حين يسقط الرمز: دراما كامل إدريس .. بين أسمرا والرياض ونيويورك كتبه محمد عبدالله إبراهيم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 11-08-2025, 10:58 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-17-2025, 07:10 PM

محمد عبدالله ابراهيم
<aمحمد عبدالله ابراهيم
تاريخ التسجيل: 12-21-2015
مجموع المشاركات: 107

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حين يسقط الرمز: دراما كامل إدريس .. بين أسمرا والرياض ونيويورك كتبه محمد عبدالله إبراهيم

    08:10 PM October, 17 2025

    سودانيز اون لاين
    محمد عبدالله ابراهيم-الخرطوم-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر







    في مسرح السياسة، تتكشف أحياناً مشاهد تتجاوز كل ما تسمح به البروتوكولات أو يحدده المنطق الدبلوماسي. تتسلل إلى عمق المأساة الإنسانية التي تكتب بخيوط الخيبة والوجع على وجه الوطن. ليست زيارة رئيس وزراء سلطة الأمر الواقع في بورتسودان، الدكتور كامل إدريس، إلى أسمرا، مجرد جولة رسمية لمسؤول رفيع، بل كانت فصلاً درامياً مكشوفاً من رواية كبرى عنوانها "سقوط الرمز".

    كانت الزيارة في ظاهرها لقاءً دبلوماسياً، لكنها تحولت في لحظات إلى مشهد من العبث السياسي، حين صدح صوت كامل إدريس بهتاف مدوي وغريب "عاش الرئيس أسياس!"، مردداً إياه أمام حشد من المارة بينما كان يتجول برفقة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي في أحد شوارع أسمرا، وفي تلك اللحظة القصيرة التي التقطتها العدسات، سقطت الأقنعة وتبعثرت الكلمات، وتحول ممثل الحكومة ورئيس وزرائها إلى مشجعٍ يهتف لغيره، ولم يكن المشهد مجرد تصرف عابر، بل تجسيداً لانكسار رمزي مريع، حين تماهى رئيس الوزراء، مع رئيس دولة أخرى، ونزع عن نفسه وقار دولته وهيبتها، ولم يكن الهتاف عفوياً كما بدا، بل جاء كإعلانٍ فاضحٍ عن غياب الحس الوطني الذي يفترض أن يميز رجل الدولة عن المشجع او المواطن العادي، وبين من يمثل السيادة ومن يفرط في رمزها بأريحية مبتسمة.

    هتاف كامل ادريس حمل في طياته زلزالاً دلالياً. فقد بدا وكأنه انحناءة غير مبررة، تقوض فكرة الندية بين الدول، وتستبدلها بمشهد تبعية سياسية لم يشهدها تاريخ العلاقات السودانية الإريترية. فالتمثيل الوطني ليس مجرد حضور جسدي أو كلمات بروتوكولية، بل هو قدرة على تجسيد السيادة في هيئة إنسان، على أن يتحدث بلسان الوطن لا بلسان العاطفة.

    إن الدبلوماسية، في جوهرها، فن التوازن بين القوة والكياسة، بين الموقف والابتسامة، بين الصمت والكلمة، وحين يفقد السياسي هذا التوازن، ينهار الجدار الرقيق الذي يفصل بين شخصه ودولته، فتغدو تصرفاته الفردية مرآةً تعكس تشوه صورة وطن بأكمله، وهكذا تحولت لحظة الهتاف في أسمرا إلى منعطفٍ رمزي في التاريخ السياسي السوداني، ولحظة انكشفت فيها هشاشة الوعي الرسمي، وصار فيها الصوت الفردي جرحاً جماعياً يضاف إلى سلسلة الجراح التي تنزف من الماضي والحاضر والمستقبل.

    لكن كامل إدريس لم يكتف بالمشهد في أسمرا. فبعد عودته إلى بورتسودان، عقد مؤتمراً صحفياً أدلى فيه بتصريحات لا يمكن وصفها إلا بأنها "ورجغة سياسية"، حين أطلق على الرئيس الإريتري لقب "فارس إفريقيا". بدت العبارة في ظاهرها مديحاً دبلوماسياً، لكنها في سياقها جاءت امتداداً طبيعياً للهتاف، وكأن الرجل أراد أن يضمد فضيحته بضماد من الكلمات المنمقة المبالغ فيها. غير أن الفضيحة كانت أوسع من أن تغطى، والجرح أعمق من أن يشفى، فتحولت تصريحاته إلى تبرير لما لا يبرر، وإلى مرآة تكشف عن نزعة شخصية مأزومة، تميل إلى الإعجاب الفردي والتضخيم الذاتي أكثر مما تعبر عن رؤية وطنية أو موقف يعكس كرامة الدولة.

    هنا، لم يعد الأمر مجرد خطأ بروتوكولي عابر، بل أزمة وعي سياسي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فالقائد الذي لا يدرك حدود كلماته، ولا يزن وقعها على رمزية المنصب، يسقط عن نفسه وعن الدولة التي يمثلها جزءاً من الهيبة، وربما الهيبة كلها. في عالم السياسة، لا تعد الكلمات زلات لسان، بل أفعالاً ذات أثر تاريخي، تسجل في ذاكرة الأمم لا في ذاكرة الأفراد. فكل حرف يقال في العلن، يضاف إلى سجل الدولة، ويصبح جزءاً من صورتها أمام العالم، لا مجرد تعبير شخصي يزول بانتهاء المؤتمر أو بإغلاق الميكروفون.

    فضيحة كامل إدريس في أسمرا لم تكن سوى فصلاً جديداً في سلسلة من الفصول المفضوحة، التي تتكشف تباعاً كلما حاول الرجل أن يرتدي ثوب الدولة وهو ما زال أسير نزعات الفرد. فالمشهد الذي بدأ بهتاف في شوارع أسمرا، لم يكن مجرد زلة، بل عرضاً متكرراً لأزمة أعمق، أزمة رجل لا يدرك أن من يمثل وطناً لا يجوز له أن يتصرف كهاو يبحث عن تصفيق الجماهير، وأحد تلك الفصول وقع على أرض المملكة العربية السعودية، حين زار الرياض كما تروي المصادر في زيارة تمت دون أي تنسيق رسمي أو ترتيب بروتوكولي مسبق. ذهب الرجل وعاد كما ذهب، دون أن يلتقي أي مسؤول سعودي رفيع المستوى، في مشهد يشي إما بارتباك إداري داخل حكومته، أو بعدم اعتراف ضمني من الدولة المضيفة بشرعيته السياسية. كان الموقف في جوهره رسالة صامتة، لكنها أشد وقعاً من التصريحات، إذ كشفت عزلة الرجل عن عمق الأزمة التي تحيط بحكومته، وعن انعدام الوزن الدبلوماسي الذي بات يلاحقها في كل اتجاه.

    كانت تلك الزيارة، التي وصفها الإعلام الحكومي بـ"الناجحة"، أقرب إلى رحلة سياحية منها إلى مهمة دبلوماسية، وعندما عاد إدريس ليعقد مؤتمراً صحفياً ويصفها بـ"الإنجاز الكبير"، بدا وكأنه يحاول إقناع نفسه قبل الآخرين. ففي زمن الشفافية الرقمية لم يعد الكذب السياسي ممكناً، ولم تعد محاولات التجميل الإعلامي قادرة على إخفاء العجز. لقد تحولت محاولة "تزيين الفشل" إلى اعتراف ضمني بغياب الحقيقة، مؤكدة أن القيادة، حين تفقد الصدق، تفقد معها جوهر سلطتها الأخلاقية، ويصبح المنصب مجرد كرسي فارغ، والحضور مجرد واجهة بلا مضمون.

    ثم جاء المشهد الآخر من الدراما الفاضحة، على خشبة الأمم المتحدة في نيويورك، في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تقف الدول لتعلن مواقفها أمام العالم. هناك وقف إدريس ليلقي خطاباً وصف بأنه "ملفق وضعيف، فقير، وخجول"، خطاب يمثل أحد أطراف الحرب فقط، الجيش السوداني، لا خطاب رجل دولة يعبر عن أمة كاملة ويسعى لوقف نزيف الحرب، وكان صوته متردداً، وكلماته تائهة بين الرغبة في الإقناع والعجز عن التعبير. لم يترك الخطاب أثراً، ولم يحمل رؤية واضحة، ولم ينقل عمق المأساة التي يعيشها السودان. في اللحظة التي كان العالم فيها ينتظر نداءً صادقاً من قلب الخرطوم، خرج الصوت باهتاً، بارداً، بلا حرارة، بلا إيمان، وكأن الحضور شاهد على تآكل رمزية الدولة في عين العالم قبل الداخل.

    إن الخطاب السياسي ليس نصاً مكتوباً، بل موقفاً يتشكل من الداخل، وهو نتاج إيمان القائد بعدالة قضيته، وقدرته على ترجمة وجع شعبه إلى لغة تلهم العالم، وعندما يفتقر الخطاب إلى الروح، يفقد تأثيره حتى وإن كان متقناً نحوياً. لذلك بدا خطاب إدريس في نيويورك وكأنه وثيقة عجز جماعي، لا إعلان موقف.

    هذه الحوادث الثلاث أسمرا، الرياض، نيويورك، لم تكن مجرد أخطاء متفرقة، بل حلقات في سلسلة تكشف هشاشة الرمز، وانفصال القائد عن المعنى الحقيقي للقيادة. فالشخص الذي يوصف بأنه "خجول، متردد، يفتقر إلى الثقة بالنفس"، لا يستطيع أن يجسد هيبة الدولة، ولا أن يقنع الداخل والخارج بأنه مؤتمن على مصير وطن. الكاريزما ليست ترفاً في القيادة، بل ضرورة وجودية، وهي الأداة التي تمنح الكلمات وزنها، والمواقف قوتها، والتاريخ احترامه.

    وما يزيد المشهد قتامة، أن اسم الدكتور إدريس يرتبط منذ سنوات باتهامات تطعن في مصداقيته، من قضايا تزوير إلى تلاعب في وثائق رسمية خلال عمله في المنظمة العالمية للملكية الفكرية. تلك التهم، وإن حاول أن يتجاهلها، تظل كظلال تلاحقه أينما ذهب، وتذكر بأن القيادة تبدأ من الثقة، وتنتهي حين تنكسر هذه الثقة. فالقائد الذي يحمل ماضياً ملوثاً لا يمكنه أن يصنع مستقبلاً نقياً.

    اليوم، وبعد هذه الفضائح المدوية والمواقف التي أثبتت فشل الرجل، خاصة أنه إلى الآن لم يقدم أي إنجاز ملموس، أوجه له دعوة صريحة للاستقالة والعودة إلى مقر إقامته في سويسرا، حيث الهدوء والابتعاد عن صخب السياسة. ليست دعوتي رغبة في الانتقام، بل محاولة لإنقاذ ما تبقى من كرامة المنصب. فحين يتحول القائد إلى عبء على صورة الدولة، يصبح الرحيل شجاعة لا هزيمة، وفضيلة لا ضعفاً، والتاريخ يحتفظ فقط بأولئك الذين عرفوا متى يتنحون قبل أن يجبرهم الواقع على الرحيل المهين.

    في جوهر الأمر، لا تتعلق قصة كامل إدريس بشخصه وحده، بل بما يعكس مرض أعمق يعانيه جسد السياسة السودانية في لحظتها الراهنة. أزمة وعي بالمفهوم الحقيقي للتمثيل الوطني، واختلال في معايير اختيار القادة، حيث تقدم الولاءات الشخصية على الكفاءة، وتختزل الدولة في صورة الفرد، فيصبح سقوطه سقوطاً لرمزيتها بأكملها. وكامل إدريس ليس أكثر من دمية في يد قيادة الجيش السوداني، التي سعت لإضفاء شرعية على سلطتها في بورتسودان، فقامت بتعيينه رئيساً للوزراء، وشكلت حكومته من شخصيات اختارها الجيش ذاته، وكانت قيادة الجيش تعتقد أن مجرد التعيين، وتشكيل الحكومة من شخصيات مدنية، يكفي لخداع العالم بأنها حكومة كفاءات مدنية ووطنية حقيقية.

    وبدلا من هذا الاستهبال، من الأفضل للجيش، وللسودان، وشعبه، هو العمل الجاد على وقف الحرب وتحقيق السلام، وفتح المجال أمام الشعب لاختيار حكومة مدنية تمثله، تحقق أهداف ثورته، وتفضي إلى التحول المدني الديمقراطي المنشود. فالسيادة الحقيقية لا تمنح بالقوة، بل تستعاد بالشفافية، والعدل، وتمكين المواطنين من تقرير مستقبلهم بأنفسهم.

    الرموز ليست مجرد أشخاص، بل معان متجسدة، والقائد هو تمثال من ثقة يقام في ذاكرة الأمة، وحين يتشقق هذا التمثال، لا تعود الكلمات قادرة على ترميمه. فالكاريزما، الصدق، الشجاعة، والنزاهة، ليست سمات شخصية فقط، بل أدوات بقاء للأمم في وجه الزمن، وإن سقوط الرمز لا يعني فقط إخفاق قائد او مسؤول في مهمة أو كلمة، بل انهيار الرابط الروحي بين الشعب ومؤسسات حكمه، وحين يفقد الناس احترامهم لمن يمثلهم، تبدأ شرارة الانهيار من داخل الوجدان الجمعي، لا من ساحات المعارك.

    ولعل المأساة الأكبر في تجربة كامل إدريس، ليست في أخطائه العلنية، بل في عجزه عن إدراك حجم الضرر الرمزي الذي ألحقه ببلاده. فحين يهتف باسم رئيس أجنبي، أو يمدح من لا يحتاج مديحه، أو يصف زيارته الفاشلة بالنجاح، فهو لا يسيء إلى نفسه وحده، بل إلى فكرة الدولة ذاتها، وإلى جيل يحاول أن يعيد للسودان ما فقده من وقار في عيون العالم. إن هذه الدراما السياسية، بكل ما فيها من مفارقات، ليست سوى مرآة تعكس أزمة عميقة في مفهوم الحكم ذاته. فهي تذكرنا بأن القيادة ليست سلطة، بل مسؤولية، وأن المنصب لا يصنع القائد، بل يكشف معدنه.

    وفي النهاية، يبقى السؤال الأهم .. ما الثمن الحقيقي للقيادة التي تفتقر إلى المصداقية والكاريزما؟ والإجابة، كما تعلمنا من دروس وتجارب التاريخ، "باهظة"؛ إنها ثمن الثقة، وثمن الهيبة، وثمن الحلم الوطني حين ينهار تحت وطأة الخيبة، وحين يسقط الرمز، لا تتهاوى الألقاب فحسب، بل يسقط معها جزء من روح الأمة، ويتلاشى الإيمان بالقدوة، وتفقد الكلمات معناها، وتغدو السياسة مجرد مسرح بلا بطل.

    لكن من بين ركام هذا السقوط، قد ينبثق الدرس الأهم: القيادة ليست في البقاء على المنصة، بل في القدرة على مغادرتها بكرامة حين يتضاءل الضوء والفشل يلوح في الأفق، والكلمة ليست زينة الخطاب، بل مسؤولية أمام الله، والتاريخ، والشعب، وهيبة الدولة لا تبنى بالهتاف، بل بالفعل، بالصدق، وبالوعي بأن الوطن أكبر من كل الأسماء، وأقدس من كل المناصب.

    فالدولة، في نهاية المطاف، ليست مجرد مؤسسات، بل روح من كرامة وضمير. وحين يسقط الرمز، يتناثر الضوء، وتبقى الذاكرة وحدها تحمل السؤال الأبدي .. هل سيتعلم القادة القادمون أن هيبة الدولة لا تصان بالتصفيق، بل بالصمت الواعي، والحكمة التي تعرف متى تتكلم ومتى تنسحب؟

    إن دراما كامل إدريس الفاضحة، بما تحمله من رمزية، ليست نهاية الحكاية، بل مرآة مفتوحة لكل من يظن أن المنصب يحصنه من السقوط. فالتاريخ في نهاية المطاف، لا يخلد أسماء من جلسوا على الكراسي، بل من صانوا الكرامة حين انهارت حولهم الأصوات، والذين عرفوا أن الهيبة الحقيقية لا تقاس بالمنصب، بل بالقدرة على الوقوف مع الوطن حتى في أحلك اللحظات.



    محمد عبدالله إبراهيم
    ناشط مدني ومدافع عن حقوق الانسان
    [email protected]























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de