تقدّمت مجموعة من الناشطين والناشطات في مجال حقوق الإنسان، من السودانيين والأمريكيين المقيمين في الولايات المتحدة، بمذكرة رسمية إلى كلٍّ من: وزارة العدل الأمريكية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) - المكتب الميداني بواشنطن، ووزارة الخارجية الأمريكية - مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، وشرطة العاصمة (MPD) - واشنطن العاصمة، وإدارة فندق "والدورف أستوريا" بواشنطن العاصمة. وقد تناولت المذكرة موضوع طلب فتح تحقيق قانوني عاجل واتخاذ الإجراءات المناسبة بشأن وجود أشخاص مرتبطين بقوات الدعم السريع (RSF) داخل الفندق المشار إليه.
بدايةً، لا بد من الإشادة بالجهد القانوني والحقوقي الذي بذله أصحاب المذكرة، وبالدوافع الإنسانية المشروعة التي انطلقت منها، دفاعاً عن ضحايا الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في السودان. إن المطالبة بالمحاسبة والعدالة مبدأ لا خلاف حوله، وهي قيمة راسخة لا تسقط بالتقادم.
لكن، مع التسليم بعدالة المطلب في جوهره، فإن توقيت هذا التحرك وطريقة طرحه يثيران تساؤلات مشروعة حول مدى اتساقه مع متطلبات المرحلة الراهنة، خاصة في ظل الجهود الجارية لوقف الحرب وتهيئة المناخ لسلام شامل وعادل.
لا يختلف اثنان على أن قوات الدعم السريع قد ارتكبت جرائم فادحة بحق المدنيين في الخرطوم ودارفور والجزيرة، وأن المسؤولين عنها يجب أن يخضعوا عاجلاً أم آجلاً للمساءلة القانونية. غير أن العدالة، حتى تتحقق بحق، تحتاج إلى بيئة آمنة ومستقرة، وإلى مؤسسات قادرة على إنفاذ القانون دون انتقائية أو توظيف سياسي.
وفي ظل الحرب المشتعلة، فإن تغليب منطق المحاسبة الآن على منطق إيقاف القتال قد يُستخدم - بقصد أو دون قصد - لتعطيل جهود التفاوض وإطالة أمد المأساة الإنسانية. فحين تُحصر الإدانة في طرف واحد من أطراف النزاع، يُغضّ الطرف عن حقيقة أن الجيش السوداني، بدوره، ومعه المليشيات المتحالفة، قد ارتكب انتهاكات جسيمة لا تقل فظاعة عن تلك التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، وهي أيضاً تستوجب التحقيق والمساءلة.
إن العدالة الحقة لا تكون انتقائية، بل شاملة تطال كل من ارتكب جريمة بحق الشعب السوداني، أياً كان موقعه أو انتماؤه. ووفق ما هو متاح من معلومات، فإن وفدي الجيش والدعم السريع يتواجدان حالياً في العاصمة الأمريكية في إطار تحركات دبلوماسية تتعلق بوقف الحرب وإطلاق عملية سلام محتملة. ومن ثم، فإن أي تصعيد قانوني أو إعلامي موجه ضد أحد الطرفين في هذا التوقيت قد يضعف فرص التهدئة، ويصب عملياً في مصلحة دعاة الحرب الرافضين لمسار التسوية والرباعية الدولية.
نحن لا نعارض المبدأ المشروع للمحاسبة، ولكننا نرى أن لكل مقامٍ مقال، وأن الحكمة تقتضي ترتيب الأولويات: إيقاف الحرب أولاً، تحقيق السلام ثانياً، ثم فتح مسار شامل للحقيقة والمصالحة والمساءلة لاحقاً، يضمن عدم إفلات أي طرف من العقاب.
إن الطريق إلى العدالة يبدأ بإيقاف نزيف الدم واستعادة الأمن، لتتهيأ الأرضية الوطنية والقانونية لمحاسبة كل من تلطخت يداه بدماء الأبرياء. فالسلام لا يتعارض مع العدالة، بل هو شرطها الأساس. ومن ثم، فإن الدعوة الحكيمة في هذه المرحلة هي: السلام أولاً، والعدالة لاحقاً - لا بمعنى التسامح مع الجريمة، بل بمعنى ترتيب الأولويات على نحوٍ يضمن بقاء الوطن قبل أن نحاكم من دمّروه.
_______________________________________________ عاطِف عبدالله قسم السيد Atif Abdalla Gassime El-Siyd
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة