مرّت سنتان… سنتان على الغياب الذي لم يحمل خاتمة، على الانتظار الذي لم يُمنَح حتى شرف الوداع. كانت أحلام تعمل الآن في فرعٍ صغير، بعيد، لا يعبره كثيرون، كأنّما أُسند لها مكانٌ يناسب خفوتها. كأنها اختارت العزلة بنفسها، أو لعلها كانت تُنفّذ عقوبة قلبٍ أحبّ بصدق… وخُذل. صارت أكثر هدوءًا، أقل حضورًا في المكان، وأكثر حضورًا في الغياب. تمشي بهدوء الموج بعد العاصفة، تؤدي مهامها دون خطأ، دون شكوى، دون أيّ ضجيج. لكنّ هناك شيئًا في عينيها... لم يكن ينكسر، بل يتوارى، كضوءٍ يعرف أنّ لا أحد يبحث عنه. وفي المساء، حين يذوب ضجيج النهار، كانت تفتح دفترًا أبيض، تخطّ فيه كلمات صغيرة، كأنها تكتب رسائل لا تنوي إرسالها:
"سامحتك دون أن أراك، لأنك لم تَعُد، ولأني تعبت من الانتظار." "هل يُشفى الإنسان من حبٍ لم يكتمل؟ أم يُولد ناقصًا إلى الأبد؟"
كانت تكتب، ثم تطوي الصفحة، وتنام كمن وضع قلبه في الدُرج وأغلقه بمفتاح النسيان... أو حاول. وفي صباح باكر، دخل رجلٌ لم تعرفه. شاب، يبدو عليه الإرهاق رغم أناقته، يحمل مستندات وأوراقًا، ويبدو وكأن قلبه يحمل فوضى أكبر. قال، وهو يمرّر ملفًا دون أن يرفع عينيه في البداية: — "اسمك أحلام؟" رفعت رأسها إليه، صامتة، بعينين لا تعترفان بشيء. نظر إليها برهة، ثم قال، بنبرة خافتة كأنها خرجت منه دون قصد: — "اسمك جميل… بس فيه حزن." ابتسمت. ابتسامة شاحبة، كأنها لا تخص اللحظة، بل تذكّرت شيئًا بعيدًا جدًا. تلك الابتسامة حيّرته… كأنها كانت وداعًا صغيرًا، أو اعتذارًا مؤجلًا. وفي اليوم التالي… لم تأتِ أحلام. على مكتبها، وُجد ظرف أبيض، بلا اسم، بلا ختم، فقط ورقة مطوية بعناية. داخلها، كُتبت عبارتان، كل واحدة بخط مختلف:
"لم أعد كما كنت، لكني لم أنسَك." "ولا العائد عاد، ولا الغائب غاب تمامًا."
ومنذ ذلك اليوم، لم يرها أحد. كأنها خرجت من المشهد ببطء، كما كانت دائمًا… بلا صوت، بلا أثر، سوى ظلها الهادئ الذي لا يبرح المكان. لكنّ بعض القلوب تعرف: أن من يختفي بهدوء، يظلّ حاضرًا في الزوايا التي لم نعد نجرؤ على النظر إليها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة