يعيش الشعب السوداني اليوم واحدة من أقسى المراحل في تاريخه الحديث، مرحلة امتزجت فيها دموع النزوح بأصوات القذائف، وتبددت فيها أحلام السلام تحت ركام المدن المدمّرة. منذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، تحوّل السودان من بلد يطمح إلى الانتقال الديمقراطي إلى ساحة صراع مفتوح، يدفع ثمنه المواطن البسيط من دمه وكرامته ولقمة عيشه.
في الداخل، يعيش السودانيون كابوس الحرب بكل تفاصيله. الخرطوم التي كانت قلب البلاد النابض أصبحت أطلالًا، وولايات دارفور وكردفان تحوّلت إلى بؤر نزاع وحصار ومعاناة. ملايين المدنيين نزحوا من منازلهم، بعضهم إلى مناطق أكثر أمانًا داخل البلاد، وآخرون إلى دول الجوار بحثًا عن النجاة. ومع كل يوم جديد، تتزايد القصص الموجعة عن فقدان الأحبة، وعن الأسر التي تمزقت بين الحدود والمعسكرات.
ولم تقتصر المأساة على الحرب وحدها، بل تفاقمت الأزمة الإنسانية والاقتصادية. انقطعت سبل الإمداد، وتوقفت الخدمات، وتدهورت قيمة العملة الوطنية إلى مستويات غير مسبوقة. في ظل هذا الواقع المرير، غابت الدولة ومؤسساتها، وتراجع صوت القانون، لتحلّ محله لغة القوة والسلاح. وأصبح المواطن السوداني يواجه مصيره وحيدًا، بين جوعٍ لا يرحم، وخوفٍ لا يفارقه، ومستقبلٍ غامض لا يلوح فيه أفق النجاة.
أما في الخارج، فحال السودانيين لا يقل قسوة. فبعد أن أجبرتهم الحرب على الهروب من جحيم الداخل، وجدوا أنفسهم في مهاجر الذل والمعاناة. آلاف اللاجئين السودانيين في مصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا يعيشون في ظروف صعبة، محرومين من أبسط الحقوق الإنسانية. كثيرون منهم يواجهون سوء المعاملة، والإهمال، والتضييق في الإقامة والعمل والتعليم. لقد خرجوا من وطنٍ يشتعل بالحرب، ليجدوا في الغربة أبوابًا موصدة وقلوبًا لا تبالي.
تلك الصورة المزدوجة حرب في الداخل وهوان في الخارج تختصر مأساة الإنسان السوداني اليوم. شعب عرف عبر تاريخه بالصبر والعزة، يجد نفسه الآن في وضعٍ لا يُحتمل، بين قوى تتنازع على السلطة، ومجتمع دولي يكتفي بالمراقبة والبيانات. ومع ذلك، لا تزال جذوة الأمل متقدة في قلوب السودانيين الذين يؤمنون أن هذا الليل الطويل سينقضي، وأن السلام لا بد أن يعود يومًا، ولو بعد حين.
ختامًا، لا يحتاج السودان اليوم إلى مزيد من الخطابات، بل إلى ضميرٍ إنسانيٍ حيّ وإرادة دولية حقيقية توقف نزيف الدم، وتعيد لهذا الشعب حقه في الحياة والكرامة. فالسودانيون يستحقون أن يعيشوا كما أرادوا دومًا: أحرارًا في وطنٍ آمنٍ كريم، لا تحكمه البنادق ولا تهدر فيه الكرامة عند الحدود.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة