في عالمٍ تتغيّر فيه التحالفات وتبقى الجراح على حالها يطلّ مشهد غزة كمرآة تعكس أقصى درجات الألم الإنساني وتعيد طرح السؤال القديم الجديد هل ما زال في هذا العالم متّسعٌ للرحمة؟ انتهت الحرب في غزة أو هكذا يُقال لكن الوجع ما زال يصرخ من بين الركام مدينة صغيرة قاومت العالم ودفعت أثمانًا باهظة لتبقى على قيد الوجود المشهد اليوم مروّع أبراج سويت بالأرض أحياء اختفت من الخرائط وقلوب أمهات تنزف على أطفالٍ لن يعودوا ورغم هذا الحزن العميق ثمة بصيص أمل يلوح في الأفق بأن يكون توقف القصف بدايةً لسلام طال انتظاره غير أن غزة ليست وحدها في مأساتها فهناك في وطني العزيز السودان حرب أخرى تدور رحاها منذ شهور طويلة حرب تلتهم المدن والقرى وتكسر ما تبقّى من حلم الوطن وبين رماد غزة ودموع الخرطوم والفاشر ونيالا يبرز سؤال موجع هل يكون توقف الحرب في فلسطين مقدمة لسلامٍ يهبّ على السودان أم أن المصالح الدولية ستظل تُدار على حساب الإنسان؟ الواقع يقول إن إرادة إنهاء الحروب لا تنبع من ضمير العالم بقدر ما تُرسم وفق خرائط المصالح فالدول الكبرى تتدخل حين تتقاطع مصالحها وتصمت حين يكون الضحايا خارج حساباتها هكذا تتكرر المأساة من غزة إلى دارفور ومن خان يونس إلى الخرطوم حيث الإنسان دائماً الحلقة الأضعف في معادلة السياسة ومع ذلك، فإن الأمل لا يموت فكل حرب مهما طالت سوف تنتهي وكل ليل مهما اشتد سوف ينبلج عنه فجر ساطع وكما قال الله تعالى"إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" إن ما تحتاجه شعوبنا اليوم ليس مجرد وقف إطلاق نار بل وقف انهيار الإنسان ذاته وإعادة بناء ما تهدّم في النفوس قبل البنيان فالحروب لا تقتل الجسد فقط بل تقتل الحلم والإيمان بالمستقبل من غزة التي تقاوم بركامها إلى السودان الذي يبحث له عن مخرج من العتمة والنفق المظلم حيث يمتد خيط واحد من الألم والأمل معًا لعل صرخة الأمهات ودموع الأطفال تكون أبلغ من أصوات البنادق ولعل هذا العالم يدرك يومًا بأنه لا سلام حقيقيًّا يُبنى على أنقاض البشر إن الإنسانية التي تكتفي بالبكاء على غزة وتتغاضى عن نزيف السودان تحتاج أن تعيد تعريف نفسها فالله الذي حرّم الظلم على نفسه وجعل النفس الواحدة كأنها الناس جميعًا لا يرضى بهذا الصمت الجبان يقول الله عز وجل "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا" [المائدة: 32] فالنرفع الصوت في وجه الحروب ولنجعل من وجع غزة ودم السودان جرس إنذار لهذا العالم كي يستفيق من غفلته فسلام الأرض لن يتحقق إلا حين يتصالح الإنسان مع إنسانيته أولاً وفي الختام نسأل الله أن يخفف عن أهل غزة الصابرين ما يمرون به من محن فبينما تُنفذ المداهمات والإعدامات الميدانية بلا أي ضوابط أو رقابة يبقى السؤال حول العواقب الإنسانية لهذه الأفعال تصفية العملاء قد تكون مبررة في سياقات معينة والخوناء والجواسيس والعملاء هم مخالب الأعداء وكذلك لا يمكن تجاهل تزايد عمليات التنكيل التي تطال كل من يعارض حماس وهي مسألة تثير الكثير من التساؤلات حول معنى العدالة في ظل هذا الوضع المعقد وأمام هذا الواقع يبقى أهل غزة وحدهم يتحملون تبعات سياسة قاسية تفتقر إلى الإنسانة في كثير من تفاصيلها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالرحمن محمد فضل
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست