وصل وفدا الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى العاصمة الأمريكية، في خطوة تتجاوز مجرد اجتماع رسمي، لتصبح محطة حاسمة قد تحدد مستقبل السودان. واشنطن، التي اعتادت أن تكون منصة للقرارات الدولية الكبرى، أصبحت اليوم مسرحًا لمفاوضات قد تحمل بصمة التغيير في صراع دام أكثر من عامين ونصف، وسط إشراف الرباعية الدولية (الولايات المتحدة، والسعودية، والإمارات، وبريطانيا). الحرب السودانية التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع لم تكن مجرد نزاع مسلح، بل نتيجة تحركات الإسلاميين التي ساهمت في إشعال الصراع، مع تداعيات إنسانية ضخمة. الملايين نزحوا، آلاف فقدوا حياتهم، والبنية التحتية تهدمت بشكل غير مسبوق، ما جعل الأزمة الإنسانية في السودان من الأسوأ في التاريخ الحديث للبلاد. هذه الجولة تأتي كامتداد لما تحقق في منبري جدة والمنامة، لكنها تتسم هذه المرة بتعقيد أكبر، إذ تتقاطع مصالح الأطراف المحلية مع الضغوط الدولية المتزايدة، والأزمة الإنسانية التي تجاوزت كل الحدود. الحديث لم يعد عن تسويات شكلية، بل عن ترتيبات أمنية وإنسانية وسياسية قد تمهد لوقف دائم لإطلاق النار وربما لبداية عملية بناء دولة جديدة. وفد الدعم السريع أصر على مطلبه بتكوين لجنة تحقيق دولية مستقلة لتحديد المسؤول عن إشعال الحرب، والتحقيق في استخدام الأسلحة الكيماوية، وعمليات قصف المدنيين، وكل الانتهاكات التي شهدها السودان، وصولًا إلى تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية. في المقابل، شدد وفد الجيش على سرية العملية التفاوضية، لضمان وصول النقاشات إلى تفاهمات حقيقية قبل الإعلان عنها، وتفادي أي استغلال سياسي داخلي أو خارجي. الرباعية الدولية تضطلع بدور محوري، ليس فقط كضامن للسلام، بل كحاضنة للمفاوضات وداعمة لجهود التهدئة، مع القدرة على فرض ضغوط دبلوماسية واقتصادية على الطرفين إذا لزم الأمر. هذا البعد الدولي يعكس اهتمام المجتمع الدولي بوقف الحرب، لكنه يضيف أيضًا طبقة من التعقيد، إذ تتقاطع مصالح القوى الكبرى مع مطالب السودان الداخلية، ويصبح النجاح رهينًا بالقدرة على الموازنة بين هذه الضغوط. المراقبون يتابعون بحذر، فكل كلمة وكل تنازل قد يحمل تأثيرات ضخمة على الأرض. التفاؤل موجود، لكنه هش، متأرجح بين إرادة الأطراف في التوصل إلى حل سلمي وبين حسابات القوة التي لا تزال تتحرك في الظل. وفي خضم هذا الترقب، يبقى الشعب السوداني رهينة الصبر، ينتظر أن تفتح هذه الجولة في واشنطن نافذة حقيقية نحو سلام لم يتحقق منذ زمن طويل، مع أمل أن تكون هذه الجولة بداية لصفحة جديدة تعيد للسودان الأمن والاستقرار وكرامة مواطنيه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة