تتناول هذه الورقة التحليلية مسارات الصراع بين الجيش السوداني (SAF) وقوات الدعم السريع (RSF) من منظور مؤسسي واستراتيجي، مع التركيز على تطور المفاوضات بين جدة – المنامة – واشنطن. ترى الورقة أن المفاوضات الحالية تمثل لحظة مفصلية في مسار الدولة السودانية، حيث يسعى كل طرف لترسيخ شرعيته عبر أدوات مختلفة — الجيش من خلال مؤسسات الدولة التقليدية، والدعم السريع عبر التحكم الميداني وخطاب الإصلاح المدني. وتخلص الورقة إلى أن الاتفاق المحتمل سيقوم على قاعدة “الدمج الأمني المشروط بالتحول المدني”، لكن تنفيذه يواجه تحديات هيكلية تتعلق بغياب الثقة، وتعدد الرعاة الإقليميين، وضعف المؤسسات المدنية. أولًا الإطار العام للصراع منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، انتقل النزاع في السودان من أزمة سياسية بين مكونات السلطة الانتقالية إلى حرب شاملة على هوية الدولة وبنيتها المؤسسية. دارفور تحولت إلى ساحة اختبار رئيسية، ليس فقط بسبب الثقل الجغرافي والسكاني، بل لأنها تعكس نموذج الصراع بين المركز والهامش في السودان. تسعى قوات الدعم السريع إلى تثبيت “أمر واقع” ميداني يُمكنها لاحقًا من التفاوض كقوة موازية للدولة، بينما يركز الجيش على استعادة مركزية الدولة واحتكار العنف الشرعي.
ثانيًا مقارنة الموقفين المؤسسيين البند الجيش السوداني (SAF) قوات الدعم السريع (RSF) الشرعية القانونية يستند إلى الدستور الانتقالي والاعتراف الدولي كممثل للدولة. يفتقر إلى اعتراف قانوني، لكنه يحاول كسب شرعية الأمر الواقع. الهيكل المؤسسي قيادة هرمية تقليدية، مؤسسات تدريب وتسليح منتظمة. قيادة مركزية مرنة، لكنها قائمة على الولاء الشخصي والقبلي. القدرات العسكرية تفوق في الطيران والمدفعية، لكنه يعاني من ضعف الإمداد البري. سيطرة ميدانية واسعة على المدن الكبرى في دارفور والخرطوم. التحالفات الخارجية دعم مصري – إيراني – روسي. دعم سابق من أطراف خليجية وشبكات حدودية (تشاد وليبيا). الخطاب السياسي يتحدث باسم الدولة والجيش الوطني. يتحدث باسم “الثورة ضد المركز القديم”. ثالثًا: مسارات التفاوض – من جدة إلى واشنطن 1. محادثات جدة (2023 – 2024)
رعتها السعودية والولايات المتحدة.
هدفها الأساسي وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية.
فشلت بسبب تمسك كل طرف بشروط ميدانية غير قابلة للتنفيذ.
النتيجة - لا ثقة، ولا آلية مراقبة فعالة.
2. محادثات المنامة (منتصف 2025)
انتقلت بوصلة النقاش نحو الترتيبات الأمنية والدمج العسكري.
حاولت قوات الدعم السريع الحصول على اعتراف سياسي مقابل الانسحاب المرحلي.
الجيش تمسك باعتباره المؤسسة الوطنية الوحيدة.
النتيجة- تفاهم جزئي، دون اختراق جوهري.
3. المفاوضات في واشنطن (الخريف 2025)
ترعاها “الرباعية” (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، بريطانيا).
تنطلق من ما يُعرف بـ القاعدة الذهبية:
“لا نصر عسكري حاسم – لا تسوية دون دمج أمني – لا دولة دون شراكة مدنية.”
تهدف إلى- فرض وقف نار مراقب دوليًا.
صياغة آلية دمج تدريجي لقوات الدعم السريع في الجيش.
إنشاء حكومة انتقالية مدنية – عسكرية محدودة الصلاحيات.
رابعًا تحليل موازين القوى الدولية والإقليمية الفاعل المصالح الموقف من الجيش الموقف من الدعم السريع مصر أمن الحدود والنيل. داعم رئيسي للجيش. متحفظ بشدة. إيران النفوذ الإقليمي ومواجهة الغرب. دعم عسكري (مسيرات وطائرات). معادٍ للدعم السريع. السعودية استقرار البحر الأحمر. حذر – وساطة غير منحازة. تسعى لتقليص نفوذه. الإمارات النفوذ الاقتصادي واللوجستي. تراجعت علاقتها بالدعم السريع. تحاول لعب دور وسطي. الولايات المتحدة منع الانهيار الشامل وبناء انتقال مدني. قبول مشروط بدوره. ترفض شرعنته المستقلة. خامسًا السيناريوهات المستقبلية المحتملة السيناريو التوصيف الاحتمال المقدر النتائج المحتملة 1. اتفاق دمج تدريجي بإشراف دولي يتم دمج الدعم السريع ضمن الجيش خلال فترة انتقالية (2-3 سنوات) 60% استقرار هش، لكن بداية لإعادة بناء الدولة. 2. تجميد الصراع دون اتفاق نهائي وقف إطلاق نار مؤقت مع استمرار السيطرة الميدانية المتوازنة 25% استمرار الانقسام الفعلي للسلطة. 3. انهيار المفاوضات وتجدد القتال فشل واشنطن في فرض إطار اتفاقي 15% اتساع الحرب نحو أقاليم جديدة (شمال كردفان وشرق السودان). سادسًا: تحليل SWOT (نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات) العنصر الجيش السوداني قوات الدعم السريع نقاط القوة شرعية الدولة، خبرة مؤسساتية، دعم إقليمي. مرونة ميدانية، تحكم في المدن. نقاط الضعف ضعف لوجستي، بطء القرار السياسي. أزمة شرعية دولية، انقسامات قبلية. الفرص استعادة الشرعية عبر التسوية. المشاركة في اتفاق دولي يضمن وجودها. التهديدات ضغوط دولية للدمج القسري. فقدان النفوذ بعد الاتفاق. سابعًا: التوصيات السياسية
إعادة تعريف الهدف الوطني للجيش كضامن للوحدة لا كفاعل سياسي.
تحويل الدعم السريع من قوة ميدانية إلى مؤسسة نظامية تخضع للرقابة المدنية.
توسيع دائرة التفاوض لتشمل قوى دارفور والحركات المدنية والمجتمعية.
إنشاء آلية مراقبة دولية – إقليمية مشتركة تشرف على وقف النار وتنفيذ الدمج.
تأسيس “مجلس وطني لإعادة بناء الدولة” يشرف على إصلاح المؤسسات الأمنية والإدارية.
في النهاية إن جوهر الأزمة السودانية لا يكمن في من يسيطر على الأرض، بل في من يستطيع بناء مؤسسات دولة قادرة على إدارة التنوع وضبط العنف. التفاوض في واشنطن يمثل آخر فرصة لإنقاذ الدولة من الانهيار الشامل. إذا نجحت “القاعدة الذهبية” — أي الدمج الأمني المشروط بالتحول المدني — فربما يدخل السودان مرحلة جديدة من التوازن الهش، لكن دون ذلك سيظل الصراع مفتوحًا على احتمالات التفكك والتدويل.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة