بقلم : ١ أشرنا سابقا إلى تصاعد عمليات الفساد وتهريب الذهب وسيطرة الشركات خلال العامين الماضيين من الحرب في مناطق طرفي الحرب' فبعد قرار حكومة بورتسودان بحصر تصدير الذهب عبر بنك السودان' تمسّك ممثلو الشركات بموقفهم الرافض لقرار حصرية تصدير الذهب عبر بنك السودان المركزي، مطالبين بالسماح لهم بالتصدير المباشر على أن تعود حصيلة الصادر للشركات نفسها، ونجحوا في ذلك بعد أن انحاز لهم وزير المالية جبريل ابراهيم' والفريق البرهان الذي أصدر قرارا بإعفاء برعي الصديق علي أحمد من منصبه كمحافظ لبنك السودان المركزي، وتعيين آمنة ميرغني حسن التوم خلفاً له في المنصب. مما يؤكد أن حكومة الأمر الواقع في بورتسودان تعبر عن مصالح الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية وشركاتها العسكرية والمدنية التي تنشط في تهريب الذهب والمحاصيل النقدية والماشية. الخ. ٢ الإنتاج الحقيقي للذهب كما أوضحنا سابقا أكبر مما يرد في تقارير الشركة السودانية للموارد المعدنية التي اوردت في تقريرها الأحد، عن إنتاج 53 طنًا من الذهب خلال 9 أشهر، فيما بلغت حصيلة الصادر من المعدن الأصفر 909 ملايين دولار. ولا تشمل هذه الإحصائية الذهب الذي يُنتج في المناجم الخاضعة لسيطرة الدعم السريع وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور في دارفور، والحركة الشعبية ــ شمال بزعامة عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان. ويهرب معظم الذهب المُنتج إلى دول عديدة منها الإمارات ومصر، مما يفقد السودان عملة صعبة يحتاجها لتمويل استيراد السلع، خاصة دقيق القمح والوقود. جاء قرار إعفاء مدير بنك السودان بعد أن قرر بنك السودان المركزي في 15 سبتمبر السابق حظر تصدير الذهب، على أن يشتريه البنك ومن يفوضه وفقًا لأسعار البورصة العالمية، وذلك وفقًا للجنة العليا للطوارئ الاقتصادية التي حصرت شراء وتسويق المعدن النفيس في جهة حكومية واحدة.مما يوضح هيمنة شركات الجيش والطفيلية الاسلاموية ونهبها لثروات البلاد.وان قرارات حكومة كامل إدريس ظلت حبرا على ورق. ٣ اوضحنا في دراسة سابقة، انه كما تم نهب الأراضي وثروة البترول في فترة الانقاذ وبعدها ' استمرت الممارسات نفسها في نهب ثروة الذهب في السودان ، وتهريب أكثر من 70% من عائداته للخارج، علي سبيل المثال : متوسط إنتاج الذهب بين 100- 250 طن ( الشرق الأوسط :11 يناير 2020)، وتُقدر العائدات بحوالي 8 مليار دولار، في حين التقديرات الرسمية للحكومة بين 82- 93 طن ( موقع الجزيرة 5/1/ 2017)، بعائدات تُقدر بمتوسط 850 مليون دولار، مما يعكس حجم النهب والتهريب الكيير لعائدات الذهب في السودان، وفقدان الدولة لثروة كبيرة، مما يتطلب اوسع حملة لوضع الدولة يدها علي ثروة الذهب. اصبحت القوى العاملة في التعدين كبيرة ، حسب تقرير وزارة المعادن (2019) الذي أشار الي 3 ملايين يعملون في تعدين الذهب ، منهم 2 مليون يعملون في المهن الملحقة بالتعدين ” التكسير ، جلب المياه ، اعداد الوجبات .الخ”، مما يتطلب حمايتها من الآثار الضارة للتعدين ، وضرورة قيام نقابات واتحادات لها تدافع عن حقوقها ، وتوفير بيئة العمل المناسبة من سكن وخدمات صحية وتعليمية وثقافية، ورفع مستوي المعيشة. اضافة لحق مناطق التعدين في نسبة من الإنتاج لتنميتها وبناء المدارس والمستشفيات والطرق والبنيات التحتية، وتوفير خدمات الكهرباء ومياه الشرب ، وحماية البيئة من آثار استخدام المواد الضارة في التعدين مثل :السيانبد. الخ ، ومراجعة العقود المجحفة لشعب السودان التي تمت مع الشركات بما يضمن نسبة للدولة منها لا تقل عن 70% تذهب لبنك السودان ، بدلا من اهدار هذه الثروة وايداع عائداها خارج السودان مقابل الغذاء والوقود !!!، وحماية ثروة البلاد من النهب والتهريب. وتعيش هذه القوى العاملة في ظروف غير انسانية ومهددة بمخاطر التعدين مثل: انهيار المناجم، وتدمير المواقع الأثرية ، لسعات العقارب والأفاعي ، وتقلب الجو من البرودة الي الحرارة العالية كلما تم الوغل داخل المنجم، اضافة للآثار الضارة للتعدين باستخدام المواد الضارة بصحة البيئة والانسان والحيوان والنبات، والابادة الجماعية للسكان المحليين لنهب الذهب ، حتى اطلق مجلس الأمن وصف ” الذهب الدموى”، كما يصنف البنك الدولي مشتريات بنك السودان من الذهب بأنها ” غير معقمة” بسبب تلك الممارسات. تدخل عامل آخر في الصراع الدموى علي الذهب والصراع في دارفور حيث تريد الشركات الأجنبية طرد الأهالي والاستحواذ علي الأراضي التي يعيشون فيها المليئة بالثروات الطبيعية من ذهب ويورانيوم وماس. الخ، لكي يحدث ذلك لا بد من اخلاء السكان بالابادة الجماعية والتهجير، بالتالي دخل عامل جديد للصراع في دارفور ومناطق التعدين الأخرى وهو الاستحواذ علي الثروات والموارد لصالح فئات معينة، كما حدث في جبل عامر ، وفي الصراع الأخير الذي دار في جبل مون الذي يزخر بموارد تعدينية كبيرة علي رأسها الذهب ، أي صراع من أجل السيطرة علي الذهب ، والهدف تهجير قسري للسكان في المنطقة من قبل الشركات. فضلا عن الاشكال الأخرى لاخلاء السكان مثل : خلق الفوضي، تدمير الموسم الزراعي ، نهب مخازن الاغاثة التابعة لليوناميد من قوات الحركات بهدف لتجريد سكان المعسكرات من الغذاء ، ووضع النازحين في ظروف سيئة، كما حدث أخيرا، ايضا من المخاطر اطلاق النار من قوات الدعم السريع علي العاملين السلميين في التعدين في حالات النزاع . ٤ اصبحت الدولة تعتمد على صادرات الذهب بشكل اساسي بعد انفصال الجنوب وفقدان البلاد ل 75% من عائدات النفط التي لعبت دورا كبيرا في استقرار الجنية السوداني في فترة تصديره منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، ولكن مافيا التهريب التي تضم شركات نافذين في نظام المؤتمر الوطني السابق كانت تسيطر يشكل شبه كامل علي تجارة الذهب السوداني، بالتالي لم يكن الذهب ذو فائدة كبيرة للاقتصاد. منذ هيمنة المؤتمر الوطني كانت حصيلة صادرات الذهب لا تدخل خزينة الدولة ، بل تودع في حسابات بنكية خارج البلاد، وصادر الذهب مقابل الغذاء والسلع الضرورية، والدولة لا تشرف علي صرف الشركات قبل الإنتاج التجاري التي تضخم الفواتير، اضافة الي أن العقود بها خلل، 70% لشركات الامتياز ، وهي نسبة عالية لمورد ناضب علي مدي 25 عاما ، والدولة غير موجودة الا في 73 موقع فقط من 713 موقعا (موسي كرامة ، من يسرق الذهب في السودان، تحقيق الجزيرة: 9 / 10 / 2019). يواصل موسي كرامة وزير المعادن السابق : كما ارتفعت العائدات الفعلية للذهب في العام نفسه الي 8 مليار دولار ، إذا اعُتمد الحد الأدني 200 طنا، وهو عائد كبير لو ذهب الي خزينة بنك السودان لحدث فائض في ميزان المدفوعات السوداني، ولكن النسبة الأكبر من الذهب تُهرب عبر مظار الخرطوم وتُقدر بنحو 200 طن، اضافة لدور تجار الذهب الذين يعرضون مبلغا يزيد عن سعر البنك بنحو الفي دولار للكيلو الواحد، اضافة الي أن أغلب شركات التعدين لا تنقب عن الذهب ، بل تشتري من المعدنين التقليديين (موسي كرامة وزير المعادن السابق). ايضا : كشف تقرير أعده فريق من الاتحاد الإفريقي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، عن تهريب 267 طنا من الذهب السوداني خلال 7 سنوات، وافاد التقرير الذي تحدث عن الوضع الراهن لمكافحة التدفقات المالية غير المشروعة بأنه جرى تهريب هذه الكمية خلال الفترة بين 2013 و 2018 ، وأوضح رئيس الآلية الوطنية لمحاربة التدفقات المالية غير المشروعة، عمر حسن العمرابي أن تهريب الذهب خلال 7 سنوات بلغ 267 طن، بواقع 80 كيلو يوميا، مشيرا إلى وجود فرق 13.5 مليار دولار، بين معلومات الحكومة السودانية والدول التي استوردت الذهب والنفط. أما التقارير الرسمية لوزارة المعادن تقول : أن الفاقد يقدر بين” 2 – 4 ” مليار دولار سنويا بنسبة 37% من اجمالي صادرات البلاد، وأكثر من 70% من إنتاج الذهب يتم تهريبه بطرق غير رسمية ( الشرق الأوسط : 11/ 1/ 2020 في السياق الإقليمي والعالمي وخاصة في افريقيا الذي اشتدت فيه حمى البحث عن الذهب بسبب ارتفاع اسعاره بعد أزمة كورونا ،زادت ايضا حمي تعدين الذهب الدموي في السودان الضار بالبيئة والانسان والحيوان والنبات والماء والتربة واستخدام مواد مثل الزئبق الذي يسبب الفشل الكلوى، اضطرابات في القلب ، والكبد والطحال والاضطرابات العصبية .الخ، وغير ذلك من آثار شكوي التعدين، مما يعني أن الذهب الدموي يدمر ثروة السودان وبيئته ، مع التهريب للعائد من عصابات المرتزقة منذ حكم الانقاذ، والذي اصبح فيه حميدتي بين عشية وضحاها أكبر تجار الذهب في البلاد.. من خلال الذهب ونشاط المرتزقة المعتمد رسميا، أصبح حميدتي يتحكم بأكبر “ميزانية سياسية” للسودان، أموال يمكن إنفاقها على الأمن الخاص، أو أي نشاط، دون أي مساءلة، واصبحت شركة الجنيد، التي يديرها أقاربه، مجموعة ضخمة تغطي الاستثمار والتعدين والنقل وتأجير السيارات والحديد والصلب، وتساءل اليكس دي وال المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمية في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس في الولايات المتحدة، الذهب أكبر عدو للديمقراطية.. لماذا تقبل حكومة السودان التي يقودها الحراك باحتكار ميليشيا حميدتي لثروة البلاد التي لا تعوض؟ (موقع عربي بوست) على الرغم من الجهود الحكومية الأولية بعد ثورة ديسمبر مثل قيام “بورصة الذهب”، وأسعار مجزية من بنك السودان للمعدنين . الخ لاستعادة سيطرة الدولة أو القطاع الخاص على أجزاء من صناعة الذهب السوداني، لكن تعثرت تلك الجهود ومن ضمن الاسباب إدارة قوات الدعم السريع النافذة سياسياً اقتصاداً موازياً لحسابها الخاص، وهيمنة شركات الطفيلية الإسلاموية، وشركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع التي هي خارج ولاية وزارة المالية، وزاد من الفوضي ونهب الذهب انقلاب 25 أكتوبر، اضافة للحرب الجارية التي زادت من حمى نهب الذهب. ٥ كل ذلك يتطلب المقاومة من أجل وقف الحرب واسترداد الثورة، والحكم المدني الديمقراطي، وإعادة النظر في عقودات الذهب لمصلحة شعب السودان، ونسبة من العائدات لمناطق التعدين للتنمية، وحماية البيئة من آثار التعدين الضارة، ومكافحة التهريب وقيام بورصة الذهب، وتحديد نسبة معينة للتصدير، وتفكيك التمكين وإعادة ممتلكات الشعب المنهوبة ،وعودة شركات الجيش والأمن والشرطة الاقتصادية لولاية المالية، وحل مليشيات الدعم السريع وجيوش الحركات والكيزان وقيام الجيش القومي الموحد تحت إشراف الحكومة المدنية ، ووضع الدولة يدها علي ثروات البلاد المعدنية' إضافة إلى أن المعالجة الجذرية كما عبر الاقتصاديون لتهريب الذهب تتمثل في إنشاء بورصة خاصة بالذهب، فالإجراءات التي اتخذها البنك المركزي بحصر شراء وتصدير الذهب تُعد إجراءات مؤقتة وليست مستدامة، مشيرًا إلى أن الحل الأنسب هو إنشاء بورصة تُنظَّم فيها عمليات التداول والبيع والشراء، بحيث يأتي الذهب طوعًا إلى السوق الرسمي.فمع الفساد والتهريب الجاري لن يكون الذهب مؤثرًا في الموازنة الحالية، لكن إنشاء البورصة ومحاربة التهريب وتفعيل الإجراءات الأمنية لإغلاق المنافذ يمكن أن يؤدي إلى زيادة مساهمة الذهب في الموازنة العامة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة