قبل نحو أسبوعين أو يزيد قليلاً، أدلى الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني بتصريحات أثارت اهتمام الرأي العام، لا سيَما فقد انطوت على انتقادات لاذعة للأوضاع الراهنة في السودان. إذ قال رداً على سؤالٍ حول وجهة نظره عمًّا يجري في السودان: (أنا تابعت ما يجري في السودان وأقولها بصراحة، ما يحدث هناك أمر مؤلم. السودان بلد غني بالموارد، وشعبه طيب ومُتعلم، لكن للأسف هناك أطراف خارجية من داخل المؤسسة العسكرية من يعمل لمصالحه الشخصية أو لأجندات خارجية، لا يمكن لإنسان وطني أن يقدم على تدمير بلده بهذه الطريقة. ما يجري اليوم ليس صراعاً من أجل السودان، بل صراع من أجل سلطة ومصالح، وهذه هي المشكلة التي دمرت دولاً كثيرة في منطقتنا) وإزاء هذه التصريحات صمت دعاة استمرارية الحرب وبخاصة ذوي القربى والمؤلفة قلوبهم، الذين يعيشون في دولة قطر تحديداً. إذ لاذ جميعهم بصمتٍ القبور لكأنما حطَّ على رؤوسهم الطير. على الرغم من أن الشيخ حمد آل ثاني لا يتقلد منصباً وزارياً، لكنه لا يزال أحد الفاعلين في مسارات سياسات بلاد. فقد سيق وأن شغل منصب وزير خارجية بلاده، ثمَّ رئيس وزراء الحكومة، وقد عُرف بآرائه الجريئة والمثيرة للجدل. من هذه الزاوية ليست هذه المرة الأولى لما نحن بصدده، فقد انتقد في وقت سابق، تحديداً إبان لوثة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، تلك التي أصابت الجنرال البرهان وغادر على إثرها للقاء بنيامين نتنياهو في عنتيبي. يومئذٍ تساءل الشيخ حمد قائلاً: (ما الفائدة الحقيقية التي سيجنيها السودان من هذا المسار، ومشيراً إلى أن هذه القرارات تحتاج إلى حسابات واقعية لا مجرد وعود) في الحقيقة كثيرون حمدوا للشيخ حمد صدقه، بدليل قال قولته ولم يجرمنه شنآن بلاده التي تتمتع بعلاقات مع إسرائيل نفسها، ولكن يقولون إن الدول مقامات كما (سائر البشر). لذا ينبغي على الرعايا (مد لحافهم على قدر رجلهم) هكذا يقول مثل دارج. ويقولون رُبًّ ضارة نافعة، إذن دعونا (نصفي النية) ونسأل أنفسنا أولاً ببراءة الأطفال: ما الُمستفاد من تصريحات الشيخ حمد بما يمكن أن يعود على الوطن المنكوب بالخير واليمن والبركات, في تقديري هناك ثلاثة دروس يمكن استخلاصها من هذه التصريحات القوية: أولاً: لا أحد يجرؤ أن ينفي أو يُكذِّب ما قاله عن الجيش السوداني، بل يُمكن القول إن ليس فيه جديد، فقد قاله كثيرون وما زالوا يقولونه، وعلى رأس هؤلاء الدكتور عبد الله حمدوك رئيس وزراء الحكومة الانتقالية الذي وضع الصورة في إطارها الصحيح بقوله إن القوات المسلحة تضع يدها على 82% من عائدات الدولة. مع فارق أن هذه العبارة كلفت الوطن انقلاباً غبياً عصف بالحكومة الانتقالية، وأدخلنا في حرب ضروس ما نزال نتجرع ويلاتها. لكن الأكثر وضوحاً وجلاءً هو أن الشعب الصابر أدرك أن الجيش العريق الذي يعرفه لم يعد ذاك الذي كان، فالذي يرونه هو جيش (ود أب زهانة) لا صلة له بالوطن ولا الوطنية. مليشيا تقودها شرذمة من (تنابلة السلطان) يجلسون بين يدي (سناء حمد) لتحاكمهم كتلاميذ فاشلين. أما قاعدة الجيش فهُم الجنود المغيبين، الذين لا حول لهم ولا قوة. يؤمرون فينفذون التعليمات طبقاً للقواعد العسكرية. أما أنا فأقول ليت تلك العائدات الضخمة ذهبت للجيش عدةً وعتاداً، كان على الأقل غشتنا الطمأنينة ونحن نرى جيشنا العريق ينزل هزيمة نكراء بمليشيا الدعم السريع التي صنعها التنابلة. لو كان الجيش الذي نعرفه ويعرفنا لكان قد دحرها وخسف بها الأرض في ست ساعات. لو كان الجيش الذي نعرفه ويعرفنا لما هلك الزرع والضرع واستبيحت الأعيان، ولما فقدنا أرواحاً عزيزة ماتت سمبلة، لو كان الجيش الذي نعرفه ويعرفنا لما تشتت الملايين في بقاع الدنيا وقد افترشوا الأرض والتحفوا السماء. ثانياً: لعل الدرس الثاني المستفاد من تصريحات الشيخ حمد فيما ذكر عن التدخلات الخارجية في السودان التي أججت الأوضاع. أيضاً تلك حقيقة وواقع مرير ظلًّ يحاصرنا لسنين عدداً. ففي زمن التفاهة الذي نعيشه صار الوطن عبارة عن (كرخانة) يقف عندها ذوي الغرض والمرض بأهداف شتى، بما في ذلك دولة الشيخ نفسه، التي كانت ملاذاً آمناً للإسلامويين على مدى الثلاثين عاماً العجاف، وزادوا بعدها بضعاً ولم يشيعوا بعد. ثالثاً: ثمة عبارة واحدة أجفلت النوم من عيني، وتعد في تقديري الأخطر في تصريحات الشيخ حمد رغم قصرها. وربما تكون الوحيدة التي تحتاج لإبانة وإفصاح، ليت الذين عناهم الشيخ بالإشارة يسمعون. جاء ذلك في قوله (للأسف هناك أطراف خارجية من داخل المؤسسة العسكرية من يعمل لمصالحه الشخصية أو لأجندات خارجية) وبالطبع فإن القائل حتماً من العارفين. بالرغم من أن الشعب السوداني العظيم هو كفيل بذلك حينما تعدل ثورة ديسمبر المجيدة مسارها التاريخي، في يوم نراه قريباً ويرونه بعيداً. آخر الكلام: لابد من الديمقراطية وإن طال السفر!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة