلام مسافةٌ هي الفارق بين الثورة والبيان. اليوم يتعلم السودانيون أن النصر لا يُصاغ في المؤتمرات ولا في القنوات الفضائية، بل يُكتب بدماء الشجعان في أرضهم. ولذلك، فإن كل مدينة بعد الفاشر ستقيس صدقها بالفعل، لا بالشعار.
٦. خاتمة: من دارفور إلى البحر الفاشر تُوعد بورتسودان لا بالانتقام، بل بالتحرير. توعدها بأن السودان لن يُقسَّم بعد اليوم بين شرقٍ وغرب، أو شمالٍ وجنوب. بل سيُقسَّم فقط بين من صدقوا فبنوا ومن كذبوا فانهاروا. ومن دارفور حتى البحر الأحمر، يمتد طريق السودان الجديد: طريق الحقيقة، طريق التأسيس، طريق الدولة التي لا تكذب.
لقد انتهى زمن الكضّابين، وبدأ زمن السوايين !
د. أحمد التيجاني سيد أحمد قيادي مؤسس في تحالف تأسيس ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٥ – روما، إيطاليا
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة