أحاول في هذا المقال أن أنسج خيوطًا من التحليل والمجاز لأغوص في أعماق معنى "الصفر" ودلالاته المتعددة، بين "صفر الحساب" و"ساعة الصفر"، بين البداية والنهاية، والفرح الغامر والحزن القاتل في حياة الأفراد كما في عمر الأوطان ثمة لحظة تُسمى "الصفر"... لحظة تتساوى فيها الكفة بين الوجود والعدم، بين النهاية والبداية، بين الانكسار والانطلاق تلك اللحظة التي تُعرّي الإنسان أمام نفسه والوطن أمام قدره في هذا المقال، نقترب من فلسفة الصفر بوصفه مرآةً للحياة، ومجازاً لبناء الدولة وعتبةً للتجدد أو السقوط انه الصفر دائرة الوجود والعدم وفي معجم الأرقام يبدو "الصفر" دائرةً ساكنة لا لون لها ولا صوت لكنها في فلسفة الوجود مركز الدوران ومهد البدايات الصفر هو الرقم الذي لا يُرى لكنه يحكم ميزان الأعداد كلها فإن وُضع في موضعه الصحيح صنع الثراء وإن تقدّم على الأرقام محاها وجعلها سراباً عجيب هذا الصفر إنّه رقم لا رقم فيه لكنه يحمل في طيّاته فلسفة الحياة والموت والوجود والعدم وما بينهما من تحوّلات تصنع مصير الإنسان وتروي حكاية العالم في معجم الأرقام تبدو دائرة الصفر صغيرة وبلا وزن لكنها في فلسفة الحياة قد تكون أثقل رقم على الميزان الصفر ليس عدماً كما يظنه البعض إنه لحظة توازن بين الوجود والفقد بين الامتلاء والفراغ بين البداية والنهاية في حياة الكثيرين يعني الصفر النهاية نعم نهاية الرصيد نهاية الفرص نهاية الحلم لكنه عند آخرين هو بدايةٌ جديدة صفحة بيضاء تُكتب من جديد بعد أن مُسحت الأخطاء، فإن من يسدد ديونه حتى يبلغ الصفر يشعر براحة عميقة وكأن همًّا كان يثقل صدره قد انزاح عنهد بينما من تراكمت عليه الديون حتى أصبح رصيده تحت الصفر يتمنى أن يبلغ تلك النقطة الصفرية ليبدأ من هناك، حتى في الطبيعة حين تصل درجة الحرارة إلى "الصفر" فهي أدفأ من الأربعين تحت الصفر قد تبدو قاسية لكنها أرحم من السالب وهكذا هو الصفر في الحياة قد يبدو بارداً لكنه أرحم من الانحدار وفي الرياضة قد يكون الصفر على لوحة النتائج كارثة حين يعني الخسارة لكنه أحيانًا فوزٌ ثمين، حين يُبقي شباك الفريق نظيفة في وجه الهزيمة، ساعة الصفر حين تدق عقارب المصير"ساعة الصفر" ليست مجرد مصطلح عسكري لبدء معركة بل هي رمز لكل لحظة حاسمة في حياة الإنسان تلك اللحظة التي يتقرر فيها المصير حين لا يعود للانتظار معنى ولا للتردد مجال إنها نقطة التحول التي قد تقلب مسار حياة فرد أو شعب من حال إلى حال وفي تأمل أعمق ربما تكون لحظة موت الإنسان — نهاية عمره الدنيوي — هي أيضاً "ساعة الصفر" في رحلته الكبرى لحظة انتقال من دار الفناء إلى دار البقاء من زمن محدود إلى أفق آخر، الصفر هنا يبدو نهايةً ومطلعاً في آن واحد وفقاً للإيمان وقياس الإنسان لأفعاله وهنا يمر بنا السؤال او يمكن ان اسميه مجازا صفْر الوطن سؤال انه سؤال مُرّ عن السودان سؤال بعطعم العلقم، هل وصلنا — كمجتمع ووطن — إلى مرحلة الصفر في بناء الدولة؟ هل ما حصده السودان منذ الاستقلال مجموعة من أصفارٍ متراكمة مؤسسات منهارة خدمات متوقفة اقتصاد متهاوٍ وشباب بلا أفق واضح؟ أم أن هذه الأصفار يمكن تحويلها إلى درجات نجاحٍ إذا توافر قرارٌ سياسي رشيد مراجعة جريئة للسياسات وإدارة وطنية تبني من تحت الأنقاض سلماً للمجد والارتقاء؟ السؤال ليس بلاغة فحسب او مجرد عصف ذهني بل إنه دعوة للمواجهة الواقعية إذا كانت الحرب قد مزقت مؤسسات الدولة وأدت إلى تراجع سيطرة الحكومة على بعض المناطق وتفكك الخدمات العامة وإذا تحولت المدن إلى جزر من النزوح والدمار، فهل لدى المجتمع المدني والقوى السياسية والاستراتيجية الوطنية ما يملأ هذا الفراغ ويحوّل الصفر إلى منصة انطلاق؟ أم أننا سنجد أنفسنا أمام شرخٍ يؤدي بصفرٍ تلو الآخر إلى قعرٍ أعمق من الظلمات؟لان واقع السودان الراهن يحمل إشارات خطيرة على تآكل القدرة المؤسسية وتدهور الأوضاع الإنسانية جراء الحرب المستمرة و نزوح الملايين وتدهور الخدمات العامة وتزايد الحديث عن مخاطر "تفكك الدولة" وهل يمكن ان تتخذه اداة للاعمار وهل الصفر مرقاة أم درج نزول؟الصفر إما أن يكون مرقاة يسلّمك إلى العُلى، أو درجاً يقود إلى السفول من يراه قاعًا يسقط فيه. ومن يراه منصة ينطلق منه ذلك القرار — أن تختار كيف تنظر إلى الصفر — هو في طبيعته قرار أخلاقي وسياسي ومجتمعي قرار تتحکم به الرؤيا والقيادة والقدرة على التنظيم وإشراك المجتمع وللوطن مثل هذا الاختيار مضاعف التأثير يتطلب ميزاناً دقيقاً بين العدالة والفعالية بين الإصلاح المؤسسي ومحاسبة المفسدين وبين خارطة طريق عملية لإعادة إعمار المؤسسات وإحياء التعليم والصحة والاقتصاد حتى لا يتحول الصفر إلى استمرار سالب لا نهاية له. الختام اختر صفرك بنفسك في نهاية المطاف سيصل كل إنسان وكل وطن إلى لحظةٍ صفرية نقطة لإعادة التقييم أو النهاية الحتمية الصفر قد يكون محطة انطلاقٍ للناجحين وقد يكون هبوطًا للفاشلين لكن الأهم أن نعي أن الصفرة ليست مصيرًا حتمياً بقدر ما هي فرصة اختبار إمّا أن نحول أصفارنا إلى درجات نرقى بها نحو العلا أو أن نتركها تسحبنا إلى قعرٍ مظلم فاختر صفرك بنفسك وللوطن نقول هل نملك الشجاعة لتبديل صفرٍ مأساوي بمنطلقٍ جديد؟ وفي عالم الأرقام يبدو الصفر صغيرًا في حجمه لكنه عظيم في أثره فهو الفاصل بين الواحد والعشرة، وبين المائة والألف، وبين الألف والمليون صفر واحد فقط لكنه قادر على أن يرفع القيمة إلى عنان السماء أو يعيدها إلى نقطة البداية الصفر سيبقى دائماً لغز في الحياة وهو النقطة التي تلتقي فيها البداية بالنهاية حيث يولد الضوء من العدم وتنبعث الفكرة من السكون فاختر صفرك بنفسك هل يكون يمينك فيزيدك مجداً،أم يسارك فيسلبك كل ما بنيت؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة