ابي أحمد ... حين يتقدم حسن الجوار على حساب المصالح في مقطعٍ بثّه التلفزيون الإثيوبي مؤخراً، بدا الرئيس آبي أحمد في حديثٍ مشبعٍ بروحٍ إنسانيةٍ راقية، تعكس ما عُرف عن الشعب الإثيوبي من تهذيبٍ حضاريٍّ متجذّر، واحترام عميقٍ لقيم التعايش الإنساني. عبّر آبي أحمد عن مودّته الصادقة تجاه السودان، أرضاً وشعباً، مذكّراً بوشائج القربى والتاريخ التي لم تُفلح العواصف السياسية في اقتلاعها. ولعلّ ما عبّر عنه الرئيس الإثيوبي يجد صداه في ثلاثة مواقف تستحق التوقف عندها. أولها، ذلك القرار المسؤول الذي اتخذته إثيوبيا - دون ضجيج إعلامي - بإغلاق سد النهضة بعد امتلائه ووصوله إلى منسوبه الأقصى، حمايةً للقرى والمزارع الواقعة على ضفة النيل الأزرق داخل السودان من خطر الفيضان في موسم أمطارٍ غزيرةٍ هذا العام. موقفٌ إنسانيٌّ خالصٌ لو لم يُتّخذ، لغمرت المياه مساحاتٍ واسعة من الأراضي الزراعية والقرى السودانية. أما الموقف الثاني، فهو امتناع إثيوبيا عن قطع إمداد الكهرباء عن السودان رغم تراكم الديون لعامين متتاليين بسبب الأزمة التي تمر بها البلاد، في لفتةٍ تعبّر عن تضامنٍ أخويٍّ نادر في زمنٍ باتت فيه المصالح وحدها تحدّد سلوك الدول. والموقف الثالث، الأكثر دلالةً على رقيّ القيادة السياسية، هو امتناع آبي أحمد عن استغلال انشغال السودان بحروبه الداخلية لإعادة فتح ملف الأراضي المتنازع عليها في الفشقة. فقد آثر تأجيل هذا الملف احتراماً لظروف جاره المنكوب، مؤكداً أن "قوانين حسن الجوار" تفرض التريّث والرفق. أيّ قائدٍ هذا الذي يزن علاقات الشعوب بميزان الإنسانية لا بميزان القوة؟ وأيّ دروسٍ يمنحنا إياها هذا الرجل وهو يذكّرنا بأن الجوار ليس خطوطاً على الخريطة، بل روابط من القيم والمروءة؟ ومن هنا، يحقّ لنا أن نحيّي الشعب الإثيوبي ورئيسه المتحضّر الذي يجسّد بحق معنى كلمة (أمسنجالة) في لغتهم - أي “الإنسان النبيل”. أفلا يجدر بسلطة الأمر الواقع في بلادنا أن تتعلّم من هذا السلوك المتحضّر؟ ألا يجدر بها أن تستلهم من تراث "الجودية الشعبية" الذي نشأت عليه مجتمعاتنا السودانية في البوادي والحضر، لتبادر بمصالحةٍ دبلوماسيةٍ تاريخية تجمع بين إثيوبيا وإريتريا ومصر؟ ربما كان في مثل هذه الخطوة ما يخفّف من احتقان المنطقة، ويرتّب علاقاتها على أسسٍ جديدةٍ من التفاهم، بل لعلّه يُكتب في ميزان حسنات هذه السلطة، إن كان ثمة حسنات محفوظة أصلًا في موازينها! --------------------------------------------------------- لجنة تفكيك التمكين كانت تمثّلني، وستظلّ تمثّلني مستقبلاً أيضاً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة