هوس الظهور الإعلامي.. مرآة لشخصية مأزومة كتبه د. ياسر محجوب الحسين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 10-17-2025, 04:38 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-15-2025, 07:51 PM

د. ياسر محجوب الحسين
<aد. ياسر محجوب الحسين
تاريخ التسجيل: 07-28-2018
مجموع المشاركات: 391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هوس الظهور الإعلامي.. مرآة لشخصية مأزومة كتبه د. ياسر محجوب الحسين

    07:51 PM October, 15 2025

    سودانيز اون لاين
    د. ياسر محجوب الحسين-UK
    مكتبتى
    رابط مختصر



    أمواج ناعمة




    لم يعد الظهور الإعلامي ساحة لتداول الأفكار أو نقل الحقائق، بل تحوّل عند بعض النفوس إلى طقسٍ مرضي لإشباع نهمٍ داخلي لا يرتوي إلا بالتصفيق والعدسات. فمنذ أن تمددت الشاشات في كل جيب، وصار الميكروفون في متناول الجميع، انفتح الباب واسعًا أمام طائفة من البشر لا يطيقون أن يكونوا خارج الضوء، حتى وإن كان الضوء زائفًا أو محرقا.



    لقد لامس علماء النفس جوهر هذه الظاهرة حين ربطوها بما يسمّى بـ”الحاجة إلى التقدير”، وهي حاجة طبيعية حين تبقى في حدودها، لكنها تتحول إلى عُقدة نرجسية حين يصير الظهور غاية في ذاته، لا وسيلةً لخدمة فكرة أو قضية. هنا تنقلب المهنة إلى قناع، وتتحوّل الكلمة إلى أداة تلميع للذات. لا يعود الإعلام وسيلة للتنوير، بل وسيلة للتضخيم.



    في هذا السياق، يطل نموذج إبراهيم بقال بوصفه حالة متكثّفة لهوس الظهور؛ رجل لم تصنعه الصحافة بقدر ما صنع منها نموذجا أرقوزيّا يعكس صورته لا واقعها. بدت الكاميرا في يده أقرب إلى مرآة جيب يحملها أينما ذهب، ليطمئن على ملامح حضوره أمام الآخرين. لكنه نسي أن المرآة لا تعكس ملامح الوجه وحدها، بل تفضح أيضاً تشققات الشخصية.



    يتجسد فيه التناقض الحاد بين صورة الضابط رفيع الرجولة، وبين ممارساتٍ تنتمي إلى عالم الزينة والتجميل؛ إذ لا يتوانى عن استخدام كريمات التجميل الخاصة بالنساء، ثيّباتٍ وأبكاراً، كأنما يسعى لتلميع ملامحه بقدر ما يحاول تلميع صورته العامة. يجمع بين صرامة البزّة العسكرية ونعومة أدوات التجميل، في مزيج يلخّص مأزقه الداخلي بين ما يتصنّعه وما هو عليه فعلاً.



    فهل يُعقل أن يرتدي هذا الرجل يوماً ملابس ضابط برتبة “فريق” ويزعم أنه والٍ على ولاية الخرطوم؟! هو نفسه الذي يرقص في مكتبه كما لو كان في حفل زفاف لا في موقع مسؤولية مزعومة! إنه حقا مثالٌ حيّ على كيف يمكن للكاميرا أن تكون سلاحا ذا حدّين؛ فهي تمنحه صورة البطل في عينيه، بينما تضحك عليه الجماهير.



    تنقّل بقال بين التيارات السياسية كما يتنقّل العطشان بين السراب، لا بحثا عن الحقيقة، بل عن زاوية تصويرٍ أفضل. كل ظهور عنده نصر، وكل غياب هزيمة شخصية، حتى صار وجوده الإعلامي لا يقوم على المضمون، بل على الإلحاح في أن يكون حاضرا، متكلّما، متصدّرا، ولو في مشهد محترق.



    إن بقال وأمثاله لا يكتبون بمداد الحبر، بل بمداد الاضطراب النفسي، فهم لا يتحدثون عن العالم بل عن أنفسهم في ثياب العالم. وحين يتسلّق مثل هؤلاء منابر الإعلام، يتحوّل الفضاء الصحفي إلى سيركٍ يعجّ بالمهرجين؛ كلّ يؤدي دوره تحت وهج الضوء، وكلّ يظن نفسه النجم الأوحد، فيما الحقيقة أن الجمهور غادر منذ زمن.



    تُظهر الدراسات الحديثة أن هذا الهوس بالظهور ليس مجرد سلوك فردي، بل عرضٌ لمرض اجتماعي متفاقم. فالثقافة الرقمية المعاصرة – بما تبثه من صور مثالية ومقارنات قاسية – جعلت الشهرة مقياسا للقيمة، والاختفاء عن الشاشة مرادفًا للعدم. وهكذا بات الإنسان يعيش في سباقٍ محموم مع صورته، يلهث خلف الاعتراف الافتراضي ليعوض غياب الاعتراف الحقيقي.



    لقد غيّرت وسائل التواصل الاجتماعي قواعد اللعبة؛ صار كل إنسان قناته الخاصة، ومجاله العام بحجم شاشة هاتفه، وأصبحت الشهرة في متناول من يجرؤ أكثر لا من يعرف أكثر. في هذا المناخ، يزدهر أصحاب الهوس، وتبهت الأصوات العاقلة. ومع الوقت، تتآكل الحدود بين الرسالة والاستعراض، وبين الإعلامي والممثل، حتى يغدو المشهد كله استعراضا كبيرا بلا مضمون.



    غير أن أخطر ما في الأمر أن هذا الاضطراب لا يُرى بالعين المجردة، لأنه متخفٍّ في هيئة نجاح. فالمهووس بالظهور يبدو نشيطا، حاضرا، متحدثا بثقة مزيفة، لكن وراء كل ذلك هشاشة عميقة وشعور خانق بالنقص. إنهم ضحايا الصورة التي صنعوها لأنفسهم، أسرى ربما لتصفيق مؤقت لا يُسمع إلا داخل الفراغ.



    ولأن الطيور تقع على أشكالها، وجد بقال أشباهه في المشهد الإعلامي، يعتاشون جميعًا على فتات الأضواء، يلوّنون المواقف ويبدّلون الولاءات كما يُبدّل الممثل أقنعته بين مشهدٍ وآخر. إنهم “النجوم” الذين لا تضيء لهم شمس، و”الصحفيون” الذين لا يؤمنون بالخبر إلا إن كان خبرًا عنهم.



    في النهاية، ليس الهوس بالظهور الإعلامي مجرد خللٍ في السلوك، بل اختلال في منظومة القيم التي تحوّل الميكروفون إلى علاجٍ نفسي، والكاميرا إلى مرآة مشروخة تعكس قبح الداخل بزينةٍ خارجية. فحين يغيب المعنى، يصبح الصوت ضجيجا، وتتحول الصورة إلى صدى لفراغٍ أكبر.



    إن الصحافة، في جوهرها، فعلُ حضور من أجل الحقيقة، لا حضورٍ من أجل الذات. وكل من جعل من الكاميرا وسيلته للوجود، لا لقول الحق، فإنما يسير بخطى ثابتة نحو الغياب. فليس كل من يُرى موجودا، ولا كل من صمت غائبا. والإنجاز الحق، كما قال الحكماء، ليس في أن تُرى، بل في أن تُحدِث أثرا.

    للاطلاع على مزيد من مقالات الكاتب سلسلة (أمواج ناعمة): https://shorturl.at/YcqOh























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de