خرجَ الشَّعبُ السُّودانيُّ في كلِّ مدنِ البلادِ، من الشَّمالِ إلى الجنوبِ، ومن الشرقِ إلى الغربِ، مجددًا موقفَهُ الواضحَ والحاسمَ: لا للانقلابِ، لا لحكمِ العسكرِ، لا لعودةِ الفلولِ. لقد تأخَّرَ خطابُ البرهانِ ساعاتٍ عن موعدِه، لا لعطلٍ فنِّيٍّ، ولا لظرفٍ طارئٍ، بل لأنَّ مواكبَ الجماهيرِ كانت تملأُ الشوارعَ وتهتفُ بسقوطِه، وتقطعُ عليه الطريقَ كما قطعتْ من قبلِه على كلِّ مستبدٍّ حاولَ الالتفافَ على إرادةِ الشَّعبِ. فباسمِ أيِّ شعبٍ يتحدَّثُ البرهانُ؟ هل يتحدَّثُ باسمِ الأمهاتِ اللائي فقدنَ أبناءَهنَّ برصاصِ قواتِه؟ أم باسمِ الثكالى والجرحى والمعوَّقين الذين دفعوا ثمنًا باهظًا في سبيلِ الحريةِ؟ أم باسمِ الملايينِ الذين يعيشونَ الفقرَ والجوعَ والذلَّ، بسببِ سياساتِه وسياساتِ منظومتِه المنهارةِ؟! إنَّ الانقلابَ الذي نفَّذه البرهانُ في الخامسِ والعشرينَ من أكتوبر، لم يكنْ سوى محاولةٍ يائسةٍ لقطعِ الطريقِ على الثورةِ، وحمايةٍ لظهرِ الفلولِ الذين أطاحتْ بهم الجماهيرُ في ديسمبر. لقد جاءَ هذا الانقلابُ في خدمةِ بقايا النِّظامِ السَّابقِ، ليمنحَهم صكَّ غفرانٍ سياسيٍّ، وليُعيدَ تمكينَهم في مفاصلِ الدولةِ، بعد أن لفظهم الشارعُ ورفضتْهم كلُّ قوى الثورةِ. ومع كلِّ يومٍ يمرُّ، يتأكَّدُ أنَّ البرهانَ لا يمثِّلُ إلَّا مصالحَهُ الضيِّقةَ، ومصالحَ محيطِه العسكريِّ والأمنيِّ، الذين يحاولونَ بكلِّ وسيلةٍ إجهاضَ الحلمِ السُّودانيِّ بالدَّولةِ المدنيَّةِ، دولةِ القانونِ والعدالةِ والمواطنةِ. لقد وقفَ البرهانُ سدًّا منيعًا أمامَ المدِّ الثوريِّ الذي اجتاحَ البلادَ منذ ديسمبر ٢٠١٨، وبدلًا من أن يكونَ حاميًا للثورةِ، أصبحَ ألدَّ أعدائِها، وبدلًا من أن يُعلي رايةَ العدالةِ، أصبحَ حاميًا للقتلةِ ومبررًا لانتهاكاتِهم. بل إنَّ البرهانَ لم يقفْ فقط ضدَّ المسارِ السياسيِّ، بل وقفَ حجرَ عثرةٍ أمامَ كلِّ إمكانياتِ النُّهوضِ الاقتصاديِّ، بربطِ البلادِ بمحاورَ لا تخدمُ مصالحَ الشَّعبِ، وبتفكيكِ التوافقِ الداخليِّ لصالحِ أجنداتٍ خارجيةٍ. فكيفَ يُمكنُ أن يُعيدَ هذا الانقلابُ الاستقرارَ، وهو منبعُ كلِّ فوضى؟ وكيفَ يُمكنُ أن يُحقِّقَ الأمنَ، وهو من أطلقَ يدَ الميليشياتِ والسلاحِ غيرِ المنضبطِ؟ وكيفَ يُمكنُ أن يُؤسِّسَ لمرحلةٍ جديدةٍ، وهو من غدرَ بالوثيقةِ الدستوريةِ، وقوَّضَ الحكومةَ الانتقاليةَ، وفضَّ الشراكةَ من طرفٍ واحدٍ؟! الشَّعبُ الذي خرجَ في المدنِ والقرى، يهتفُ من جديد: "حرية، سلام، وعدالة، والثورةُ خيارُ الشَّعب"، لم يعُدْ يثقُ في الخطاباتِ، ولا البياناتِ، ولا المسوغاتِ الواهيةِ. إنَّهُ يُدركُ تمامًا أنَّ لا خلاصَ إلَّا بزوالِ الانقلابِ، ومحاكمةِ من قتلَ الشَّبابَ، وعودةِ المسارِ المدنيِّ الديمقراطيِّ، بلا تسوياتٍ هزيلةٍ، ولا صفقاتٍ على حسابِ الدَّمِ. ختامًا، ليسَ للبرهانِ أن يتحدَّثَ باسمِ الشَّعبِ، فالشعبُ قد قالَ كلمتَه، وكتبَها في دفاترِ الشُّهداءِ، وعلى جدرانِ الخرطومِ، وفي وجدانِ كلِّ أمٍّ ثكلى: "يسقط حكم العسكر، مدينة قرار الشعب!!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
الأمين مصطفى
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست