ربما شاهدتم قبل أيام الفيديو الصادم لشابين سودانيين يتعاركان في أحد شوارع لندن. أكثر ما صعقني في ذلك الفيديو ليس العراك نفسه، بل الكم الهائل من العبارات البذيئة التي استخدمها أحدهما، وإصراره على سب العقيدة مراراً وتكراراً بأقذع المفردات.
حتى لو حاولنا فهم دوافع العراك، فلن نجد مبرراً لإصرار أحدهما على سب العقيدة. لا معنى أبداً لأن تُهين عقيدة أخيك المسلم، مهما بلغ بك الغضب. لكن ماذا نقول في من لا أخلاق لهم ولا تربية، وهو ما يعكس صورة بالغة السوء عن وطنهم بالخارج.
مثل هذه الحوادث، المحرجة والمسيئة لصورة السودانيين، تتكرر في العديد من البلدان التي نزح إليها أهلنا. فخلال زيارة قصيرة إلى كمبالا، عاصمة أوغندا، بينما كنا نجلس في مقهى سوداني من طابقين، سمعنا فجأة جلبة في الطابق العلوي. اندفع صاحب المقهى نحو الطابق السفلي وهو يصيح: "أغلقوا الأبواب!"، ولحق به أحد العاملين وعدد من الشبان. استفسرنا عما يجري، فأُبلغنا أن الشبان ينتمون إلى مجموعتين: إحداهما موالية للقوات المشتركة، والأخرى تؤيد الجنجويد. وقد تطور النقاش الحاد بينهما إلى تبادل اللكمات والضرب وتخريب المكان، مما اضطر صاحب المقهى للاتصال بالشرطة، التي وصلت خلال ربع ساعة واقتادت المجموعتين إلى مركز الشرطة.
قلت لمن كانوا معي: ما دام هؤلاء الشباب متحمسين لطرفي النزاع في السودان، فلماذا فروا من هناك بدلاً من القتال؟ فقيل لي إن ما شاهدناه أصبح مشهدًا مألوفًا في كثير من المقاهي والمطاعم السودانية، إذ كثيراً ما يشتبك الشباب بدافع الحماس الفارغ وينتهي الأمر بتخريب المكان.
فلك أن تتخيل، عزيزي القارئ، ما أفرزته حرب الكيزان القذرة من كراهية ورفض لبعضنا البعض، وكيف حملنا أوزار غيرنا بغباء شديد. حتى الذين فرّوا من نيران الحرب، ما زال بعضهم يصر على التخندق مع أحد طرفي النزاع.
هذا، بخلاف كثير من التصرفات الغريبة التي يصدرها عدد من السودانيين في المهجر. هنا في مسقط، مثلاً، أصبح مألوفاً أن يسألك أحد الإخوة العمانيين: "ماذا أصابكم يا سودانيين؟" فقد بدأنا نرى سلوكيات لم نألفها منكم.
في إحدى المرات، قالت لي موظفة بأحد البنوك: "أول أمس كنت مع العائلة في إحدى الحدائق، وجلس بالقرب منا سودانيون لا يشبهونكم. أحدهم ارتدى زياً سودانياً، لكنه ليس دشداشة (جلابية) (تقصد السروال والعراقي) ، وتمدد على الأرض واضعاً رجله فوق الأخرى وكان يدخن سيجارة". حتى لو كان الرجل في أفضل هندامه، فإن هذا السلوك غير مقبول لدى إخوتنا العمانيين، فوجود مسافة بينك وبين العائلات واجب، أما التدخين وسط الآخرين فهو مصدر إزعاج كبير ولا يقبلونه اطلاقاً.
مشكلة كثير منّا كسودانيين أننا حللنا ببلدان الآخرين دون الالتزام بقوانينهم وتقاليدهم. نريد أن نكون ضيوفًا، بينما نتصرف وكأننا أهل الدار، وهذا غير مقبول. لا سيما أن سلوكياتنا في الآونة الأخيرة لم تعد مقبولة داخل وطننا نفسه، فكيف نتوقع أن يحتمل الآخرون مثل هذه التصرفات؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة